مفتاح: التطوير العقاري في عشوائية الحيدرية بحلب
الحيدرية من أكبر عشوائيات مدينة حلب، وقد سبق أن أعلن كمنطقة تطوير عقارية في العام 2011. وقد تعرضت المنطقة لدمار واسع النطاق خلال الحرب السورية، وتم تهجير جميع سكانها. ورغم آمال مجلس مدينة حلب بأن يكون مشروع التطوير العقاري في الحيدرية نموذجاً لإعادة الإعمار في بقية أحياء حلب الشرقية، لكن المشروع ما زال متعثراً.
بدأت عشوائية الحيدرية في مدينة حلب بالنشوء مطلع سبعينيات القرن الماضي شمال شرقي المدينة وخارج مخططها التنظيمي. وأرض الحيدرية في الأصل خاصة غير مفرزة ومملوكة على الشيوع كانت تستخدم كمراعٍ وأراضٍ زراعية غير مسموح بالبناء عليها. بعض أصحاب الأرض لديهم وثائق ملكية على شكل “طابو أخضر زراعي”، وبعضهم لديه أحكام محكمة بصحة شرائهم لحصصهم غير المفرزة.
وقد أشاد البعض مساكن غير مرخصة على تلك الأراضي، وباع بعضهم حصصهم من الأرض لمتعهدي بناء بنوا عليها مساكن غير مرخصة وباعوها لمُهاجرين من شمال وشرق سوريا. ومع مرور الوقت ظهرت في الحيدرية أحياء عشوائية متعددة باتت تسمى بأسماء الجماعات الأهلية التي تقطنها كحارات الأكراد، والتركمان والسريان والعرب.
في نهاية السبعينيات استملكت الدولة مساحة كبيرة من الحيدرية، لإشادة مشاريع سكن اجتماعي وحديقة ومدرسة، وصدر قرار الاستملاك النهائي رقم 2280 في ديسمبر 1982. وضع بعض متعهدي البناء ومنتسبي الأجهزة الأمنية، يدهم على مساحات من الأرض المستملكة، وقاموا بتقسيمها إلى قطع صغيرة، وبيعها كمحاضر معدّة للبناء غير المرخص. وظهرت على إثر ذلك حارات تعرف باسم القوى التي استولت على الأرض، كحارة المخابرات، وحارة النهب نسبة لمتعهدي البناء.
بلدية حلب استملكت بقية أرض الحيدرية، وخصصتها لمشاريع السكن الاجتماعي التي تنفذها المؤسسات العامة التابعة لوزارة الأشغال العامة والإسكان. مجلس مدينة حلب نظّم هذا الجزء بموجب قراره رقم 2426 عام 1990، وقسمه إلى 325 محضراً معداً للبناء، مساحة الواحد منها 120 متراً مربعاً، وخصصها للمنذرين بهدم مساكنهم غير المرخصة في حي المشارقة المجاور. المتخصصون بهذه المحاضر، اشتروها بالتقسيط لمدة 15 عاما.
وبذلك ظهر على هذا القسم من الأرض ما بات يعرف باسم حي الإنذارات 40، نسبة لإنذارت الهدم. وغالبية المباني في هذا الحي مرخصة ومكونة من طابقين، ونسبة قليلة مخالفة مؤلفة من ثلاثة طوابق. وتمّ تخديم الحي على حساب سكانه بشبكة ماء وصرف صحي، ولكن التنفيذ كان سيئاً للغاية، واضطر قسم من السكان للاعتماد على شراء صهاريج الماء. كما أن جميع المنازل كانت موصولة بشبكة الكهرباء ولها عدادات، وإن كان الاستجرار المخالف للكهرباء شائعاً بين السكان.
واعتباراً من العام 2002 بدأت بلدية حلب انذار سكان حارة النهب بضرورة الإخلاء، وتعهدت تأمين سكن بديل غير مجاني لهم ضمن مشاريع السكن الشبابي، وهي جزء من برامج السكن الاجتماعي، التي بدأ الإعلان عن إطلاقها في مناطق أخرى من حلب.
في العام 2004، ضمّ مجلس مدينة حلب الحيدرية إلى مخطط المدينة التنظيمي الصادر في العام نفسه. في العام 2005 كلّف مجلس مدينة حلب الوحدة الهندسية بكلية الهندسة المعمارية في جامعة حلب بإعداد مخطط تنظيمي تفصيلي للحيدرية، التي كان يسكنها في ذلك الوقت بحسب تقديرات المجلس حوالي 32 ألف نسمة. وقد أنجزت الوحدة الهندسية المخطط في العام 2006، وعدّلت فيه المخطط التنظيمي لحي الإنذارات 40، وألغت الحديقة والساحات الصغيرة فيه. ولكن، لم يتم تصديق ذلك المخطط، وبقي دون تنفيذ.
في العام 2010 أخضع مجلس محافظة حلب حي الحيدرية لقانون التطوير والاستثمار العقاري رقم 15 لعام 2008، كأول حي يطبق عليه هذا القانون في حلب. في العام 2011 صدق مجلس الوزراء القرار، وأحدث منطقتي تطوير عقاري في مدينة حلب، تهدفان إلى تطوير مناطق المخالفات الجماعية، في الحيدرية، وفي تل الزرازير.
