مفتاح: الازدواج القضائي وحقوق السكن الأرض والملكية في مناطق الإدارة الذاتية
منذ تأسيس الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا في العام 2014 “فيدرالية روج آفا-شمال سوريا”، اصطدمت سلطاتها الجديدة حديثة النشأة بتلك التابعة لدمشق التي ظلت تقوم بمهامها في المربعات الأمنية الخاضعة لسيطرة النظام شمال شرقي سوريا. ومن تلك السلطات، شهد القضاء تنافساً ونزاعاً بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق، وهو ما أثّر بدوره على القضايا المتعلقة بحقوق السكن، الأرض والملكية.
في العام 2014، ومع سيطرتها على السجون في مناطقها، أسست الإدارة الذاتية هيكلية قضائية يتربع في قمتها مجلس العدالة الاجتماعية وهو بمثابة وزارة العدل، وتتبع لها دواوين بمثابة المحاكم، وتكون على درجتين؛ الأولى تسمى دواوين العدالة الاجتماعية وتنظر في مختلف القضايا باستثناء دعاوى الإرهاب، والثانية تسمى دواوين هيئة التمييز وهي بمثابة محكمة الاستئناف. ولكن هذا الأمر واجهته صعوبات وتحديات كبيرة، ومنها استمرار المحاكم التابعة للسلطة القضائية بدمشق، بالعمل ضمن المربعات الأمنية الخاضعة لسيطرة النظام في مراكز مدن الحسكة والقامشلي وديرالزور.
هذه المحاكم واصلت القيام بمهامها بكافة درجات التقاضي؛ الصلح، والبداية، والاستئناف والنقض. لكن، صلاحيات الضابطة العدلية المكلفة تنفيذ قرارات المحاكم التابعة لدمشق، باتت محصورة فقط بنطاق سيطرة النظام في المربعات الامنية وهي مساحات صغيرة جداً. وفي حال طُلِبَ من الضابطة العدلية إرسال مذكرة دعوة أو أخطار إلى شخص ما خارج المربع الأمني، فغالباً ما تُكتبُ عبارة “خارج السيطرة” على الطلب.
بدورها، تعترف الإدارة الذاتية بالأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم التابعة لدمشق، ومنها أحكام تثبيت عقود البيع، الإيجار، ازالة الشيوع، الارتفاق وغيرها. في القضايا العقارية، هناك معضلة إضافية؛ عدم وجود سجلات عقارية تتبع للإدارة الذاتية، وسط استمرار الاعتماد على السجلات العقارية التابعة لمديرية المصالح العقارية المركزية بدمشق، والتي استمرت بالقيام بمهامها في المربعات الأمنية.
ولحل جزء من هذا المشكلة، أصدر مجلس العدالة الاجتماعية في الإدارة الذاتية، القرار رقم 6 لعام 2021، الذي منع بموجبه دواوين العدالة، من قبول الدعاوى العينية العقارية المتعلقة بأصل الحق بالنسبة للعقارات الأميرية الواقعة خارج المخططات التنظيمية. القرار ألزم بعودة الأمور بالنسبة للعقارات الأميرية وأملاك الدولة إلى ما قبل 2013 أي قبل الإعلان عن تشكيل فيدرالية روج آفا-شمال سوريا. وألزم القرار دواوين العدالة بعدم النظر بالدعاوى المتعلقة بأصل الحق العقاري التي سبق النظر والفصل بها بقرار قضائي مبرم، بغض النظر عن الجهة التي أصدرته. وعزا المجلس قراراته للحفاظ على حقوق المواطنين، ودرءاً لأي نزاعات قد تحدث مستقبلاً وحفاظاً على المصلحة العامة، ولصون حق الملكية. إذ أن أحد أسباب إصدار القرار هو رغبة الإدارة الذاتية بوقف الازدواجية في التقاضي في مناطق سيطرتها.
