ما جدّية الحملة ضد الفساد في مجلس مدينة حلب؟
في حديثها لصحيفة الوطن شبه الرسمية المنشور في 18 أيلول الماضي، كشفت مديرة الرقابة الداخلية في محافظة حلب عبير مكتبي، عن إحالة ما يزيد على 150 ملفاً إلى “الجهات المختصة” بعد ثبوت ارتكاب مخالفات جسيمة في عمل مجلس مدينة حلب.
وأشارت مكتبي إلى أن مديرة الرقابة الداخلية تتلقى شكاوى خطية أو مسجلة حول فساد ومخالفات تشوب عمل مجلس مدينة حلب. وأضافت أن مديرية الرقابة الداخلية تقوم بعد تلقي شكوى ما، بتدقيق ملفات مجلس المدينة الخاصة بالشكوى، والكشف على الأعمال المنفذة فيها، ومراجعة السجلات والوثائق والبيانات، ومقابلة المعنيين في المجلس وفي المديريات الخدمية، وأصحاب الشكوى، والاستعانة بالخبراء الفنيين والقانونيين. ومن ثم، تُعدُّ المديرية تقريراً أولياً عن الشكوى، وقد تقترح إحالتها إلى “جهة مختصة” تقوم بعدها بالتحقيق في الحادثة.
معظم المخالفات المنسوبة إلى مجلس المدينة، التي عددتها مكتبي، هي قضايا تتعلق بحقوق السكن الأرض والملكية. ومن تلك المخالفات؛ التغاضي والتستر على مخالفات بناء مقابل منفعة مادية، ومنح رخص بناء خلافاً للقوانين والأنظمة والتعليمات، وانتشار مخالفات البناء والترميم في المدينة القديمة بما لا ينسجم مع نسيجها العمراني، والتقصير في معالجة تقارير لجان السلامة العامة، وتسوية مخالفات بناء على وثائق مزورة أو وقائع مغلوطة، وتنظيم كتب لاستجرار مادة الإسمنت للرخص الممنوحة خلافاً للكميات المستحقة.
وأوضحت مكتبي أن الجهات المختصة التي أحيلت إليها قضايا المخالفات والمخالفين، هي الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، القضاء والأمن الجنائي. وهذه الجهات مسؤولة عن تنفيذ التوصيات والمقترحات والقرارات بفرض العقوبات وإزالة المخالفات أو معالجتها. وأكدت مكتبي أن الإطار القانوني لمعالجة قضايا المخالفات هو أحكام قانون مخالفات البناء رقم 40 لعام 2012.
المديرة قالت بأن ما يزيد على 30 متورطاً أحيلوا إلى الجهات المختصة بعد إثبات ارتكابهم للمخالفات، ومنهم من لا يزال موقوفاً. وأضافت أنه تم إعفاء ما يزيد على 55 متورطاً من المديرين الخدميين والمركزيين في مجلس المدينة، إضافة إلى رؤساء الدوائر وعمال المراقبة من مهندسين وفنيين.
وفي ظل صعوبة الوصول إلى مصادر حقوقية مستقلة في مدينة حلب، للحصول على معلومات أكثر عن أولئك الموظفين ونوع مسؤولياتهم، ودرجة تورطهم في قضايا المخالفات المنسوبة إليهم، تمكنت سيريا ريبورت من الوصول إلى مصادر مطلعة على عمل مجلس المحافظة، شككت بجدية جهود مكافحة الفساد التي تقودها السيدة مكتبي. المصادر أكدت على أن الـ150 شخصاً المحالين إلى “الجهات المختصة” هم بغالبيتهم موظفون عاديون، متورطون في قضايا فساد، لكنهم ليسوا على رأس هرم الفساد. وهؤلاء الموظفين غير مدعومين من جهات أمنية أو ميليشيات نافذة بحلب، ما يجعل من ملاحقتهم أمراً سهلاً. لكن، تؤكد المصادر أن هذا المسار من العدالة الانتقائية المبنية على المحسوبيات قليل التأثير في الحدّ من الفساد في المجالس البلدية.
