توقيف محافظ سابق بسبب مخالفات بناء في اللاذقية
بموجب مذكرة توقيف وجلب، لم يعلن عنها رسمياً، صادرة في 18 أكتوبر 2023 عن وزارة العدل-محكمة اللاذقية، تم توقيف اللواء إبراهيم خضر السالم محافظ اللاذقية السابق، وإيداعه سجن البصة في اللاذقية. كما تم توقيف 10 مسؤولين آخرين، من بين 14 مسؤولاً مطلوباً للتحقيق في ذات القضايا، فيما توارى البقية عن الأنظار.
ومن بين التهم الموجهة بحسب مذكرة الجلب والتوقيف للمحافظ السابق، جرم الرشوة والتزوير المعنوي بأوراق رسمية واستعمالها لهدر المال العام، والاستحواذ على أملاك الدولة. وانتشر مقطع مصور في وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيه اللواء السالم، محاطاً بعناصر شرطة، فيما يبدو لحظة توقيفه واقتياده خارج منزله. ولكن، يبدو بأن التوقيف سَبَقَ مذكرة التوقيف والجلب، بأكثر من 45 يوماً بحسب وسائل إعلام محلية.
صحيفة الوطن شبه الرسمية، كشفت في 3 أكتوبر الماضي، عن توقيف مسؤولين حاليين وسابقين، ومخاتير أحياء ومتعهدي بناء وأصحاب نفوذ، فيما وصفته بشبكة فساد منظم قامت بمخالفات بناء جسيمة، وهدر المال العام، وتغيير الصفة التنظيمية لمناطق عقارية، وغصب أملاك عامة، وغسيل الأموال. وقالت الصحيفة أنه تم الحجز الاحتياطي على أملاك أولئك المتهمين، وأملاك زوجاتهم واولادهم. كما أشارت وسائل إعلام محلية أخرى إلى استعادة بعض أملاك الدولة التي استولى عليها أولئك المتهمون.
وعُرِفَ من الموقوفين مدير المصالح العقارية في اللاذقية ومعاونه ورئيسان سابقان لبلدية مدينة اللاذقية، ومدير دائرة الخدمات الفنية السابق. ومن بين المتهمين أيضاً عضو مجلس شعب، وسط أنباء عن وجود مطالبة برفع الحصانة عنه لتوقيفه.
وكان رئيس مجلس محافظة اللاذقية الحالي، قد أعلن في 10 أيلول الماضي تحويل 5 ملفات إلى الرقابة والتفتيش، منها ملفات بخصوص تجاوزات في مجلس مدينة اللاذقية، وفي مؤسسة الإسكان، وفي مشاريع أخرى، يتجاوز حجم الفساد والهدر فيها مليارات الليرات. بينما أصدر رئيس الوزراء القرار رقم 1751 في 13 نوفمبر الجاري لتشكيل لجنة لإحصاء ودراسة كافة العقارات التي تم تعديل صفتها التنظيمية في اللاذقية، وكذلك تعديل نظام ضابطة البناء فيها، ويعتقد أن عددها يتجاوز 180 عقاراً. وتضم اللجنة معاون وزير الإدارة المحلية والبيئة، ومعاون وزير الأشغال العامة والإسكان، ورئيس مجلس مدينة اللاذقية، وقاض من مجلس الدولة، ومدير مديرية مالية المحافظة، ومدير مديرية المصالح العقارية.
اللواء السالم، مدعوم من المستشارة السياسية لرئيس الجمهورية بثينة شعبان، وتربط بينهما قرابة. ويعتبر اللواء السالم، والذي كان يشغل سابقاً رئاسة فرع الأمن الجنائي في اللاذقية، من أطول المحافظين استمراراً في مناصبهم بعد العام 2011. إذ شغل منصب محافظ اللاذقية، لسبع سنوات ما بين 2014-2021.
ويتربع المحافظ في سوريا على رأس أعلى سلطة تنفيذية في محافظته، ويتم تعيينه مباشرة من رئيس الجمهورية. قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011، يقول أن المحافظ هو ممثل السلطة المركزية، وهو عامل لجميع الوزارات، يُعيًّن ويُعفى من منصبه بمرسوم. ويضيف القانون أن المحافظ حكماً هو عضو المجلس الأعلى للإدارة المحلية، ويترأس المكتب التنفيذي في المحافظة والذي ينبثق بدوره عن مجلس المحافظة. وللمحافظ حق تسمية اعضاء اللجان الدائمة أو المؤقتة، وله صلاحيات الضابطة العدلية في حالة الجرم المشهود، وهو عاقد النفقة وآمر للتصفية والصرف لموازنة المحافظة، وتخضع له كافة المديريات الرسمية في المحافظة، وهي ملزمة بالاستجابة لأوامره الخطية.
الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام المحلية، أشارت إلى وجود قضايا بفساد تتجاوز قيمتها 52 مليار ليرة، أبرزها قضايا عقارية، كالتغاضي عن مخالفات بناء كبيرة منها زيادة عدد الطوابق بدون ترخيص، لقاء حصول المحافظ وشركائه على حصة في كل بناء. بعض الشبكات المحلية قالت إن عدد العقارات المسجلة بأسماء المحافظ وزوجته وأولاده، تزيد عن 100 عقار. ولم تتمكن سيريا ريبورت من التأكد من صحة هذا الخبر.
إلا أن أبرز مخالفات البناء التي ارتكبها المحافظ، بحسب الأنباء، تتعلق بمشروع الزيتونة السكني في منطقة المشاحير في مدينة اللاذقية، الذي أقيم على أرض لا مخططات تنظيمية تفصيلية لها حتى تاريخه. المخطط التنظيمي العام للمنطقة، كان قد لحظ إشادة مدارس وحدائق عامة في الزيتونة بالإضافة إلى مساكن. وليس واضحاً لمن تعود ملكية الأرض، وإن كانت أملاك خاصة أو مستملكة. في كل الأحوال، قام متعهد المشروع، بالشراكة مع المحافظ السابق، بإشادة مشروع سكني فخم في الزيتونة، من دون ترك مساحة للحدائق والمدارس. ويعني ذلك نظرياً، أن المشروع رغم فخامته بات بحكم العشوائية المقامة على أملاك عامة أو أرض مملوكة على الشيوع غير مفرزة في السجلات العقارية. وبالتالي، فإن الشقق السكنية في المشروع لن تكون ملحوظة في السجلات العقارية، ولن تكون قابلة للفرز والتسجيل باسماء مشتريها. ولكن عملياً، تم منح المشترين سندات تمليك رسمية بتلك الشقق، وهنا جرت عملية التزوير للوثائق الرسمية.
موقع “الحل نت” المعارض كان قد نشر في العام 2021، إنّ الاكتتاب على شقق سكنية في ضاحية الزيتونة قد بدأ على أن يسدد المكتتب نصف قيمة العقار سلفاً. وتجاوزت قيمة الشقة في ذلك الوقت بحسب الموقع، 100 مليون ليرة.
في آب 2021، نشرت صحيفة الوحدة المحلية، مقابلة مع مدير مشروع الزيتونة، الذي وصفه بأبنية متكاملة ومتناسقة كل منها تضم محلات وأسواق تجارية وطوابق مخصصة للمكاتب، وفوقها عشرة طوابق سكنية. المهندس أشار إلى أن العمل بدأ في المشروع منذ العام 2017 على مراحل متعددة. وليس واضحاً حجم الإنجاز في المشروع، وإن كان مسكوناً جزئياً أو كلياً، وسط أنباء عن قضايا احتيال وفساد في توصيل شبكات الكهرباء والصرف الصحي والماء إلى المشروع.
من جانب آخر، تسربت أنباء عن قيام المتعهد ذاته، والمحافظ السابق بغصب عقار كبير من شركة خاصة في منطقة الصليبية العقارية، وضمه إلى مشروع الزيتونة. وكذلك، مَنَحَ المحافظ السابق موافقة لتغيير الصفة التنظيمية لبعض المناطق من تجارية إلى سكنية، ما يسمح بإشادة طوابق اضافية مع الحفاظ على طابعها التجاري. كما كشف بعض المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، الموالين للنظام، عن وجود اتفاق بين أفراد الشبكة الموقوفة، لرفع أسعار بعض العقارات بشكل مبالغ فيه.
وليس غريباً انتشار كل هذه الأنباء عن فساد المحافظ السابق، بل هي طريقة شبه رسمية بالتعامل مع رجال النظام النافذين، ممن تتضارب مصالحهم في لحظة ما مع من هم أقوى منهم. على سبيل المثال، شيء مشابه جرى مع رجل الأعمال السابق رامي مخلوف. ومع غياب الشفافية في وسائل الإعلام الرسمية، وعدم القدرة على الوصول إلى الأسباب الحقيقية التي قادت إلى فتح ملفات فساد ضد محافظ اللاذقية السابق، تسري شائعات غير مؤكدة أن المشكلة تعود إلى رفض المحافظ وشريكه المتعهد في مشروع الزيتونة، دفع 10 ملايين دولار، لأحد المتنفذين من كبار المسؤولين في الدولة. ولا يمكن التحقق من صحة هذه الأنباء.