تبرئة مسؤولين عن انهيار مبنى حي الفردوس بحلب
ما زالت تتفاعل حتى اليوم قضية انهيار مبنى مخالف في حي الفردوس في أيلول 2022. مؤخراً تصاعدت حدة الانتقادات المحلية، مع تبرئة القضاء لبعض الموظفين الرسميين المتهمين بالتورط في قضية البناء المخالف الذي تسبب انهياره بمقتل 14 شخصاً معظمهم من آل مدبس ومدراتي.
والمبنى كان منذراً بالهدم منذ العام 2021، وبابه الرئيسي مختوم بالشمع الأحمر، وفق قرار سابق للجنة سلامة تابعة لمجلس مدينة حلب بهدمه لأنه لا يحقق شروط السلامة الإنشائية. لكن، مسؤولون في مجلس المدينة سمحوا لأصحاب البناء بإزالة الشمع الأحمر عنه، وبيعهم لشققه من دون معرفة المشترين بالخطر الداهم. على سبيل المثال، أحد المشترين دفع مبلغ 50 مليون ليرة نهاية العام 2021، لشراء شقتين في المبنى، من دون أي علم بالخطر.
محافظ حلب أصدر في 7 أيلول 2022، القرار رقم 9291، بتشكيل لجنة، للكشف على البناء المنهار المؤلف من 5 طوابق، والكشف عن أسباب انهياره. وأصدرت اللجنة تقريرها، في 8 أيلول، وجاء فيه أن الصور الجوية توضّح أن المبنى حديث البناء، تم تشييده في النصف الثاني من عام 2020. وأن البناء مخالف من دون ترخيص، ويقع ضمن منطقة عشوائية. وأكد أن العناصر الحاملة للمبنى مكونة من البلوك المُفرّغ وذلك مخالف للكود السوري للبناء.
وأحيل التقرير إلى فرع الأمن الجنائي لاستكمال التحقيقات اللازمة وفق الأصول، واتخاذ الإجراء القانوني المناسب بحق العاملين المقصرين في أداء واجبهم في الرقابة أو قمع المخالفة، وكل من تثبت مسؤوليته عن المخالفة، استناداً إلى أحكام المرسوم التشريعي رقم 40 لعام 2012 وتعليماته التنفيذية.
وبحسب القانون 40\2012، إذا كان البناء المُخالف غير حائز على المتانة الكافية ما قد يُعرّضه للانهيار، يُعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل من تثبت مسؤوليته عن المخالفة. وفي حال انهيار البناء والتسبب بوفاة شخص أو أكثر، لا تقل حينها العقوبة عن عشر سنوات أشغال شاقة وثلاثة أضعاف الغرامة المحددة، بالإضافة إلى الحقوق المدنية لورثة المتوفى.
صحيفة الوطن شبه الرسمية أكدت أن فرع الأمن الجنائي في حلب أوقف مدير مديرية خدمات باب النيرب التي يتبع لها البناء، ومسؤول الضابطة العدلية بالمديرية نفسها، ومتعهدي بناء.
مصدر في مجلس مدينة حلب قال لمراسل سيريا ريبورت، أن أربعة مهندسين، ومتعهدي بناء اثنين، كانوا قد أوقفوا في سجن حلب المركزي منذ أيلول 2022، على ذمة قضية انهيار مبنى الفردوس. ويبدو بأن ضغوطاً قد مورست على القضاء، لدفع قاضي التحقيق في محكمة سمعان، للتخلي عن متابعة دعوى جناية انهيار الفردوس مطلع العام 2023، وتحويلها إلى القضاء العسكري بسبب العائدية والاختصاص. ويعود ذلك، لأن متعهدي البناء المسؤولين عن البناء المخالف، هما عسكريان من “القوات الرديفة”.
وبالفعل، تشير مصادر سيريا ريبورت إلى أن المتعهدين، ينتميان إلى ميليشيا لواء الباقر الموالية للحرس الثوري الإيراني. ولكن، تحويل القضية إلى القضاء العسكري، كان بحسب تلك المصادر، محاولة لإبعادها عن الأنظار وحلها بطرق غير رسمية. ويبدو أن هذا المسار لم يسلك طريقه إلى النهاية، لسبب غير مفهوم. إذ في نيسان 2023، أعاد القضاء العسكري الدعوى إلى القصر العدلي بحلب، لانتفاء اختصاص القضاء العسكري، ومن دون نظره في القضية.
في أكتوبر 2023، صدر قرار عن قاضي التحقيق في محكمة سمعان، بمنع محاكمة المهندسين الأربعة، فيما لم يتضح مصير متعهدي البناء. ووفقاً للإجراءات المتبعة في قانون أصول المحاكمات الجزائية؛ إذا تبين لقاضي التحقيق أن فعل المدعى عليه لا يُشكل جرماً، أو أنه لم يعثر على دليل بذلك، فللقاضي أن يُقرر منع محاكمة المدعى عليه، وإخلاء سبيله إن كان موقوفاً. وعندئذ يمكن للنيابة العامة، والمدعي الشخصي، استئناف القرار أمام قاضي الإحالة الذي يمكنه إعادة البحث في وقائع القضية، وإما تصديق قرار منع المحاكمة، أو إصدار قرار الاتهام والإحالة إلى محكمة الجنايات المختصة في حال العثور على دلائل جديدة.
ومن الملفت أن قرار قاضي التحقيق في أكتوبر الماضي، تضمّن اتهاماً لمهندس متوفى، اسمه عبدالقادر قطان، وحملّه مسؤولية إزالة الشمع الأحمر عن البناء المخالف في مرحلة سابقة على الانهيار. وقد أتاحت إزالة الشمع الأحمر عن المبنى، الفرصة لأصحاب البناء لبيع بعض الشقق فيه. وفي حالة العقارات المخالفة، يتم البيع والشراء وفق عقود بيع نظامية، ولكن من دون تسجيل تلك الوقوعات في السجلات العقارية.
وهنا، من المهم الإشارة إلى إن الدعوى العامة لا تقام على متوفى، وإذا توفي المدعى عليه أثناء محاكمته يصدر القاضي قراراً بانقضاء الدعوى العامة. ويبقى في هذه الحالة، للمدعي الشخصي فقط المطالبة بالتعويض في مواجهة ورثة المتوفى أمام المحكمة الجزائية، لجهة التعويض فقط.
وبحسب المصدر، يقف مسؤولون بارزون في مجلس مدينة حلب وراء قرارات قاضي التحقيق الأخيرة. إذ أن المهندسين الموقوفين، الذين صدر بحقهم قرار منع المحاكمة، هم أيضاً موظفون في مجلس مدينة حلب.