عقبات إدارية وقانونية تحول دون تثبيت الملكيات في مناطق الإدارة الذاتية
في ظل الارتفاع المتواصل في أسعار العقارات وقيم الضرائب العقارية، وكذلك ضغط الحاجات السكنية للنازحين إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، وأيضاً الهجرة الكثيفة لأهالي المنطقة إلى الخارج، يسعى أصحاب العقارات لتوثيق ملكيتهم بكل الطرق المتاحة. ولكن، هناك عقبات تحول دون ذلك، خاصة بسبب الازدواجية القضائية، وازدواجية السلطات المختصة بالتوثيق العقاري، بين تلك التابعة لحكومة دمشق وتلك التابعة للإدارة الذاتية.
ويسعى كثيرون في مناطق الإدارة الذاتية، لتثبيت ملكياتهم أصولاً، عبر رفع دعاوي تثبيت عقود بيع أمام محاكم البداية المدنية التابعة لوزارة العدل في حكومة دمشق. ويحصل المشتري في هذه الحالة على قرار قضائي بتثبيت الملكية فقط إذا وقع العقار في منطقة ضمن المخطط التنظيمي. إذ ترفض المصالح العقارية التابعة لدمشق، وضع إشارة دعوى تثبيت عقد شراء عقار خارج المخططات التنظيمية، وتطلب لذلك كتاباً تصدره البلدية المعنية يبيّن الصفة التنظيمية للعقار وضابطة البناء المتبعة. والمشكلة هنا، أن الصفة التنظيمية لأغلب المناطق العقارية خارج مراكز المدن الرئيسية ما زالت أرضاً مشاعاً غير مفرزة. وكما في كل العشوائيات، يقوم أصحاب تلك الأرضي ببيع أجزاء منها، أو عقارات مبنية عليها، على شكل أسهم غير مفرزة.
مثلاً، أحمد، لديه عقار في مدينة الحسكة، وتمكن من تثبيت عقد البيع بموجب قرار قضائي من محكمة البداية المدنية. ولكن، عندما باع أحمد عقاره رفضت محكمة البداية المدنية ذاتها تثبيت عقد البيع السابق الصادر عنها، وطالبت المشتري الجديد بالحصول على كتاب من البلدية يبين الصفة التنظيمية للعقار. وعندما راجع أحمد البلدية قامت بالكشف الطبوغرافي على العقار وقارنته بالمخططات التنظيمية لديها، فوجدت أن المنزل مقام على أرض مخصصة لبناء حديقة عامة.
والاستملاك للمنفعة العامة يتم حصرياً بقرار يُبلغ به أصحاب العلاقة، وبتعويض مناسب. ولكن ما حدث مع أحمد، أن الأرض ملحوظة في المخطط التنظيمي لتكون حديقة عامة، لكن فعلياً لم يتم استملاكها بعد. وطالما لم يصدر قرار الاستملاك، فالعقار ليس ملكية عامة. ولذا، يمكن تثبيت الملكية، إلى حين صدور قرار الاستملاك والتعويض أصولاً. ولكن هذا ما لم يحدث مع أحمد، حيث تم رد الدعوى ولم يستطع تثبيت عقد البيع ونقل الملكية للمشتري الجديد منه.
كذلك الأمر حدث مع خالد الذي اشترى منزلاً، ورفع دعوى تثبيت عقد البيع، ليتفاجئ بأن الأرض التي يقوم عليها المنزل مخصصة في المخططات التنظيمية لإشادة مدرسة. وفي هذه الحالة، لن يستطيع خالد تثبيت ملكيته، لذلك فسخ خالد عقد البيع واسترد ما دفعه للبائع.
فعلياً، طالما لا توجد إشارة مانعة للتصرف على العقار، فلصاحبه كامل الحرية في التصرف به. وحتى لو كان العقار ملحوظاً للنفع العام في المخططات التنظيمية، فيجب على المحكمة إصدار قرار بتثبيت عقود البيع وعدم حرمان المشتري من تثبيت ملكيته حتى لو تأخر تنفيذ تلك المخططات. وكانت الحرب خلال السنوت الماضية قد عطّلت أعمال التوسعة العمرانية للمدن والبلدات، وبالتالي عملية تحديث المخططات التنظيمية ومطابقتها للواقع.
يقول خليل أنه عندما رفع دعوى تثبيت عقد شراء منزله، الذي يملكه منذ عشرات السنين في أطراف مدينة القامشلي، طالبته محكمة البداية المدنية بالترخيص القانوني. والترخيص القانوني هو معاملة إدارية تقوم بها مديريتا الزراعة والمصالح العقارية، إذا كان العقار واقعاً في المناطق الحدودية خارج المخطط التنظيمي. ويجب في هذه الحالة الحصول بشكل مسبق على موافقة أمنية تقرها وزارتي الدفاع والداخلية.
وبحسب ما اكتشفه خليل، فقد كانت بلدية القامشلي بصدد تنظيم تلك المنطقة وضمها إلى المخطط التنظيمي منذ سنوات. لكن، الإجراءات الادارية أخرت تلك العملية، وبعدها تسببت الحرب بإهمال الموضوع وما زال معلقاً.
من جانب آخر، لا تعترف الإدارة الذاتية بوثائق التخصص الصادرة عن البلديات التابعة لدمشق ما بعد العام 2011. ووثائق التخصص هي بمثابة وثائق ملكية تصدرها البلديات لتثبيت ملكية العقارات، ومعظمها أراضي، التي تبيعها للأشخاص. وتستند الإدارة الذاتية في ذلك على قانون الضوابط والأنظمة الذي اصدرته في العام 2014، لتنظيم العمران. وتطلب الإدارة الذاتية من الراغب بالحصول على وثيقة التخصص، شراء العقارات حصرياً من بلدياتها.
وينطبق ذلك على العقارات التي باعتها البلديات التابعة لدمشق بعد العام 2011. أي أن الإدارة الذاتية لا تعترف بوثائق التخصص التي أصدرتها بلديات النظام بعد العام 2011، وتطلب من مشتريها الحصول على وثائق تخصص جديدة من بلدياتها. وهذا يعني أن المشتري بات مجبراً على شراء العقار مرة أخرى من بلديات الادارة الذاتية. ويمكن للمشتري ألا يقوم بذلك، إلا أنه إذ ما أراد البناء على الأرض، فيتوجب عليه الحصول على رخصة بناء من بلديات الإدارة الذاتية. وهنا لا بد من الحصول على وثيقة تخصص من بلديات الإدارة الذاتية.
تقول ليلى أنها حصلت على وثيقة تخصص من بلدية القامشلي التابعة لدمشق في العام 2013، لكن بلدية الادارة الذاتية طلبت منها في العام 2023 شراء ذات الأرض منها مجدداً، لإصدار رخصة بناء عليها.