لماذا تشتري عائلة المراسمة الديرية عقارات في معضمية الشام؟
خلال السنوات الثلاثة الماضية، شهدت مدينة معضمية الشام بريف دمشق حركة نشطة لشراء العقارات يقف خلفها متعهدو ومقاولو بناء يتمتعون بعلاقات جيدة مع مسؤولي الفرقة الرابعة المسيطرة على المنطقة. ومن أولئك المتعهدين، مندوبون عن عائلة في ديرالزور. وفي الوقت الذي لا تشكل فيه العملية تهديداً مباشراً لحقوق السكن والأرض والملكية لأنها تجري بشكل نظامي، إلا أنها تحمل مخاطراً لجهة كونها ممنهجة ومركزة، مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة لسكان المنطقة لشراء عقاراتهم.
تتبع مدينة معضمية الشام إدارياً منطقة داريا غربي العاصمة، وتحاذي حي المزة الدمشقي. وكانت مشهورة بزراعة الزيتون، والزراعات الموسمية، إلا أنها فقدت طابعها الزراعي، منذ الخمسينيات مع استملاك الدولة لمعظم أراضيها لصالح وزارة الدفاع ومحافظة دمشق. المصادرة تصاعدت منذ منتصف السبعينيات، بغرض إقامة حزام أمني-عسكري غربي دمشق. وتبلغ كامل المساحة المستملكة في المعضمية، حوالي 80% من مساحتها (3377.3 هكتاراً من أصل المساحة الإجمالية البالغة 4209.7 هكتاراً) وتضرر منها حوالي 35 ألف نسمة.
كان يسكن معضمية الشام حوالي 70 ألفاً قبل العام 2011، وضمن المدينة حي شرقي سكنته غالبية علوية من عائلات الضباط العاملين في مطار المزة العسكري والمخابرات الجوية. سيطرت المعارضة على أجزاء كبيرة من معضمية الشام نهاية العام 2012، وشكلت مع مدينة داريا المجاورة منطقة عسكرية واحدة حتى نهاية العام 2015. في المعضمية جرت المصالحة في أيلول 2016، برعاية روسية، بعد تهجير 500 ناشط ومقاتل من رافضي المصالحة مع عائلاتهم. ومع ذلك ما زالت المدينة مطوقة بالحواجز وتعيش حالة غير معلنة من الحصار المتواصل، وتسيطر عليها الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية عبر شبكة من الميليشيات المحلية المتعاونة معهما.
موقع صوت العاصمة المعارض، نشر مقالاً في نوفمبر 2022، قال فيه أن مندوبين للشيخ فرحان المرسومي، اشتروا منذ العام 2018، بالتعاون مع الفرقة الرابعة وقادة ميليشيات محلية، عشرات العقارات والأراضي الزراعية، واستقدموا 250 عائلة من عشيرة المراسمة للإقامة فيها.
بحسب مصادر سيريا ريبورت، المراسمة هي عائلة صغيرة، وليست عشيرة، وهي تسكن بالأصل بلدة الهري بريف البوكمال في محافظة ديرالزور. العائلة سنيّة، لكنها على غرار كثير من عوائل وعشائر المنطقة، تنسب نفسها لآل البيت. وبحكم موقع بلدة الهري في الصحراء بين سوريا والعراق، فقد اشتهرت العائلة تاريخياً بتهريب البضائع عبر الحدود، خاصة الدخان. زعيم العائلة هو الشيخ فرحان المرسومي، وينشط في التعهدات العقارية في مناطق مختلفة من سوريا، ويستثمر في ذلك أموالاً لوجهاء العائلة وبعضهم ممن عملوا في مجال التعهدات في دول الخليج العربي. بينما يعرف الشيخ فرحان بعمله في تجارة وتهريب النفط غير الشرعية، بين مناطق الإدارة الذاتية الكردية شرقي سوريا ومناطق سيطرة النظام في ديرالزور. وللشيخ فرحان علاقات جيدة مع الميليشيات الإيرانية المسيطرة على المنطقة الحدودية السورية-العراقية، وسبق أن ترشح لعضوية مجلس الشعب في سوريا في انتخابات العام 2020، لكنه لم ينجح.
