انهيار مبنى وسط عودة خجولة إلى التضامن
أعلنت محافظة دمشق، ليل الإثنين 13 نوفمبر 2023، انهيار أجزاء من بناء في منطقة عشوائية من التضامن جنوبي دمشق. يتألف المبنى من بضعة طوابق، ثلاثة منها مأهولة بالسكان. وقد نجم عن الانهيار مقتل شخص واحد، وإصابة 14.
إذاعة المدينة إف-إم، قالت إن المبنى متصدّع من آثار الحرب وقام صاحبه بترميمه وإكمال بنائه. موقع الوطن أونلاين شبه الرسمي، حذّر الثلاثاء، من انهيار الجزء المتبقي من البناء. ونقل الموقع عن مصدر مسؤول في محافظة دمشق، خبر توقيف 10 أشخاص قيد التحقيق على خلفية انهيار المبنى، والبحث عن 8 آخرين.
وتقول مصادر سيريا ريبورت في المنطقة، أن المبنى كان متضرراً بفعل الأعمال القتالية في المنطقة، وقد تمكن صاحبه من العودة، واستخراج رخصة لإعادة ترميمه، ولكن من دون دراسة هندسية لسلامته الإنشائية.
وهذه المرة الأولى التي ينهار فيها بناء متضرر مأهول في التضامن، وذلك بعد إعادة تأهيله شكلياً، من دون تدعيمه هندسياً. ولكن هذا الأمر صار معتاداً في بقية المناطق المتضررة بفعل القتال، خاصة في حلب الشرقية. الملفت في قضية التضامن أن عودة النازحين إليه ما زالت خجولة، بسبب التشدد بمنح موافقة أمنية للراغبين بالعودة إلى الحي. وتشترط قوى الأمر الواقع المسيطرة على التضامن، وهي الأمن العسكري وميليشيا الدفاع الوطني، على الأهالي الراغبين بالعودة دفع رشاوى مالية بصورة غير شرعية، للحصول على الموافقة الأمنية.
ويقع حي التضامن جنوب شرقي دمشق، ويعتبر بمثابة البوابة الجنوبية للعاصمة، ويبعد 6 كيلومترات عن مركزها. ويعود السكن في التضامن إلى نهاية الستينيات، عندما نزح الآلاف من الجولان والقنيطرة نتيجة سقوط الجولان بيد اسرائيل في حرب حزيران 1967. وأقام النازحون عشوائيات في أراضي منطقة التضامن الزراعية التابعة لمدينة دمشق. واستقطب الحي بكثافة أيضاً الوافدين إلى دمشق من الأرياف السورية. وكان يقطن الحي حوالي 200 ألف شخص قبل العام 2011. ويعاني الحي تاريخياً من سوء الخدمات وتردي أحوال سكانه المعيشية. انتفض جزء كبير من أبناء الحي منذ العام 2011 ضد النظام. وسيطرت المعارضة على الجزء الجنوبي منه منذ العام 2012، والذي تعرّض منذ ذلك الحين إلى حصار وقصف متواصل من قوات النظام، مما سبّب دماراً واسع النطاق فيه. في العام 2015 وقع ذلك الجزء من الحي تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، ونزح عنه معظم سكانه المتبقين، قبل أن يعود إلى سيطرة قوات النظام مطلع العام 2018، مع التهجير القسري لبقية سكانه.
وكانت محافظة دمشق، قد شكلت في تموز 2018، لجنة لتطبيق القانون رقم 3 لعام 2018 الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة، وذلك لتحديد المباني الصالحة للسكن في التضامن. ولكن، لا يبدو أن القانون قد طبق. في أيلول 2020 أعلنت محافظة دمشق السماح للنازحين عن المنطقة بالعودة تدريجياً إليها، بعد الحصول على الموافقة الأمنية. ويجب على الراغب بالعودة إلى التضامن، تقديم طلب عودة في بلدية الميدان بدمشق، يتضمن وثائق شخصية وأخرى تثبت ملكية عقار في التضامن، وإبراء ذمة مالية ودفع المتراكم من مستحقات الكهرباء والماء والهاتف.
