منطقة تنظيم عين ترما المنسيّة
ما بين العامين 2000-2010، عملت محافظة ريف دمشق على تنظيم منطقة تمتد بين مدينة عين ترما وبين المتحلق الشرقي، على الحدود الإدارية مع محافظة دمشق. وباتت تلك المنطقة تُعرف باسم تنظيم عين ترما، أو أسواق الخير نسبة إلى السوق التجاري الحديث الذي بني جنوبها.
وعين ترما من أقرب مدن الغوطة الشرقية إلى العاصمة دمشق، وفيها مناطق عشوائية كبيرة أهمها؛ الزينيّة، الطبّالة ووادي عين ترما. بينما منطقة التنظيم كانت عبارة عن أراض زراعية يمنع البناء عليها، وتم تغيير صفتها التنظيمية من زراعية إلى سكنية وتنظيمها كحي سكني تابع لبلدة عين ترما في العام 2000.
وبناء على ذلك، قام تجار بناء ومتعهدون دمشقيون، بالمشاركة مع بعض أصحاب الأراضي في المنطقة، ببناء تجمعات سكنية حديثة باستخدام تقنيات هندسية متطورة اعتمدت على الكود العربي السوري وملحقه الخاص بالزلازل. بعض تلك التجمعات السكنية باتت تعرف باسم الشركات المنفذة لها، مثل الشيميلاند والتقى والسلام.
المنطقة شهدت حركة شراء نشطة للمساكن قبل العام 2011. وأبرز المشترين كانوا من الطبقة الوسطى الدمشقية من سكان الأحياء المجاورة كالقصاع وباب توما والعباسيين، ذات الغالبية المسيحية. وقد ساهم في تنشيط حركة الشراء اشاعات عن إمكانية ضم محافظة دمشق للمتحلق الشرقي وتخومه الشرقية، إلى مخطط دمشق التنظيمي. وقد سرت اشاعات قبيل العام 2011، بأن محافظة دمشق بصدد ضمّ أجزاء من بلدات عين ترما وزملكا، لتشكيل حي شرق جوبر الدمشقي. ولو تحقق ذلك، فكان متوقعاً تحسن الخدمات البلدية وارتفاع في أسعار العقارات.
في المقابل، لم ينظر أهالي مدينة عين ترما بارتياح لازدياد عدد المالكين “الغرباء” في حي منظم في المدينة التي تعاني أحيائها الأخرى من سوء الخدمات البلدية وانتشاء البناء غير المرخص بسبب استمرار تصنيف الأرض زراعية يمنع البناء عليها. كما أن المظاهر الثقافية التي نقلها السكان الجدد إلى المنطقة من سفور النساء وافتتاح المطاعم التي تبيع مشروبات كحولية وغيرها، أثارت البيئة المحافظة في عين ترما. لكن في العموم، غطت الفوائد الاقتصادية الناجمة عن تنظيم المنطقة على حجج المتشددين الثقافية.
مع انتقال ثورة العام 2011 إلى الطور المسلح، وسيطرة المعارضة على كثير من بلدات ريف دمشق، غادر السكان تنظيم عين ترما على أمل عودة قريبة. في العام 2012 تعرض التنظيم للتعفيش من قبل مسلحين بعضهم تابع لقوات النظام، نهبوا المنازل وخربوها، وحفروا الطرقات لانتزاع أسلاك الكهرباء النحاسية الممددة تحتها، وشبكات المياه والصرف الصحي.
في العام 2013 سيطرت المعارضة المسلحة على عين ترما بشكل كامل بعد عدة عمليات كر وفر. وقد تحولت أجزاء من التنظيم إلى منطقة مقفرة ومدمرة، وباتت خط تماس بين قوات النظام والمعارضة. وتعرضت منطقة التنظيم للقصف المتبادل، خاصة من قوات النظام المسيطرة على وادي عين ترما. المعارضة المسلحة حفرت أنفاقاً تحت منطقة التنظيم. وفي المجمل، تعرضت المباني على أطراف الحي الجنوبية والغربية لأضرار جسيمة بسبب القصف الجوي والمدفعي، بينما تضررت الأبنية وسط الحي بنسبة أقل، لكن كثيراً منها لم يعد صالحاً للسكن.
