شركة مجهولة تتولى دراسة المخطط العام لمدينة دمشق ومحيطها
قال مدير التخطيط والتنظيم العمراني في محافظة دمشق حسن طرابلسي، خلال اجتماع لمجلس المحافظة في 7 نوفمبر 2023، أن المحافظة قامت بتوقيع عقد مع شركة لدراسة المخطط العام لمدينة دمشق ومحيطها الحيوي، مساحته 59 ألف هكتار، منها 11 ألف هكتار ضمن حدود المدينة، والبقية ضمن حدود محافظة ريف دمشق. طرابلسي قال إن محافظتي دمشق وريف دمشق تعملان وبالتنسيق مع بعضهما لاستكمال المخطط.
وصدر لمدينة دمشق ثلاثة مخططات تنظيمية، أولها في العام 1937، وثانيها في العام 1968، وأخرها في العام 2001. ومنذ العام 2015 يدور الحديث عن قرب صدور مخطط تنظيمي جديد للمدينة بحيث يراعي التغيرات العمرانية فيها. ويمتد مخطط العام 2001 الذي أعدته الشركة العامة للدراسات الهندسية التابعة لوزارة الأشغال العامة والإسكان، على مساحة 30 ألف هكتار، ضمّت أجزاءً من ريف دمشق القريب.
المخطط التنظيمي هو آلية لتطبيق قوانين التنظيم والتطوير العقاري، وإزالة مناطق السكن العشوائي. وقد بيّن قانون التخطيط العمراني رقم 5 لعام 1982 طريقة إصدار المخططات التنظيمية؛ إذ تقوم في البداية وزارة الأشغال العامة والإسكان بوضع أسس التخطيط العمراني للمنطقة بهدف تلبية الاحتياجات السكانية في إطار التخطيط الإقليمي. بعدها، تضع الوحدة الإدارية المعنية برنامجاً تخطيطياً، وتصورات أولية للمخطط التنظيمي العام. إذا ما وافقت الوزارة على التصور الأولي للمخطط العام، تُعد الوحدة الإدارية المخطط العام والتفصيلي بحسب المرسوم 5\1982، بالتعاون مع الشركة العامة للدراسات الهندسية التابعة لوزارة الأشغال العامة والإسكان.
وقد تأسست الشركة العامة للدراسات الهندسية في العام 1980، وتم دمجها مع الشركة العامة للدراسات المائية بموجب االقانون رقم 12 لعام 2019 الذي يشير بوضوح إلى دور الشركة الأساسي في الدراسات التنظيمية والتخطيطية وتدقيق الدراسات. ولدى الشركة 11 مديرية هندسية تغطي معظم الاختصاصات الهندسية، ويعمل فيها أكثر من 2200 موظف منهم حوالي 800 مهندس. وقد قامت بتنفيذ عشرات المشاريع، واصدرت مخططات تنظيمية لصالح المحافظات بما فيها محافظة دمشق. والشركة تعمل بشكل فعال في التخطيط الحضري وإصدار المخططات التنظيمية، غالباً، بالتعاون مع جامعة دمشق ونقابة المهندسين ومعهد التخطيط الإقليمي التابع لجامعة دمشق، والمجلس الأعلى للتخطيط الإقليمي.
ولكن، بسبب صعوبات العمل، وبغرض تجاوز البيروقراطية والتأخير في زمن إصدار المخططات، درجت العادة على أن تسلّم الوحدات الإدارية مهمة وضع المخططات العامة والتفصيلية، إلى شركات هندسية خاصة مرخصة. وهذه العملية تتم وفق قواعد وإجراءات نص عليها نظام العقود الموحد الصادر بالقانون رقم 51 لعام 2004 مع الجهات العامة في سوريا.
ولذا، يبدو مستغرباً عدم صدور أي تصريح عن محافظة دمشق ومسؤوليها عن هوية الشركة الدارسة، أو كيفية توقيع العقد دون إعلان عن مناقصة أو استدراج عروض. وتسري شائعة في محافظة دمشق، بأن الشركة خاصة تتبع لأحد رجال الأعمال الموالين للنظام.
ويحق لرئيس مجلس الوزراء إلزام محافظة دمشق بالعمل مع الشركة العامة للدراسات، وفق ما تنص المادة السابعة من القانون رقم 12\2019. ولكنه لم يفعل ذلك، في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة السورية على ضغط نفقاتها الاستثمارية ومصاريفها لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. وبدل التعاقد مع الجهات العامة، بتمويل حكومي محدود يخضع للتدقيق المالي، ومن دون اللجوء إلى طرح مناقصة علنية، لجأت محافظة دمشق للتعاقد مع شركة خاصة، من دون تحديد هويتها، لدراسة المخطط العام لمحافظة دمشق. هذا في الوقت الذي تتملص فيه محافظة دمشق من تنفيذ بعض خططها الخدمية بذريعة نقص الموارد.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها محافظة دمشق تمرير هكذا نوع من العقود، فقد عرضت قبل 3 سنوات مشروع تحويل دمشق إلى مدينة ذكية تستخدم الموارد بشكل أمثل وتتحكم إلكترونياً بمختلف الخدمات فيها. حينها، حاولت المحافظة تمرير عقد سري دون إعلان مع شركة مجهولة، للقيام بالمشروع. وبرر مسؤولو المحافظة حينها اللجوء إلى شركة خاصة، بهدف الالتفاف على العقوبات الدولية، وجذب المستثمرين القادرين على استقدام التكنولوجيا الحديثة من دون تعرضّهم للعقوبات.
ورغم أن مشروع “المدينة الذكية” لم يستكمل، فقد روّج مسؤولو المحافظة حينها بأن الخطوة الأولى للمدينة الذكية تبدأ بتخليص المدينة من الازدحام المروري. وحازت حينها “شركة مصفّات” على عقد خدمة مواقف سيارات مأجورة في شوارع مدينة دمشق. والشركة يملكها رجل الأعمال السوري طاهر علي خضر، المعروف بأبو علي خضر، وهو يعتبر من رجال الأعمال المقربين من النظام السوري، والموضوع على قوائم العقوبات الأميركية منذ العام 2020.