انتهاكات حقوق الملكية في رأس العين وتل أبيض تتواصل
في تشرين الأول 2019 سيطرت فصائل الجيش الوطني المعارضة، المدعومة من تركياً، على شريط حدودي بين سوريا وتركيا يضم مدينتي تل أبيض في الرقة ورأس العين في الحسكة، شمال شرقي سوريا. المنطقة كانت تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، منذ العام 2013، وكانت تدار عبر مؤسسات الإدارة الذاتية الكردية، مع استمرار تواجد بعض الدوائر ومؤسسات حكومة دمشق.
وعلى إثر سيطرة المعارضة على الشريط الحدودي، نزح عدد كبير من السكان، خاصة من الأكراد، نحو إقليم كردستان العراق، وإلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في الحسكة والرقة. ويرفض كثير من أولئك النازحين قسرياً العودة، ويعتبرون الوضع الأمني غير مستقر في مناطقهم الأصلية. ويتعزز ذلك الخوف مع الأنباء عن انتهاكات تقوم بها فصائل المعارضة لحقوق السكن، الأرض والملكية للنازحين قسرياً. إذ استولت الفصائل على بيوت ومحال للنازحين الأكراد، وتبرر ذلك باتهامهم بالانتماء إلى قسد، أو العمل مع الإدارة الذاتية.
تقول كلجهان حرسان، النازحة من رأس العين والمقيمة حالياً في منزل شقيقتها بعامودا، لمراسلة سيريا ريبورت، إنها ومنذ مغادرتها مجبرة في العام 2019، قلقة على مصير منزلها الذي تركته خلفها في رأس العين. جيران كلجهان العرب الذين بقوا في رأس العين، أخبروها بأن منزلها تعرض للتعفيش، وحرق ما تبقى من محتوياته. في ذلك المنزل، تركت كلجهان ذكريات عائلتها، ولم تتمكن سوى من اصطحاب الضروري منها، خوفاً من اقتراب الاشتباكات منهم. في منزلها، بقيت كل الجوائز التي حصل عليها زوجها الموسيقي الراحل، ومتعلقات أبنائها الذين تفرقوا في بقاع الأرض.
أيضاً، هندرين ايسو، نازحة قسرياً من مدينة رأس العين إلى مدينة القامشلي، تقول لمراسلة سيريا ريبورت، إن عائلتها تركت خلفها بناء طابقياً، وقد سكنته حالياً عائلة نازحة من ديرالزور، من دون أي صيغة قانونية أو تعويض مالي. تقول هندرين، إن عائلتها تركت خلفها كل الأثاث والحاجيات الشخصية، وهم حالياً نازحون يقطنون مسكناً بالإيجار في القامشلي.
الغالبية العظمى من سكان رأس العين الكرد نزحوا بعد سيطرة الجيش الوطني عليها. لكن، أيضاً نزح عن المدينة الكثير من العرب قسرياً، وتركوا أملاكهم خلفهم. يقول خالد الأحمد، القاطن حالياً في مخيم التوينة في الحسكة، أن ابنه كان يعمل موظفاً في إحدى مؤسسات الادارة الذاتية، ولذا، وخوفاً من الانتقام والتوقيف التعسفي، نزحت كل العائلة عن المدينة. يقول خالد، إنه يخشى العودة، ويفضل بيع منزله في رأس العين، ليشتري منزلاً آخر في الحسكة. لكنه يردف، بأنه نسي عند نزوحه اصطحاب وثائق ملكيته للمنزل، ويتابع بأسى: وحتى لو كان سند التمليك معي فليس هناك من سيشتري المنزل منه في ظل الظروف الراهنة.
ويسكن قرابة عشرون ألف نازح من مدينة رأس العين في مخيمات الطلائع والتوينة وتل السمن، في الحسكة، في ظروف قاسية ليس أصعبها شح المياه، وتقلبات الحرارة في منطقة صحراوية، بحسب مراسلة سيريا ريبورت في المنطقة.
أحد القاطنين في منزل تركه نازح عن تل أبيض، قال لمراسلة سيريا ريبورت، إن فصيلاً مسلحاً طلب منه إيواء عائلة أخرى معه مقابل 2000 دولار، لأمد غير محدد. القاطن في المنزل، ليس مُستأجِراً له، ولا يعرف صاحبه أصلاً، بل هو شاغل له بوضع اليد. ويقول القاطن إن عرضاً مماثلاً قدمه الفصيل المسلح لكثير من شاغلي العقارات التي تركها النازحون خالية خلفهم. وغالباً ما تكون العائلة المطلوب إيوائها مُهجّرة قسرياً من مناطق المعارضة كريف دمشق، ممن يقاتل أبناؤها في صفوف الجيش الوطني. في المقابل، يحصل القاطن الذي يوافق على إيواء العائلة معه، على ورقة مكتوبة وغير رسمية، من الفصيل المسلح، تضمن منع أي جهة من إخراجه من المنزل. والمقصود بهذه الورقة هي منع صاحب العقار الأصلي من المطالبة باسترداد عقاره فيما لو عاد إلى المنطقة.
من جهة أخرى، تفرض بعض الفصائل على العائدين إلى المنطقة دفع مبلغ لتأمين “الحماية” لهم، ومساعدتهم في استعادة عقاراتهم الخالية، أو اخلائها من الشاغلين. وقد يصل ذلك المبلغ إلى 1000 دولار. وتتسبب تلك العمليات غير القانونية وغير الموثقة بحدوث كثير من النزاعات بين الفصائل المسلحة على المساكن في مناطق نفوذها. وقد يتعرض الشخص نفسه، لمطالبات مالية مقابل الحماية، من فصائل متعددة.
بحسب ملف توثيقي يعود للعام 2021، أعده محامون من منظمة “بيل-الأمواج المدنية” غير الحكومية العاملة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، فإن فصائل المعارضة استولت على أكثر من 3,000 مسكن لنازحين قسرياً عن رأس العين لوحدها. بعض تلك المساكن يقطنها نازحون جدد إلى المنطقة، ومنهم عراقيون. على سبيل المثال، في حيي المحطة والخرابات في رأس العين، تقطن أكثر من 20 عائلة عراقية في منازل لنازحين، منذ العام 2019، من دون أي سند قانوني.
وثائق الملكية العقارية لكل مدن وأرياف محافظة الحسكة محفوظة في السجل العقاري بمركز محافظة الحسكة، وتقوم غرف متخصصة في القصر العدلي في المربع الأمني بمدينة الحسكة الخاضع لسيطرة النظام، بمتابعة مهام محاكم رأس العين. ويطمئن ذلك نسبياً أصحاب العقارات النازحين عن رأس العين، لجهة عدم إمكانية حصول أي تغيير غير قانوني في السجلات العقارية. لكن، من جهة أخرى تظل تلك الحماية نظرية للعقارات التي يشغلها وينتفع بها حالياً غير أصحابها. تقول كلجهان حرسان، إن عائلتها تخسر سنوياً عوائد المواسم الزراعية من أرض تبلغ مساحتها 200 هكتار، إذ يستثمرها عناصر الفصائل المسلحة المسيطرة على المنطقة، من دون أي تعويض.