مراسل سيريا ريبورت أشار إلى عدم وجود أدلة تثبت تشيّع المرسومي أو عائلته، أو عمله بشكل مباشر لصالح الحرس الثوري الإيراني. المراسل أشار إلى وجود إشاعات بأن شراء المرسومي للعقارات في المعضمية هي خطة إيرانية للهندسة الاجتماعية وتغيير النسيج السكاني في محيط العاصمة دمشق. وبحسب تلك الإشاعات يسعى المرسومي إلى تشكيل تجمع لعائلته في المعضمية لأنها قريبة من العاصمة. سيريا ريبورت لم تتمكن من نفي أو تأكيد هذه المزاعم.
المراسل أشار إلى أن وجود أبناء مدينة ديرالزور في المعضمية وداريا المجاورة، يعود إلى ما قبل العام 2011، وكثير منهم يملكون العقارات التي يسكنون فيها. وأوضح نقلاً عن متعهدين عقاريين في المدينة، بأن الأمر حالياً غير مقتصر على مندوبي المرسومي، بل بإمكان أي متعهد يمتلك سيولة مالية شراء أي عقار. ولكن ما يميز مندوبي المرسومي، هو قدرتهم المالية والأسعار الجيدة التي يدفعونها لشراء العقارات، في منطقة تعاني من فقر وما يشبه الحصار.
المراسل أشار إلى أن مندوبي المرسومي لا يركزون على عقارات المعارضين للنظام والمهجرين قسرياً من المدينة، وإنما يشترون العقارات المعروضة للبيع، بغض النظر عن أصحابها. ويفضل مندوبو المرسومي شراء العقارات التي لا توجد عليها إشارات منع ملكية، كالحجز والرهن، أي غالباً العقارات التي لا يعاني أصحابها من مشاكل أمنية مع أجهزة الأمن السورية.
وتجري عملية الشراء والبيع بشكل نظامي. ولكن، غالبية البائعين هم من المضطرين للبيع بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة. إذ وضع المتعهدون ما يشبه سعراً موحداً للعقارات والأراضي في المعضمية، على الشكل التالي: سعر القصبة الواحدة من الأرض (23.75 متراً مربعاً) ما بين 2-5 ملايين ليرة، بحسب موقع الأرض. في حين يتراوح سعر المتر المربع من البناء الجديد على العظم ما بين 400 ألف و1.5 مليون ليرة، بينما سعر المتر المربع في المنازل العربية القديمة لا يتجاوز 150 ألف ليرة. وتعتبر هذه الأسعار مجحفة، وهي أقل من نظيراتها في المناطق المحيط بالمعضمية مثل جديدة عرطوز وصحنايا وعرطوز البلد، بنحو 10%.
بالنسبة لعقارات المعارضين التي حجزت عليها وزارة المالية احتياطياً بموجب قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012، يقوم مندوبو المراسمة بشراء تلك العقارات بالتراضي مع أصحابها ومعظمهم خارج سوريا، بعقود بيع لها تواريخ قديمة، وبسعر قليل. وتبقى في هذه الحالة إشارة الحجز على صحيفة العقار. ويستهدف مندوبو المرسومي هذه العقارات أحياناً بسبب رخص سعرها. وقد تسبب رخص سعر تلك العقارات بحدوث تنافس حاد عليها، بين مندوبي المراسمة ومتعهدين آخرين، ما تسبب على الأقل لمرة واحدة بحدوث حالة خطف وتهديد باللجوء إلى الأجهزة الأمنية. في معظم تلك الحالات تم التوصل لحل رضائي لصالح المرسومي، مقابل مبالغ مالية لانسحاب الطرف الثاني من عملية الشراء.
وفقاً للأنظمة العمرانية السائدة، لا يجوز الترخيص لبناء على الأراضي المملوكة على الشيوع، داخل المخططات التنظيمية لمجالس الوحدات الإدارية. ولكن يبدو بأن مندوبي المراسمة، عبر ارتباطاتهم الأمنية، قادرين على استخراج رخصة بناء على أرض مملوكة على الشيوع، إذا كانت حصة أحد الشركاء المحجوزة احتياطياً صغيرة نسبياً. ويلجأ المراسمة في ذلك إلى تقديم طلب “ترخيص على الشيوع” للبناء إلى بلدية المعضمية. وبذلك، يتم ترخيص البناء على الحصص غير المحجوزة احتياطياً بما يتناسب مع نظام ضابطة البناء. بينما يتم ترك الحصة المحجوزة كوجيبة للبناء، أو حديقة. إذ كانت تلك الحصة كبيرة، يتم البناء فيها بشكل مخالف.