كيف تعاملت المصالح العقارية في مناطق سيطرة المعارضة مع آثار الزلزال؟
زاد زلزال 6 شباط 2023 من الصعوبات التي تواجهها الجهات المنوط بها إدارة المصالح العقارية في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا. وعلى الرغم من ذلك لم تصدر عن تلك الجهات أية تعليمات أو قوانين لمعالجة آثار الزلزال، في ظل افتقار المنظومة التشريعية السورية إلى قوانين تعالج وضع الممتلكات المتضررة بالكوارث الطبيعية أو الحروب.
إذ شكّل الزلزال خطراً إضافياً على حقوق الملكية في مناطق سيطرة المعارضة التي تعرضت للقصف على مدى السنوات الماضية، والتي تعاني من مشاكل توثيق الملكيات العقارية، والتنظيم العمراني والسكن العشوائي. ولذا، بدت الجهات المسؤولة عن إدارة المصالح العقارية في تلك المناطق عاجزة عن توثيق وحماية حقوق الملكية المتضررة بالزلزال.
المصالح العقارية هي الهيئة الرسمية المكلفة بتوثيق الملكيات، و التبدلات الطارئة على العقارات. ولا تكتسب أي وثيقة تخص العقارات صفة الإثبات القطعي، ما لم تدون في سجلات المصالح العقارية. وفي مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، توجد عدة إدارات عقارية متعددة؛ أحدها هي مديرية المصالح العقارية في إدلب الخاضعة لحكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، في حين أن مناطق سيطرة الحكومة المؤقتة المدعومة من تركيا تبدو أكثر تشتتاً وتتبع كل دائرة مصالح عقارية فيها إلى مجلس المنطقة المحلي كما هو الحال في دائرة المصالح العقارية في أعزاز وأيضاً مديرية المصالح العقارية في مدينة الباب وأيضاً دائرة السجلات العقارية في عفرين.
المناطق التي تديرها حكومة الإنقاذ
لم تصدر أية تعليمات أو قرارات عن مديرية المصالح العقارية بإدلب على خلفية الزلزال. مصدر في المديرية قال لسيريا ريبورت، إن أحداً لم يطلب منهم فعل شيءٍ. وأوضح أن الإجراءات المتبعة في مديرية المصالح العقارية في إدلب بخصوص العقارات المنهارة، تكون كالتالي: إذا كان هناك عقار له قيد في السجلات العقارية ومفرز، وتعرض هذا البناء للدمار والهدم، يمكن بالاستناد إلى السجلات إعادة تحديد حدود الأرض التي كان العقار قائماً عليها بدقة، كما يمكن إعطاء مخطط تفصيلي للبناء كما كان قائماً قبل الدمار.
وتقوم المديرية بهذا العمل بناء على طلب أصحاب العقارات، خاصة إذا ما حدث خلاف بينهم. أما إذا كان البناء مخالفاً وغير مسجل ومفرز في المصالح العقارية، فيكون مسجلاً كأرض سليخ أو معدة للبناء، وبالتالي لا تستطيع المصالح العقارية فعل شيء سواء في حالة الزلزال أو غيره.
وهذه الحالة ليست جديدة في سوريا، بل تنطبق على المساكن في المناطق العشوائية التي تعرضت لدمار واسع خلال مجريات القتال في السنوات الماضية، أو حتى تلك التي تعرضت للتجريف والإزالة من قبل النظام. وتسبب ذلك بضياع حقوق أصحاب تلك المساكن التي كانت موجود على أرض الواقع لكنها غير موثقة في السجلات العقارية.
وبحسب مصادر سيريا ريبورت، فقد تعاملت وزارة الإدارة المحلية والخدمات التابعة لحكومة الإنقاذ مع تبعات الزلزال، ولكنها اقتصرت في مقاربتها على مساعدة المتضررين فقط. مصدر مطلع في الوزارة، قال إن الوزارة لم تُصدر أية قرارات أو تعليمات جديدة، عدا ما صدر بعد الزلزال مباشرة من تشكيل لجان تقييم أضرار الزلزال.
الوزارة، قليلة الموارد، حاولت مساعدة المتضررين من الزلزال عبر توجيه المنظمات الإنسانية العاملة في إدلب باتجاه ترميم المساكن المتضررة. وعملت الوزارة على التنسيق مع تلك المنظمات، وزودتها بالمعلومات التي أعدتها لجان تقييم أضرار الزلزال عن المباني المتضررة ووصف حالتها وما تحتاجه؛ إزالة، تدعيم أو ترميم. وطلبت الوزارة من المنظمات إعطاء الأولية لترميم المباني المتضررة بحسب مصدر في أحد المنظمات.
