مخالفة بناء لصالح رجل أعمال كبير تتسبب بانهيار جزئي في بناء وسط دمشق
في 11 أيلول الماضي انهارت شرفات بناء مطل على ساحة عدنان المالكي، أرقى أحياء دمشق. ويجاور المبنى المربع الأمني الذي فيه سكن ومكاتب الرئيس السوري وعائلته، وأفراد حمايته الشخصية.
مصادر في محافظة دمشق قالت لسيريا ريبورت، إن انهيار مبنى المالكي الجزئي قد جاء نتيجة أعمال حفر وتفريغ تحته لتوسيع الأقبية من دون ترخيص. وقبل أن تتم أعمال تدعيم الأقبية الجديدة، انهار البناء بشكل جزئي بسبب تداعي عامودين خرسانيين كانا يتوزعان حمولة الشرفات.
تشير مصادر متعددة أن رجل الأعمال السوري وسيم القطان، هو من يمتلك الطابق الأرضي في البناء المنهار جزئياً في المالكي، وأن أعمال الحفر المخالفة تمت لتوسعة الأقبية لصالحه. السيد قطان هو عضو غرفة تجارة ريف دمشق، ومدرج على لائحة العقوبات الأميركية والأوروبية منذ العام 2020، لدوره في دعم النظام. ويتركز نشاط قطان في مجال الاستثمار التجاري والسياحي، وهو مستثمر لمول قاسيون في حي برزة، ومول ماسة بلازا وسط حي المالكي، اللذين تملكهما محافظة دمشق. كما حاز قطان على استثمار مجمع يلبغا وسط دمشق من وزارة الأوقاف. وهو المستثمر المتعاقد مع الاتحاد الرياضي العام لاستثمار فندق الجلاء على اوتوستراد المزة.
المبنى كان يملكه في الأصل الدمشقي ياسين الطباع، وهو مؤلف من ثلاث طبقات، كالأبنية المجاورة له، التي تعود مرحلة بنائها إلى خمسينيات القرن الماضي. هذه الأبنية مبنية بتقنيات قديمة نسبياً، ويعتمد هيكلها وأساساتها على الخرسانة المسلحة والقطع الصخرية، وتتوزع حمولتها على الجدران والأعمدة. لذا، غالباً ما يؤدي هدم بعض الجدران الداخلية، لحدوث انهيارات جزئية أو كلية في المبنى بأكمله. ويساهم في زيادة المخاطر الانشائية أن تحت المنطقة تمر شبكة مجاري بيتونية، على شكل أقنية مغطاة، تمر فيها مياه الصرف الصحي، والفائض من ماء نهر تورا المتفرع عن نهر بردى. وهذه الشبكة قديمة وتعاني من سوء الصيانة، ما جعلها مصدراً مستمراً لتسرب الماء إلى طبقة أساسات الأبنية. وهذا الأمر ذاته ينطبق على أحياء أبو رمانة والروضة والمالكي، القلب التجاري لدمشق.
غالبية سكان المنطقة من الطبقة المتوسطة العليا بدمشق، ويلاحظ وجود نسبة جيدة من الشقق المهجورة فيها منذ ما قبل العام 2011، ممن تركها سكانها غالباً بسبب الهجرة خارج سوريا. وازدادت ظاهرة البيوت المهجورة خلال سنوات الحرب. بعض الشقق مات أصحابها، واختلف ورثتهم على حصر الإرث، بسبب هجرة بعض الورثة، وما يتبع ذلك من تعقيدات قانونية وشرعية. ورغم ذلك، تعتبر الشقق من الأغلى بدمشق، إذ يتراوح سعر الشقة الواحدة بين 1,4 – 2 مليون دولار أميركي، بحسب المساحة والموقع. ولذا، باتت هذه الأحياء خلال سنوات الحرب، إحدى وجهات الاستثمار العقاري لأثرياء الحرب من رجال الأعمال المقربين من النظام وقادة الميليشيات وبعض ضباط الأجهزة الأمنية والعسكرية. وغالباً ما يقوم المالكون الجدد بإعادة تأهيل أو ترميم تلك الشقق القديمة، بعد الحصول على رخصة ترميم من المحافظة.
الموقع الرسمي لمحافظة دمشق أوضح أن لجنة فيها أعضاء من نقابة المهندسين وكلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق ومهندسين من المحافظة، تقصّت أسباب انهيار تلك الشرفات أثناء أعمال ترميم للمبنى. وخلصت اللجنة إلى وجود مخالفة لرخصة الترميم من دون تحديد نوع المخالفة. وبعد تنظيم محضر ضبط أصولي بالواقعة، لدى قسم الشرطة، أحال مجلس المحافظة، بعض المسؤولين عن المخالفة، إلى القضاء، استناداً إلى قانون مخالفات البناء رقم 40 لعام 2012.
