مفتاح: قطاع العقارات السكنية بين شركات التمويل والمصارف العامة
يعاني قطاع العقارات السكنية في سوريا من أزمة تتعلق بنقص التمويل. وهذا يتضح من عدم وجود شركات تمويل عقاري قادرة على تنفيذ مشاريع سكنية وبيعها للمستثمرين أو الأفراد، أو بالشروط المعقدة الموضوعة على المصارف العامة التي تحدّ من قدرتها على منح قروض عقارية لتمويل شراء الأفراد للمساكن.
قطاع العقارات السكنية ما زال يفتقد شركات التمويل العقاري، وشركات إعادة التمويل العقاري، رغم وجود قانون ناظم لها؛ القانون 15 لعام 2012 الذي أتاح للقطاعين العام والخاص تأسيس تلك الشركات. والتمويل العقاري، وفق القانون 15\2012 هو نشاط التمويل للاستثمار، سواء لغرض شراء أو بناء أو ترميم أو تحسين المساكن والعقارات لمختلف النشاطات. ويجري التمويل، بضمان حق الامتياز على العقار أو رهنه رهناً تأمينياً، أو بغير ذلك من الضمانات التي يقبلها الممول. والممول هو الشركة المرخص لها أصولاً بمزاولة نشاط التمويل العقاري، بينما المستثمر هو كل شخص طبيعي أو اعتباري يرغب بالحصول على التمويل العقاري. وإعادة التمويل العقاري تتمثل بنقل الديون العقارية من ممول إلى آخر، وهي طريقة ليست متبعة في سوريا حتى اليوم.
القانون 15 أجاز إحداث ثلاثة أنواع من شركات التمويل العقاري وهي؛ شركات التمويل العقاري، وشركات التمويل العقاري التي تقدم خدماتها وفق احكام الشريعة الاسلامية، وشركات إعادة التمويل العقاري. في حين أن المرسوم 88 لعام 2010 المتعلق بالتأجير التمويلي للمعدات والعقارات، كان قد سمح في نهاية المدة التأجيرية لنوعين من شركات التمويل العقاري بتملك العقارات التي مولت بنائها؛ شركات التأجير التمويلي، وشركات الإجارة الإسلامية.
وفي ظل عدم الترخيص لأي من شركات التمويل العقاري حتى الآن، كان مفترضاً أن تقوم المصارف العامة بتمويل جزء من مشاريع القطاع السكني. وتحاول المصارف العامة القيام المساهمة في التمويل العقاري، عبر منحها القروض لمشاريع السكن الاجتماعي والتعاوني التي تنفذها مؤسسة الاسكان العامة، أو الجمعيات السكنية. تمويل المصارف العامة هنا محصور بتمويل المؤسسة العامة للإسكان وإدارة الجمعيات السكنية، ولا توجد معلومات كافية عن حجم هذا التمويل.
ولكن، أمام قلة هذا النوع من المشاريع، يبدو بأن المصارف العامة تفضل حصر التمويل بالقروض العقارية الفردية لشراء مسكن. ومع ذلك، لم تتمكن المصارف العامة، من القيام بدور فاعل في تمويل قطاع العقارات والسكن، بسبب مشاكل أبرزها؛ الضمانات المالية او العقارية الضخمة التي تطلبها المصارف، بحيث تغطي 200% من قيمة القرض. كما يتوجب أن تكون العقارات الضامنة للقرض، مستوفية لشروط السجل العقاري أي مرخصة في مناطق منظمة. وهذا ليس هو حال معظم العقارات في سوريا.
كما أن مشاكل التوثيق العقاري، تفرض قيوداً كثيرة على الضمانة العقارية عندما لا يكون العقار مفروزاً، أو مملوكاً على الشيوع، أو عليه إشارات رهن، او عدم وجود سندات تمليك نظامية بها. كما أن من الإشكاليات المعيقة للتمويل، هي عدم قدرة الراغبين في الاقتراض، على تغطية القسط الشهري للقرض، بسبب اتساع الفجوة بين أسعار المنازل وبين الأجور المنخفضة لأصحاب الدخل المحدود والموظفين في القطاع العام.
وهنا تظهر مشكلة مركبة بين المصارف وبين التمويل العقاري؛ هيئة الإشراف على التمويل العقاري التابعة لوزارة المالية، اشترطت على المصارف، قبل قبول التمويل العقاري لشراء أي عقار، انتداب خبراء عقاريين لتخمين قيمة العقار موضوع ضمانة القرض. وغالباً ما يصف المقترضون دور أولئك الخبراء بالعمل على خفض قيمة التخمين، ما يزيد أحياناً من قيمة الضمانة العقارية المطلوبة، ويعيق عملية التمويل.
الخبير العقاري بحسب القانون 15\2012، هو كل شخص طبيعي مجاز من الهيئة العامة للإشراف على التمويل العقاري، يزاول باسمه أو لحساب شخص اعتباري وعلى مسؤوليته، مهنة تقييم العقارات وتحديد قيمة العقارات بأنواعها.
وأُحدثت هيئة الإشراف على التمويل العقاري، بموجب القانون 39 لعام 2009، بهدف تنظيم قطاع التمويل العقاري وتنمية مدخراته والإشراف عليه وحماية حقوق الاطراف المنخرطة فيه. والهيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري وترتبط بوزير المالية ويكون مقرها مدينة دمشق.
وقد أُعيد تشكيل مجلس إدارة الهيئة العامة للإشراف على التمويل العقاري، تنفيذاً لقرار رئيس مجلس الوزراء في العام 2021، في محاولة لتفعيل دورها. ولم ينتج عن ذلك أي تغيير فعلي، إذ قالت مديرة هيئة التمويل العقاري، في العام 2022، إن البيئة الاقتصادية في الوقت الراهن غير مهيأة لوجود شركات تمويل عقاري، لأسباب متعددة منها عدم المرونة في إدخال وإخراج الأموال بالنسبة للمستثمر الخارجي، وعدم استقرار سعر الصرف لليرة السورية. وأشارت بوضوح إلى أن المستهدفين من عملية التمويل، هم غالباً أشخاص طبيعيون، ممن لا يمكنهم الحصول على قروض سكنية مناسبة بسبب انخفاض أجورهم.