على سبيل المثال، منظمة شفق، وهي منظمة غير حكومية سورية مسُجلة في تركيا منذ العام 2013، حصلت على موافقة الوزارة للعمل على ترميم منازل في بلدة معرتمصرين. وقامت الوزارة بتزويد المنظمة بلائحة من 50 مبنى متضرر من الزلزال بحاجة للترميم، وطلبت منها متابعة التنسيق مع المجلس المحلي في معرتمصرين فيما يخص المباني التي لم يطلب أصحابها من اللجان الكشف عنها بعد الزلزال. والحال نفسه ينطبق على المنظمات العاملة في سلقين وأرمناز وباقي مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ.
المناطق التي تديرها الحكومة المؤقتة
في المناطق التي تديرها الحكومة السورية المؤقتة، لم يختلف الحال كثيراً بخصوص تعامل إدارات ومديريات المصالح العقارية مع تبعات الزلزال. ومن المهم الإشارة إلى مبادرة خاصة في منطقة جنديرس بريف عفرين، لحفظ الحقوق العقارية. إذ أن جنديرس كانت المنطقة الأكثر تضرراً من الزلزال، ما تسبب بانهيار وإزالة الكثير من المباني، وخلق مخاوف على حقوق الملكية فيها. السجل العقاري في إعزاز تواصل واجتمع مع منظمة اليوم التالي، وهي منظمة غير حكومية مهتمة بحقوق السكن والأرض والملكية، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة مساحية لتحديد مواقع وحدود الأبنية المدمرة في جنديرس، أي بما يشبه أعمال التحديد والتحرير.
وهناك أزمة قديمة في معالجة قضية الملكيات العقارية في عفرين، لأسباب رئيسية: أولا، لأن قاعدة البيانات العقارية لما قبل العام 2011 في عفرين موجودة فقط لدى دائرة المصالح العقارية الرئيسية في مدينة حلب. وثانياً، بسبب وجود عدد كبير من الوثائق العقارية التي تركتها شعبة السجلات العقارية التابعة للإدارة الذاتية خلال فترة سيطرتها على المنطقة بين العامين 2012-2018، ومعظمها يعود لبناء مخالف. وثالثاً، حدوث توسع عمراني كبير، ومعظمه مخالف أيضاً، بعد سيطرة المعارضة خاصة بعد العام 2021.
وقد تعاملت مع تبعات الزلزال في مناطق الحكومة المؤقتة كل من نقابة المهندسين الأحرار ووزارة الإدارة المحلية والخدمات والمجالس المحلية. بالتعاون بين هاتين الجهتين، تم تشكيل لجان للكشف على المباني المتضررة ووصف حالتها الفنية وحاجتها. وبسبب ضعف الإمكانات أيضاً وقع عبء التمويل على المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة.
على سبيل المثال، في 19 شباط 2023، تم توقيع مذكرة تفاهم بين نقابة المهندسين ومؤسسة رحمة بلا حدود، وهي منظمة غير حكومية تأسست في العام 2012 ومرخصة في تركيا، أطلقا بموجبها مشروع المسح الشامل للمنشآت والمباني لتقييم أضرار الزلزال في المناطق التي ضربها في شمال سوريا، على أن تقدم بموجبها المؤسسة المعدات والتجهيزات اللازمة لعملية التقييم والخدمات اللوجستية المرتبطة بها وتأمين أجور فرق تقييم المنشآت والمباني في منطقتي اعزاز وعفرين.
في جنديرس، اتفقت إدارة مشروع المسح الهندسي الشامل للمنشآت والمباني، ولجنة السلامة العامة في نقابة المهندسين السوريين الأحرار، ورئاسة المجلس المحلي في مدينة جنديرس، ومهندسي المكتب الخدمي في المجلس المحلي، على أسس عملية المسح والتقييم والإشراف على عملية الإزالة ورفع الأنقاض للمباني المتضررة. في مطلع آذار، بدأت إزالة وترحيل الأنقاض من مدينة جنديرس، بموجب نتائج عملية المسح.
كما قامت وزارة الإدارة المحلية والخدمات في آذار 2023 بتشكيل اللجنة المركزية لمسح وتقييم الأضرار، بالتنسيق مع نقابة المهندسين الأحرار، و وحدة تنسيق الدعم، وممثلي مجلس محافظة حلب الحرة، والمجالس المحلية في جنديرس وعفرين واعزاز وصوران، ومنظمة الدفاع المدني السوري، ووحدة دعم الاستقرار، ونقابة محامو حلب الأحرار، وجامعة حلب الحرة. وقررت تلك الأطراف تشكيل لجان فرعية في المناطق المتضررة بإشراف الحكومة المؤقتة، لإنجاز التقييم الشامل لأضرار الزلزال، وتقديم مقترحات وتنفيذها مع الحفاظ على حقوق الملكيات العقارية.