وفي العام 2017 شنّت قوات النظام حملة عسكرية لفصل مدينة عين ترما عن حي جوبر الدمشقي المجاور لها، واستمرت المعارك حوالي 8 أشهر تعرضت فيها المنطقة لقصف مكثّف بصواريخ الفيل والغارات الجوية ما تسبب بدمار واسع النطاق. وبعد طول حصار، استسلمت المعارضة في الغوطة الشرقية في العام 2018، وخضعت للتهجير القسري إلى شمال غرب سوريا. ومع ذلك، لم يتمكن سكان التنظيم من العودة للمنطقة.
جزء كبير منهم كان قد هاجر خارج سوريا، خاصة أن نسبة وازنة من أصحاب المساكن كانوا مغتربين أساساً. في حين أن بعضهم الآخر دخل دوامة إثبات حقه في الملكية في المنطقة مع فقدان الكثيرين لثبوتياتهم ووثائق الملكية. كما أن القبضة الأمنية والعسكرية للنظام على المنطقة ظلت محكمة، ولم يكن الدخول والخروج إليها أمراً سهلاً على الجميع. في حين أن محافظة ريف دمشق وبلدية عين ترما، لم تقوما بإعادة الخدمات لمنطقة التنظيم، ولم تزل الأنقاض في الشوارع، وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي بحالة سيئة.
في المقابل، تسود حركة بيع غريبة في المنطقة. يقول ميشيل، وهو مالك شقة سكنية في بناء غير متضرر في منطقة تنظيم عين ترما، أنه ومنذ سنوات يتلقى اتصالات متواترة، من سماسرة يعرضون عليه بيع شقته الفارغة، مقابل 7 آلاف دولار، أي حوالي ربع سعر الشقة الفعلي. بينما سليمان الذي يملك شقة في مجمع الشيميلاند، فقد جرى تهديده مؤخراً بضرورة بيع شقته لأحد سماسرة البناء بسعر بخس، وإلا ستقوم لجنة بلدية بإصدار تقرير سلامة انشائية كاذب يؤكد أن البناء برمته آيل للسقوط بسبب وجود نفق تحته. هاني، صاحب بضعة شقق في منطقة التنظيم، يقول إنه لن يبيع أي منها حالياً حتى يتضح وضع المنطقة، خاصة مع جمود السوق العقارية في عموم سوريا.
من جانب آخر، حتى تجار البناء الذين عملوا سابقاً في المنطقة لم يبادروا بعد للقيام بأنشطة واضحة لإعادة العمران. مثلاً، شركة تموز الخاصة لم تقم إلا بأعمال تسوية للأرض تحت البرجين الذين حصلت على رخصة لبنائهما في منطقة التنظيم في العام 2021. الشركة افتتحت قبل فترة محطة بنزين ضمن التنظيم، وأزالت أنقاض بضعة أبنية مهدمة متاخمة للمتحلق، عدا سوت الأرض لكنها لم تبادر ببناء أبنية جديدة ما عدا محطة بنزين.
ولأن منطقة التنظيم باتت شبه مهجورة، لجأ بعض سكان عين ترما للسكن في البنايات غير المتضررة كثيراً، وفق عقود ايجار مع الملّاك الأصليين، أو بالاتفاق معهم، وذلك بعد حصولهم على الموافقات الأمنية للعودة. وعمل أولئك على تمديد خطوط الشبكة الكهربائية على حسابهم، من مولدات خاصة، ويعتمدون على الصهاريج في التزود بمياه الشرب.
ويسود الغموض وضع منطقة التنظيم، بين اشاعات تتحدث عن إمكانية هدمها وإعادة اعمارها، أو إعادة تأهيلها والسماح بعودة السكان إليها. وتنتشر اشاعات عن إمكانية ضمها إلى المخطط التنظيمي رقم 106 الخاص بحي جوبر الدمشقي، وتنظيمها وفق قانون التخطيط وعمران المدن رقم 23 لعام 2015.