استئناف انشاء فندق بدمشق رغم الدعاوى القضائية
بعد توقف لـ13 عاماً، استأنفت شركة خاصة خلال أكتوبر 2023، الأعمال الانشائية في مشروع فندق ضمن منطقة تنظيم كفرسوسة قرب مبنى مجلس الوزراء. الملفت أن الأعمال استؤنفت من حيث توقفت، رغم وجود أحكام قضائية لصالح سكان الجوار ضد الشركة المنفذة بالاعتداء على حقهم بالارتفاق.
وتنظيم كفرسوسة هي منطقة سكنية بنيت على جزء من أراضي بساتين كفرسوسة جنوبي مدينة دمشق، في ثمانينيات القرن الماضي. والمنطقة منظمة، وأبنيتها مرخصة، وتسكنها الشرائح العليا من الطبقة الوسطى خاصة من التجار ورجال الأعمال.
وكانت شركة المشرق للهندسة والتعاقدات التابعة لمجموعة طعمة الدولية قد حصلت من محافظة دمشق في العام 2007 على رخصة إقامة فندق ومول تجاري في تنظيم كفرسوسة، بنظام BOT، بالتعاون مع مجموعة موفينبيك الدولية للمطاعم والفنادق. ويعتبر نظام BOT (Build-Operate-Transfer) من طرق تنفيذ المشاريع الكبيرة، خاصة المتعلقة بالبنى التحتية، عبر امتياز يمنحه القطاع العام، لكيان من القطاع الخاص، لتمويل وتصميم وبناء وتشغيل منشأة لفترة زمنية محددة. وحصلت مجموعة طعمة على حق تشغيل المنشأة السياحية لمدة 25 سنة، على أن تدفع 11% من عائداتها إلى محافظة دمشق سنوياً. وحددت مدة التنفيذ بـ1000 يوم من تاريخ توقيع العقد، البالغة قيمته الاجمالية 500 مليون ليرة سورية آنذاك (حوالي 10 مليون دولار).
وبحسب المصور التنظيمي المصدق لتنظيم كفرسوسة لعام 2007، فإن موقع المشروع مخصص للبناء السكني، ويضم أربعة مقاسم معدة للبناء مساحتها الإجمالية 10 آلاف متر مربع، يسمح بالبناء على 12% منها بارتفاع سبعة طوابق (المساحة التي يشغلها البناء 1,200 متر مربع فقط). بينما تخصص بقية المساحة (8800 متر مربع) كحدائق ووجائب مملوكة لمحافظة دمشق.
ولكن، قبل توقيع العقد مع شركة المشرق، عدلت محافظة دمشق الصفة العمرانية لمقاسمها في موقع المشروع، من سكنية إلى تجارية سياحية، بالاستناد إلى قانون التخطيط العمراني رقم 5 لعام 1982، وما وصفته بمقتضيات المصلحة العامة. وبذلك، تمكنت المحافظة من دمج المقاسم الأربعة بمقسم واحد، بغرض إقامة كتلة انشائية واحدة مساحتها الطابقية 8,500 متر مربع، بارتفاعات متعددة تتراوح بين 4-13 طابقاً، إضافة إلى أقبية خدمات ومرائب سيارات، وتضم مولات ومسابح وأماكن ترفيه.
شركة المشرق باشرت التنفيذ في العام 2008. وبحسب مراسل سيريا ريبورت، فقد ارتكبت الشركة مخالفات بناء متعددة، منها والبناء من دون ترخيص فوق موقع وقفي أثري يعود للفترة الأيوبية ويضم قبة وضريحاً أثريين مسجلين في عداد المباني الأثرية لمدينة دمشق. وتفرض ضابطة البناء وجود حرم بمسافة 30 متر حول المواقع الأثرية. لكن شركة المشرق، عزلت الموقع الأثري بجدران وسقف خرساني وقيدت الدخول إليه، واستكملت البناء حولهما، رغم اعتراضات رسمية قدمتها مديريتا السياحة والأوقاف في محافظة دمشق.