على سبيل المثال، أشارت المصادر إلى عدم توجيه أي اتهامات إلى مدير الخدمات المركزية في مجلس مدينة حلب، وهو ليس من بين المحالين إلى أي “جهة مختصة”. ورئيس دائرة الخدمات، بحسب مصادر سيريا ريبورت، ضالع في مخالفات تتعلق بملف الأنقاض من مخلفات الحرب وزلزال 6 شباط في مدينة حلب. ولكن هذا المدير، محسوب على رئيس مجلس المدينة، والمسؤول بدوره عن ملف الأنقاض، ما يمنع مسائلتهما.
والأنقاض هي قضية شديدة الحساسية في مجال حقوق السكن الأرض والملكية، لكونها تعتبر ملكية خاصة والبرهان الأخير على ملكية الناس لعقاراتهم غير المرخصة. القانون رقم 3 عام 2018 الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها، كان قد أعطى لأصحاب العقارات المهدومة الحق بقيمة أنقاضهم، وترك للوحدات الإدارية تحديد تلك القيمة بعد بيعها للأنقاض في المزادات العلنية، أو تدوير الأنقاض وخصم تكلفة الهدم والإزالة منها. في جميع الحالات في حلب، لم يتم تعويض أحد عن أنقاضه، ولم يتم تطبيق القانون رقم 3 لعام 2018. أمر مماثل حدث في أنقاض مدينة اللاذقية بعد زلزال 6 شباط، والتي تمت معالجتها من دون العودة للقانون 3 رقم 2018.
مراسل سيريا ريبورت، قال إن هناك معملاً لتدوير الأنقاض في منطقة الراموسة، تابع لمجلس مدينة حلب، متوقف جزئياً عن العمل منذ عامين. وقد أعلن مجلس المدينة عن طرح هذا المعمل للاستثمار مراراً، من دون أن يرسو المزاد على أي مستثمر. المراسل أشار إلى عدم وضوح سبب عدم تفعيل المعمل رغم أن العمل في الأنقاض يعتبر مغرياً لكثير من المستثمرين. والمعمل مزود بمكب مساحته 85 ألف متر مربع، تستوعب بالحد الأقصى حوالي 400 ألف متر مكعب من الأنقاض، بارتفاع 5 أمتار. ومنذ أغلق المعمل جزئياً والأنقاض فيه بحد تخزينها الأعظمي.
ومع ذلك، يعتبر ما هو موجود في المكب كمية متواضعة من أنقاض أحياء مدينة حلب الشرقية المقدرة بحدود 3.6 مليون متر مكعب قبل زلزال 6 شباط 2023. ويضاف إلى ذلك، تضرر ما بين 5,000-10,000 آلاف بناء في زلزال شباط الماضي، يتوجب العمل على إزالتها، وفقاً لتصريحات مسؤولين رسميين للأهالي. وبالتالي، نحن أمام ملايين جديدة من الأمتار المكعبة من الأنقاض. وليس واضحاً لحد اليوم كمية الأنقاض المعاد تدويرها في حلب وسط تناقض كبير في الأرقام الرسمية.
ولكن، بدل قيام مجلس المدينة بتفعيل معمل الراموسة، باع جزءاً كبيراً من أنقاض مدينة حلب، لمعامل تدوير أنقاض خاصة، معظمها تابعة لميليشيات مدعومة من الحرس الثوري الإيراني كلواء الباقر. بحسب مصادر سيريا ريبورت، الممثل السياسي للواء الباقر عمر الحسن، لديه معمل لتدوير الأنقاض في منطقة بعيدين شمالي حلب، واستقبل مئات الأمتار المكعبة من الأنقاض المُرحّلة إليه من مدينة حلب خلال الشهور القليلة الماضية.
كل ذلك يجري من دون أي توثيق لملكية الأنقاض، ولا أي تعويض لأصحابها. ومع ذلك، تصر مديرية الرقابة الداخلية على رؤية أي مخالفة في ملف الأنقاض تستوجب إحالة المسؤولين عنها للتحقيق.