المزيد من الأكراد يسعون لإضفاء الطابع الرسمي على ملكياتهم العقارية في شمال شرق سوريا
حتى سنوات قليلة قبل العام 2011، ظلت بيوع البيوت والمحال التجارية والأراضي الزراعية في شمال شرق سوريا تتم عبر عقود غير مسجلة في المحاكم وفي السجلات العقارية، لأسباب متعددة منها الاعتماد على الثقة بين الناس نتيجة العلاقات القرابة العشائرية، وقلة المعرفة بالشؤون القانونية، وأيضاً لتجنب التكاليف المالية لنقل الملكية. يضاف إلى ذلك، تجريد آلاف الأكراد من الجنسية السورية بموجب إحصاء العام 1962 الاستثنائي، وحرمانهم من معظم حقوقهم في السكن، الأرض والملكية، وبالتالي تعذر قيامهم بعمليات البيوع العقارية بشكل رسمي.
ونتج عن جميع تلك الممارسات، أن كثيراً من العقارات والأراضي في شمال شرق سوريا بقيت مملوكة على الشيوع غير مفرزة، وثائق الملكية لها هي عقود بيوع غير موثقة رسمياً تسمى “عقود برانية”. وتسبب تراكم تلك القضايا بوقوع كثير من المشاكل المؤثرة بشكل جدي على حقوق السكن الأرض والملكية.
اليوم وبعد التوسع التنظيمي والعمراني، واكتظاظ شمال شرق سوريا بالنازحين الوافدين من بقية المحافظات، وتعدد سلطات الأمر الواقع فيها، ازداد خوف الورثة من ضياع الملكية العقارية. كما أن استعادة جزء كبير من الأكراد للجنسية السورية بموجب المرسوم رقم 49 لعام 2011، القاضي بمنح الجنسية السورية للمسجلين في سجلات أجانب الحسكة، ساهمت في زيادة طلب هذه الشريحة على توثيق البيوع العقارية التي جرت لأملاكها خلال فترة حرمانها من الجنسية السورية.
ولذا، بات كثيرون يريدون تثبيت ملكيتهم أصولاً في السجلات العقارية. وللقيام بذلك، يتوجب على الراغب بتثبيت ملكيته، أو أحد ورثته (الطرف الأول)، إبراز عقد البيع البراني أمام البائع الأصلي الذي ما زال العقار مسجلاً باسمه أو أحد ورثته (الطرف الثاني). ويطلب الطرف الأول من الطرف الثاني الإقرار بصحة العقد البراني أمام القضاء.
في معظم الحالات بطلب الطرف الثاني، بشكل غير قانوني، مبلغاً يُعرف محلياً باسم “الترضية” للإقرار بالبيع أمام المحكمة. الترضية تتوقف على مساحة العقار وموقعه. أحد ورثة شاغل عقار في القامشلي، قال لسيريا ريبورت أنه دفع حوالي 3 آلاف دولار لمحامي ورثة بائع العقار الأصلي الذي ما زال العقار مسجلاً باسمه في المصالح العقارية، حتى أقروا في المحكمة بصحة عقد البيع البراني، علماً بأن عملية البيع تمت منذ 40 عاماً.
وإن قام محامي الطرف الأول برفع دعوى تثبيت عقد بيع عقار لموكله، أمام المحكمة المختصة، وجرى التبليغ عبر الصحف الرسمية، وعلم الطرف الثاني أو ممثله القانوني بذلك، فغالباً ما يتقدم الطرف الثاني بطلب تدخل في الدعوى. وهنا، إن لم يدفع الطرف الأول الترضية، غالباً ما يعرقل الطرف الثاني سير الدعوى. ويلجأ الطرف الثاني إلى إطالة مدة الدعوى، سواء بإنكار صحة العقد البرني المراد تثبيته، أو بالطعن بصحة العقد بدعوى تزويره.
وإن كان الطرف الأول قد أضاع عقد البيع البراني، فقد يطلب الطرف الثاني مبلغاً أكبر، مع طلب وجود شهود من الجيران يشهدون على أن الطرف الأول هو بالفعل شاغل العقار قبل العام 2011. وهكذا يضطر الطرف الأول، خاصة إن كان العقار موضع البيع تجارياً أو سكنياً، للإذعان إلى مطالب الطرف الثاني.
مثلاً، تبيّن لزهير، عندما قام بمسح طبوغرافي لعرصة معدّة للبناء اشتراها قبل 30 عاماً، أن 30 متراً مربعاً منها هي أملاك عامة. ومع ذلك، اضطر زهير، لدفع ترضية عن كامل مساحة الأرض، حتى وافق البائع الأصلي على الإقرار بصحة العقد في المحكمة. وعلى العكس من زهير، لم يضطر عبدالرحمن أي ترضية عندما رفع دعوى تثبيت عقد شراء منزله الذي يسكن فيه منذ اربعين عاماً، لأن البائع هاجر من سوريا منذ سنين ولم يوكل أحداً لمتابعة شؤونه. البائع لم يحضر البائع جلسة المحكمة رغم تبليغه عنها بالصحف الرسمية. وبعد الاستماع لشهادة شاهدين، وتحقيق محلي، حسم القاضي الدعوى، وأصدر قراراً بتثبيت العقد.