كما أن السكان من أصحاب الوحدات السكنية في منطقة التنظيم في محيط موقع المشروع، اعترضوا على تغيير الصفة التنظيمية للموقع وبالتالي على تنفيذ المشروع. وبرر بعضهم ذلك، بالقول لمراسل سيريا ريبورت، بأنهم عندما اشتروا شققهم أخذوا بالاعتبار أن المنطقة سكنية تطل على الحدائق. بينما تحول المنطقة إلى تجارية-سياحية، يعني أن المنطقة ستفقد طابعها السكني، وستصبح مصدراً للضجيج والاكتظاظ، وستغلق الطوابق المرتفعة مجال الرؤية أمامهم. واعتقد أولئك أن هذه التغييرات ستتسبب بانخفاض أسعار عقاراتهم، والتي تجاوز سعر الشقة منها عند الإعلان في العام 2007 حوالي مليون دولار (حوالي 45 مليون ليرة). وفي نهاية العام 2021، بلغ سعر شقة بمساحة وسطية ما بين 120-170 متر مربع، في تنظيم كفرسوسة بحدود 2-3 مليار ليرة (500-750 ألف دولار).
المشكلة الأكبر كانت التجاوزات التي قامت بها شركة المشرق على الوجائب المشتركة مع الأبنية السكنية المجاورة، والتعدي على حق السكان بالارتفاق من الوجائب المحيطة بمقاسمهم، وكل ذلك يعتبر مخالفات لضابطة البناء في دمشق. ووفقاً للقانون المدني يُعرّف حق الارتفاق، بأنه تكليف مفروض على عقار معين، لمنفعة عقار آخر معين مملوك لشخص آخر. ومن حقوق الارتفاق حق المرور في أرض الغير، ووضع الأعمدة والأبراج في المساحات المشتركة، وتمديد الكابلات الكهربائية والهوائية، وأيضاً حق الحصول على الإنارة والتهوية. وتفرض الضابطة وجائباً يمنع البناء عليها بما لا يقل عن 5 أمتار من جهة الاملاك العامة و10 أمتار بين الكتل السكنية. شركة المشرق لم تتقيد بالوجائب وبنت على كامل مساحة المقسم.
بعض أصحاب الوحدات السكنية خلف مبنى الموفنبيك تقدموا بدعاوى قضائية ضد شركة المشرق، وحصلوا على أحكام قضائية في العام 2010، مؤكدة لوقوع المخالفات والاعتداء على حقهم بالارتفاق، ومطالبة بالتعويض عليهم. ويتم حساب التعويضات المالية للمتضررين من مخالفات حق الارتفاق، كنسبة من سعر العقار الذي يملكونه. لكن، لم يتلق أصحاب الاعتراضات أية تعويضات، ولا قامت محافظة دمشق بإزالة المخالفات. لا بل أن شركة المشرق استكملت أعمال التنفيذ والانشاء، وحوّلت بذلك المخالفات إلى أمر واقع، وهو ما تقوم به كثير من الجهات الخاصة مستغلة علاقتها مع نافذين في النظام. وفي حالات مماثلة، تلجأ الجهات المنفذة إلى المصالحة لاحقاً على المخالفات وفق قانون مخالفات البناء النافذ، بعد دفع الرشى للموظفين الحكوميين لتخفيض الغرامات.
مطلع العام 2010، وبعد الانتهاء من تنفيذ كتلة البناء الرئيسية، أوقفت شركة الشرق أعمالها، وأغلقت موقع المشروع وهجرته. ويبدو أن ذلك القرار جاء بعد ظهور خلافات هندسية ومالية مع مجموعة موفينبيك الدولية التي سحبت علامتها التجارية من المشروع.
خلال أكتوبر 2023، بدأت شركة طعمة الدولية للفنادق والاستثمار السياحي، التابعة لمجموعة طعمة الدولية، العمل في موقع المشروع من حيث انتهت شركة المشرق. وليس واضحاً بعد، إن كانت مجموعة طعمة الدولية قد توصلت إلى حل مع مجموعة موفنبيك الدولية، ولا ماذا حل بشركة المشرق، ولا إن كان الفندق سيحمل في النهاية اسم موفنبيك. في كل الأحوال، تعود مجموعة طعمة الدولية لرجل الأعمال نبيل طعمة، وهو عضو في مجلس الشعب السوري، ويعمل في الاستثمارات السياحية والمقاولات وتكنولوجيا المعلومات والإنتاج التلفزيوني، ومن الممولين لعدد من وسائل الإعلام المحلية مثل مجلات أزمنة والباحثون والمعارض والأسواق الدولية. والسيد طعمة مدرج على لوائح العقوبات الأميركية منذ العام 2020 لأعماله الداعمة للنظام.