وبحسب القانون 15 لعام 2008، (الذي ألغي مؤخراً بموجب القانون 2 لعام 2023 المعدّل لقانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021)، يمكن لمنطقة التطوير العقاري أن تشمل عقارات داخل المخطط التنظيمي أو خارجه، ويتم تأمينها إما من أملاك الدولة، أو من أملاك الوحدة الإدارية، أو من الأملاك الخاصة لشركات التطوير، أو أملاك الأفراد الخاصة. وبحسب التعليمات التنفيذية للقانون 15 الصادرة عن رئيس الوزراء بالقرار 5410 في العام 2009، يمكن معالجة مناطق السكن العشوائي بإحداثها كمناطق تطوير عقاري بغض النظر عن مساحتها، وذلك بموجب مذكرة تبريرية وبموافقة رئاسة مجلس الوزراء.
إعلان حي الحيدرية منطقة تطوير عقارية سمح لمجلس المدينة بوضع اليد على الأملاك والعقارات في الحي، وسمح للجهة المنفذة بالتمتع بجميع المهام والصلاحيات اللازمة للاستيلاء على العقارات وهدمها. وقد تم إقرار برنامج تطوير عقاري في الحيدرية على مساحة 118 هكتاراً، منها نسبة 42.12% مخصصة كمقاسم سكنية ومساحات خضراء ووجائب، و12.27% مخصصة للخدمات.
والهدف هو بناء 10 آلاف وحدة سكنية، بالشراكة بين مجلس المدينة والمطورين العقاريين العقاري. وقسّم المجلس مشروع التطوير العقاري في الحيدرية إلى ثلاث مناطق-مراحل؛ A-B-C، لتسهيل العمل أمام شركات التطوير العقاري. على سبيل المثال، تمتد مساحة المرحلة الأولى على 28.8 هكتاراً، وتضم 2700 شقة سكنية. وأنجزت الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية الدراسات والمخططات للبنية التحتية العامة للمشروع، ونفذت مؤسسة الإسكان العسكرية أجزاءً كبيرة من أعمال البنية التحتية في المرحلتين الأولى والثانية من المشروع، كشبكة الطرق وشبكة الصرف الصحي.
الحيدرية، وكما هو حال أحياء حلب الشرقية، خضعت لسيطرة المعارضة المسلحة بين العامين 2012-2016، وتعرضت لقصف كثيف وحصار خانق من قبل قوات النظام. ومع التدخل العسكري الروسي في العام 2015، خضعت المنطقة للقصف الجوي والمدفعي، ما تسبب بتدمير مساحات كبيرة منها، ودفع المعارضة للاستسلام وقبول التهجير القسري من المنطقة في العام 2016. ومنذ ذلك الوقت لم يعد إلى الحيدرية سوى القليل من السكان.
في العام 2018، بدأت بلدية حلب، بالتعاون مع وزارة الدفاع، حملة هدم وإزالة لبعض الأبنية في الحيدرية بذريعة وجود ألغام فيها. وفي عام 2019 بدأ مجلس المدينة بتطبيق قانون تخطيط وعمران المدن رقم 23 لعام 2015، على الحيدرية بوصفها منطقة مخالفات جماعية، واستملاكها بموجب قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983. ويسمح القانون 23 بإصدار المخططات التنظيمية لمنطقة محددة، بمعزل عن وجود جهات تنفيذية عامة أو خاصة، وبدون سقف زمني محدد لإنجازها، ولا حد أدنى من الملكية العائدة للجهات الإدارية فيها، ولا يشترط وجود حد أدنى لمساحتها.
في العام 2020 هدم مجلس مدينة حلب وأزال المساكن الواقعة ضمن المخطط التنفيذي للمشروع، وبذلك أصبحت المنطقة جاهزة لطرحها للاستثمار بالشراكة مع الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري. ويفترض أن يلتزم المطور العقاري في المشاريع المقامة ضمن مناطق السكن العشوائي، بتأمين سكن بديل غير مجاني لشاغلي المنطقة، أو تعويضهم مالياً. بدورها، تلتزم الجهة الإدارية بإخلاء الشاغلين بعد تسلّمهم السكن البديل، وتسليم موقع المشروع خالياً من الإشغالات للمطور العقاري.
أبرز المخاوف بخصوص حقوق السكن الأرض والملكية لسكان الحيدرية السابقين، أن مشروع التطوير العقاري يتضمن مسحاً اجتماعياً لسكان المنطقة. ولكن، في ظل تهجير كل السكان، فليس واضحاً كيف سيتم إجراء المسح. والمسح الاجتماعي، يعني تثبيت حق التعويض للقاطنين وقت إجراء المسح. بعض المصادر الأهلية تقول بأن مقربين من السلطات، قد عادوا وسكنوا الحي مؤخراً بناء على موافقات أمنية. ولم يصدر عن مجلس مدينة حلب أية لوائح اسمية تخص أصحاب الحقوق في الحيدرية.