في استجابة لكارثة الزلزال نقابة المهندسين السوريين توصي بتعديل كود البناء
أصدرت لجنة الكود العربي السوري في نقابة المهندسين السوريين، توصياتها قبل أيام، بشأن تطوير كود انشاء المباني الخرسانية المقاومة للزلازل، والمستندة إلى دراسة أسباب ونتائج زلزال 6 شباط 2023.
الكود العربي السوري لتصميم وتنفيذ المنشآت بالخرسانة المسلحة، هو نظام عمراني-انشائي لتصميم وتنفيذ المباني بحيث تحقق الحد المقبول من مقاييس السلامة في البناء. ويجب على المهندسين ومقاولي البناء، تطبيق الكود في دراساتهم التصميمية، في معرض ترخيص البناء. وتشرف نقابة المهندسين، والوحدات الإدارية، على التقيد بتطبيق الكود، أثناء مراحل البناء المختلفة.
رئيس مجلس الوزراء كان قد شكل لجاناً مشتركة في المحافظات الأربعة المتضررة بزلزال 6 شباط؛ حلب واللاذقية وإدلب وحماة، لتقييم أوضاع المباني المنهارة والمتضررة. وسميت تلك اللجان باللجان الخماسية لأن كل منها تشكل من خمسة أعضاء؛ رﺋﻴﺲ فرع الشركة العامة اﻟﺪراﺳﺎت الهندسية، رﺋﻴﺲ قسم الدراسات في مديرية اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﻔﻨﻴﺔ، ممثل ﻋﻦ نقابة اﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ، ﻣﻤﺜﻞ عن اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ، وﻣﻤﺜﻞ عن نقابة اﻟﻤﻘﺎوﻟﻴﻦ، في كل محافظة منها. وقامت هذه اللجان بزيارة مواقع المباني المتضررة، ومراجعة الدراسات الإنشائية لها، وإجراء تجارب على مقاومة البيتون وحديد التسليح وخواص التربة في المواقع، ووضعت تقارير موسعة بينت فيها أسباب الانهيار والتصدعات.
وقد أشارت تقارير تلك اللجان إلى أن اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ اﻟﻤﺘﻀﺮرة كانت ﻏﻴﺮ مصممة وﻏﻴﺮ منفذة وﻓﻖ كود البناء، وأن ﻣﻌﻈﻢ التصدعات والانهيارات حدثت ﺑﺴﺒﺐ سوء اﻟﺘﻨﻔﻴﺬ، وﻋﺪم إﺟﺮاء اﺧﺘﺒﺎرات ﻟﻠﺘﺮﺑﺔ. وهذه الخلاصة غير دقيقة تماماً، إذ انهار العديد من الأبنية المصممة والمنفذة وفق الكود السوري للبناء، خاصة في مدينة اللاذقية.
وبناء على تلك التقارير، اجتمعت لجنة الكود العربي السوري، وأصدرت تقريرها الأخير الذي صادق عليه مجلس نقابة المهندسين. ورغم تأكيد لجنة الكود أن متطلبات الكود الحالية كافية بحد ذاتها لمقاومة الزلازل، إلا أنها قررت اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻜﻮد وﻣﻼﺣﻘﻪ، استجابة لما وصفته بتوجيهات رﺋﺎﺳﺔ مجلس اﻟﻮزراء ﺑﻀﺮورة ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻜﻮد ﺑﺎﻟﺘﻨﺴﻴﻖ مع اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻮﻃﻨﻲ للزلازل لتطوير الخرائط الزلزالية لسورية، ﻟﻴصبح الكود متوافقاً مع أﺣﺪث اﻟﺨﺒﺮات العالمية اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ بالزلازل.
لكن توصيات لجنة الكود تعترف ضمناً بقصور الكود في موضوع ميكانيك التربة والخرسانة المسلحة والأساسات وجدران القص وحديد التسليح. ومن ذلك، أن التوصيات أكدت على ضرورة القيام باختبارين على الأقل لتربة موقع البناء، بعد تنفيذ الحفر، الأول بعمق لا يقل عن خمسة أمتار عن منسوب القبو يتم بنتيجتها تحديد نوع تربة الموقع، والثاني على عمق يتراوح بين 15 وحتى 30 متراً تحت منسوب الأساس ويتم بموجبها تحدد العمق المطلوب للأساسات بحسب نوع التربة، إلا إذا تم الوصول إلى طبقة صخرية بعمق خمسة أمتار على كامل الموقع.
كما تضمنت التوصيات زيادة مقاطع قضبان حديد التسليح وكمية حديد التسليح المطلوبة في المباني الخرسانية، وأن يتضمن كل مبنى يزيد ارتفاعه على خمسة طوابق جداري قص في كل اتجاه، مع مراعاة التناظر ما أمكن. وجدار القص هو جدار حامل من الخرسانة المسلحة يبنى على ارتفاع المبنى.