مديرة دوائر الخدمات في محافظة دمشق، أكدت أن ورشة الهدم المركزية في المديرية، وهي المسؤولة عن إزالة مخالفات البناء الواقعة ضمن الحيز الجغرافي لكل دائرة في دمشق، تقوم حالياً بإعادة دراسة كافة رخص الترميم خاصة للطوابق الأرضية والأقبية والأسطح، والتدقيق في كميات مواد البناء المستخدمة في الترميم.
وتُصدرُ مديرية التنظيم والتخطيط المعماري في محافظة دمشق رخصة الترميم، واسمها الرسمي رخصة التدعيم وإعادة البناء الجزئي، بعد أن يقدم صاحب العقار طلباً مرفقاً بالكثير من الوثائق التي تتضمن إخراج قيد عقاري، مصور إفرازي يحدد حدود العقار والجوار، مصور تنظيمي للمنطقة يبين عليه رقم العقار المراد ترميمه، مصور وضع راهن مطابق للواقع عليه أوصاف العقار وتقسيماته الداخلية، مصور إنشائي يبين توضع الأعمدة والجدران، مصورات تفصيلية، كمية مواد البناء المطلوبة مصادق عليها من نقابة المهندسين، تعهد خطي بعدم إجراء أي مخالفة، موافقة جميع مالكي المبنى أو إذن من القضاء.
وتصادق على الرخصة النهائية دائرة الخدمات المعينة في المحافظة، ودائرة التنظيم والتخطيط العمراني، قسم الشرطة في المنطقة، ونقابة المهندسين، ومهندس الإشراف والتنفيذ. ويشرف على عملية الترميم، مهندس المنطقة ومهندس الخدمات، في القطاع البلدي الذي يتبع له العقار. ويقوم قسم الشرطة في المنطقة بزيارة الموقع لمتابعة الترميم، وله سلطة وقف العمل فوراً في حال اكتشاف مخالفة بناء وضبط المخالفين.
المبنى المنهار يتبع قسم شرطة الأربعين، التابع بدوره لفرع الأمن السياسي في وزارة الداخلية، والمسؤول عن حماية المربع الأمني، وتشمل سلطاته غير المحدودة أحياء المزرعة والمهاجرين والشيخ محي الدين وأبو رمانة والروضة والمالكي وصولاً إلى ساحة الأمويين وقيادة أركان الجيش آمرية الطيران. وتتولى دوريات القسم وحواجزه التدقيق في هويات أعضاء ورشات الترميم، وتدقيق كمية مواد البناء المدخلة للمنطقة ومطابقتها مع رخصة الترميم. الشرطة يحق لها منع إدخال مواد البناء الزائدة عن الكميات المرخص بها بسبب الاشتباه باستخدامها في البناء غير المرخص.
وخلال الحرب تم تفتيش المنطقة أكثر من مرة، والتدقيق في ورشات الترميم ومتابعة أعمالها خاصة إذا تضمنت حفريات، خوفاً من قيام المعارضة بحفر أنفاق في المنطقة المحيطة بالمربع الأمني. وكانت دوريات أمنية مشتركة، من عدة فروع أمنية، بما فيها من الحرس الجمهوري، تقوم بالتفتيش مع استخدام أجهزة اتصال حديثة تدقق في الأصوات الصادرة من المنطقة. ومنعت تلك الدوريات أعمال الترميم في عدة عقارات مطلة على مواقع أمنية ورئاسية. إذ يمكن للقوى الأمنية منع تنفيذ الرخصة حتى وإن كانت قانونية تماماً ومهما كان العمل المطلوب القيام به صغيراً. لذلك، فإن الحصول على رخصة ترميم عقار، وتنفيذها، تحتاج علاقة جيدة مع أطراف متعددة، وتتطلب أيضاً دفع الكثير من الرشاوى للموظفين.
رغم كل ذلك التدقيق، شهدت المنطقة مخالفات كثيرة خلال السنوات الماضية. إذ غالباً ما يخالف أصحاب الرخص شروط رخصة الترميم، ويرشون لجان المراقبة ودوريات قسم الأربعين. وبعد الانتهاء من تنفيذ التجاوز على الرخصة، يتم تثبيت المخالفة كأمر واقع، ليجري بعد ذلك التصالح عليها مع المحافظة ودفع غرامات التسوية. ومن المخالفات المتكررة التوسع على حساب الوجائب، وبناء طوابق إضافية، وتركيب مصاعد خارجية، والتوسع في الشقق على حساب الشرفات، وتوسيع الأقبية وحفر أقبية جديدة. حفر الأقبية الجديدة هو توسع تحت أرضي للمبنى، بغرض إحداث غرف جديدة أو مخازن أو أحياناً شقق كاملة. وهذا النوع من المخالفات هو الأخطر على السلامة الإنشائية للأبنية.