وبعد ذلك، يحول الطلب إلى جهاز الأمن العسكري، الذي يقوم بدراسة ملف العائدين أمنياً، وإصدار موافقة أو رفض. ومن الصعب جداً معرفة المعايير الأمنية في إصدار تلك الموافقات أو رفض العودة، ولكن من حيث المبدأ لا تتم الموافقة على كل من شارك في نشاطات معارضة للنظام في المنطقة، سلمية كانت أم مسلحة، حتى ولو أجرى مصالحة وتسوية وضع أمنية. رفض العودة لا يقتصر على المعارضين، بل يشمل أقاربهم أيضاً. في حالات أخرى، تبدو عملية الموافقة والرفض عشوائية غير مستندة إلى أية قاعدة بيانات واضحة.
أحد سكان التضامن السابقين والمقيم حالياً في تركيا، ولديه يملك منزلاً في أحد أحياء التضامن القريبة من بلدة يلدا المجاورة، تمكن من تصديق عقد بيع قطعي بالمنزل لأحد أقاربه في السفارة السورية بأنقرة، بغرض تمكين قريبه من ترميم المنزل ومن ثم تأجيره أو بيعه. ولكن، لم يتمكن قريبه من الحصول على الموافقة الأمنية، وطلب الضابط المسؤول بأن يتقدم المالك الأساسي للمنزل بطلب الموافقة الأمنية.
وإذا صدرت الموافقة الأمنية، توافق بلدية الميدان على طلب العودة، وتطلب من النازح الراغب بالعودة تحمل كامل المسؤولية بخصوص سلامة عقاره، وإزالة الأنقاض منه على تكلفته الشخصية.
في أحسن الأحوال لم يزد عدد العائدين حتى اليوم، عن 1500 شخص بحسب مراسل سيريا ريبورت في المنطقة. أحد العائدين إلى التضامن قال للمراسل، أن الأمن العسكري يمتنع منذ سنة تقريباً عن منح موافقات أمنية جديدة للراغبين من الأهالي، من دون دفع رشوة، رغم استكمالهم كافة الوثائق المطلوبة. ويشترط ضباط الأمن دفع مبلغ مليون ليرة سورية، للحصول على الموافقة.
والمشكلة لا تقف هنا. إذ لا تكفي الموافقة التي يصدرها الأمن العسكري بالعودة. إذ يجب بعد ذلك، أن توافق ميليشيا الدفاع الوطني المنتشرة في التضامن على العودة، من دون أي تفويض رسمي لها بذلك. وموافقة الميليشيا حصرياً تكون بدفع مبلغ مالي، يختلف بحسب موقع العقار ومدى المعرفة الشخصية بالعائدين. في حالات متعددة اشترى عناصر الدفاع الوطني منازل العائدين بأسعار زهيدة، بعد مضايقتهم، والتحكم بكمية مواد البناء المسموح إدخالها للحي للترميم وإعادة التأهيل، وطلب الرشاوى عند كل مرور على الحواجز.
مراسل سيريا ريبورت، تأكد من أن الدفاع الوطني، في حادثة واحدة، عرض على صاحب منزل في الحي بيعه بسعر 18 مليون ليرة (حوالي 1,300 دولار). ولما رفض صاحب المنزل بيعه، تعرض للسجن بتهمة الإخلال بالأمن العام، ولم يخرج إلا بعد أن وافق على بيع المنزل. في حالة أخرى منع الدفاع الوطني صاحب المنزل من دخول الحي مجدداً رغم حصوله على الموافقة الأمنية بالعودة.
وبحسب مصادر أهلية من الحي، فأن العديد من القاطنين حاليا في التضامن ليسوا من سكانه الأصليين، ويسكنون بيوتاً ليست لهم. وترجحُ المصادر أن عناصر الدفاع الوطني قد سمحوا لأولئك بغصب تلك العقارات، نتيجة معرفة أو علاقات شخصية، أو لقاء رشى. أحد القاطنين أقام سوراً حول مربع يتضمن ستة منازل عربية، بالقرب من بنايات الإسكان العسكري، وهو ليس من سكان المنطقة وليس مالكاً لأي عقار فيها.
أحد السكان قال لمراسل سيريا ريبورت، أن من يريد العودة إلى شوارع دعبول، المالكي، السليخة وسوق الثلاثاء، وهي مناطق محاذية للتضامن والتابعة لبلدة يلدا المجاورة، يجب أن يتقدم بطلب لدى مسؤول ميليشيا الدفاع الوطني في التضامن.