القرار رقم 6، قد يعرض حقوق السكن الأرض والملكية لبعض المخاطر، زمنها تجميد النظر في بعض قضايا النزاع العقاري، وبالتالي خسارة الكثير من الوقت بانتظار إحدى المحاكم للحسم في القضية المنظورة من قبلها. مثلاً، رفضت محكمة تابعة للإدارة الذاتية قبول النظر بدعوى أحمد، لاسترداد عقار يدعي ملكيته، وذلك قبل أن تفصل محكمة البداية المدنية في القامشلي التابعة لدمشق، في دعوى الخصومة على أصل الحق العقاري بينه وبين خصمه. وفقط إن حصل أحمد أمام المحكمة التابعة لدمشق على حكم بثبوت ملكيته، يمكنه المباشرة بتنفيذه عبر الضابطة العدلية التابعة للنظام في القامشلي. وإن لم يتم التنفيذ أصولاً بسبب وقوع العقار “خارج السيطرة”، يكون من حق أحمد حينها رفع دعوى غصب عقار أمام محاكم الإدارة الذاتية، التي تلجأ إلى قوات الأسايش للتنفيذ.
فخري، أحد المتضررين من الازدواج القضائي، كان صغيراً عندما توفي والده في العام 2001، قبل الانتهاء من تنفيذ حكم قضائي باسترجاع عقار له من شاغليه الممتنعين عن تسليمه. في العام 2019، طالب فخري بتنفيذ القرار العائد لعام 2001، وتسليمه العقار خالياً من شاغليه، وذلك عبر دائرة التنفيذ في الضابطة العدلية في القامشلي التابعة لدمشق. ورفضت الضابطة العدلية التنفيذ لأن الحي الذي يتواجد فيه العقار “خارج السيطرة الأمنية”.
فخري، رفع دعوى في العام 2022، لتسليمه العقار المغصوب، أمام محكمة تابعة للإدارة الذاتية. المحكمة رفضت النظر بالدعوى وردتها بالاستناد إلى القرار رقم 6، بعدما أبرز الشاغل للعقار، قراراً قضائياً صادراً في العام 2013 عن محكمة الصلح المدني بالقامشلي التابعة لدمشق، بتثبيت ملكيته لذات العقار. وبالتالي، بات النزاع على أصل الحق العقاري التي سبق النظر والفصل بها بقرار قضائي مبرم عن محكمة تابعة لدمشق.
محاكم الإدارة الذاتية تقبل النظر في قضايا غصب العقار، وفقاً للقرار رقم 6. والغصب هو الاستيلاء على ملك الغير دون رضاه، أو وضع اليد على ملك الغير من دون توفر سند قانوني بالملكية أو وجود سبب مشروع. ولا يشترط القانون في الغصب وقوع الإكراه، وإنما يكفي وضع اليد دون وجود مبرر قانوني. عقوبة الغصب بحسب قانون العقوبات الصادر عن الإدارة الذاتية تصل إلى سنتين سجناً، وهي من أكثر الشكاوى التي ترد إلى النيابة العامة في مناطق الإدارة الذاتية.
نبيل، وفور عودته من ألمانيا في العام 2022، وجد أن شريكه في محل صناعي في القامشلي قد باع حصته من دون الرجوع إليه. والمحل غير مفروز بين الشريكين القديمين. وبحسب عقد البيع الجديد لم يتم تحديد حصة المشتري من المحل. نبيل رفع دعوى اعتراضية على البيع، مدعياً أنه كان الأولى بشراء حصة شريكه، لأن المحل على الشيوع معه. محكمة الشعب في القامشلي، ردت دعوى نبيل بالاستناد إلى القرار رقم 6، بسبب وجود وثيقة تخصص صادرة عن مجلس بلدية القامشلي تفيد بتحديد حصة كل شريك، وهو الأمر الذي رفضه نبيل، الذي لجأ إلى رفع دعوى اعتراضية أمام محاكم النظام في القامشلي، في القضية ذاتها.