التوصيات اشترطت عدم السماح بإضافة أي طابق على أي مبنى قائم، إلا إذا كان المبنى مصمّماً أصلاً بموجب رخصته الممنوحة، ليناسب الارتفاع الزائد المطلوب. وحتى في هذه الحالة، يجب على الوحدة الإدارية ونقابة المهندسين إصدار تقرير فني انشائي يثبت أن حالة المبنى تتحمل زيادة عدد الطوابق. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن أصحاب العقارات كانوا قادرين على تعديل رخصة البناء، وزيادة عدد الطوابق في حال وجود تقرير هندسي انشائي يؤكد أن أساسات المبنى تتحمل زيادة الطوابق المطلوبة بموافقة الدوائر البلدية المختصة.
التوصيات أكدت على تشديد الاختبارات المجراة على فولاذ التسليح عالي المقاومة المستعمل في البناء، وعدم السماح بإكساء أي مبنى، قبل إصدار تقرير فني يؤكد السلامة الإنشائية للمبنى. وفي هذا اعتراف ضمني بأن طول فترة التنفيذ والفروق الزمنية الطويلة، بين مرحلتي الإنشاء والإكساء، يؤدي إلى إضعاف مقاومة المباني للزلازل. إذ أن كثيراً من الأبنية، خاصة التي تشيدها مؤسسات القطاع العام، تشهد تأخراً كبيراً في تنفيذها، ما يتركها لسنوات تحت تأثير العوامل المناخية من دون حماية.
كما أشارت لجنة الكود إلى وجود مجموعة من القضايا التي تم طرحها في اجتماعاتها ولم تتخذ بها قراراً بعد، على أن تناقشها لاحقاً، ومن هذه القضايا:
دراسة الخرائط الزلزالية من خلال اللجنة المشتركة من النقابة وهيئة الطاقة الذرية والمعهد العالي للزلازل والمركز الوطني للزلازل، على أن تتم مراجعة وتطوير الخرائط الزلزالية المستعملة حالياً بالتنسيق مع لجنة الكود العربي السوري.
وكذلك، تأمين واستخدام أجهزة القياس الزلزالية وتوسيع مجال استعمالها لتشمل دراسة مواقع معظم المنشآت، والإسراع بتصنيف التربة للمواقع المختلفة، وتأمين تجهيزات تساعد في ذلك، ليتم استعمال النتائج في تصميم المباني المقاومة للزلازل. واقتراح تشكيل لجنة في كل فرع لتدقيق تقارير التربة.
وأيضاً، تأكيد أهمية تدقيق الدراسة وضبط الجودة في التنفيذ من خلال الإشراف الهندسي عالي التأهيل على التنفيذ، وتحقيق المواصفات الفنية للمواد المستخدمة، وزيادة مراحل التدقيق أثناء المشروع، وعدم السماح ببناء الطوابق الأعلى قبل التأكد من جودة العناصر الإنشائية في الطابق الأدنى سواء بالنسبة إلى الفولاذ أو الخرسانة.
وتأكيد ضرورة استلام أي مبنى جديد من قبل لجنة فنية مؤهلة، وأن تقوم هذه اللجنة بالتأكد من صحة التنفيذ مع إجراء بعض الاختبارات الممكنة. وإيجاد حلول لمعالجة المخالفات والشوارع الضيقة والبناء على الفوالق الجيولوجية والأراضي الزراعية، لأنها خطرة جداً وآيلة للسقوط في حال حدوث زلزال.
وفي موضوع لافت، أكدت اللجنة على مجلس النقابة، بالتعميم، لمنع استعمال قضبان التسليح المعاد تدويره والمصنع محلياً والذي لا يحقق متطلبات الكود. وهذه القضبان هي من الحديد المسحوب من الأنقاض، والمعاد صهره وتشكيله، وبيعه في السوق المحلية.
تشير هذه الملاحظات، ضمناً، إلى وجود قصور في إجراءات تنفيذ الكود. الخرائط الزلزالية غير دقيقة، وهو ما أشار إليه العديد من المهندسين الذين التقاهم مراسل سيريا ريبورت، بعيد الزلزال. ولا توجد أجهزة قياس زلزالية دقيقة بأعداد كافية. وتعترف اللجنة بوجود قصور في تدقيق الدراسات الانشائية ومتابعة تنفيذ توصيات المدققين، عدا عن عدم تنفيذ الدراسة الانشائية بشكل دقيق، بالإضافة إلى القصور في إجراءات التفتيش والتقييم والاختبار قبل وخلال تنفيذ المشروع.