مفتاح: عيوب ملحق الزلازل في الكود السوري
هناك معايير صارمة يجب التقيد فيها أثناء البناء وفق اشتراطات الكود العربي السوري لتصميم وتنفيذ المنشآت بالخرسانة المسلحة، وكذلك، ملحقه الخاص بالزلازل. ولكن، الدمار الذي تعرضت له أبنية مرخصة وفق الكود، يثير تساؤلات عن الكود بحد ذاته.
إذ أنه بحسب الكود، وملحقه الخاص بالزلازل، يجب القيام بخطوات ملاحقة، لتصميم بناء مقاوم للزلازل، تتضمن تحديد نوع حديد التسليح، وكميته في المتر المكعب من الخرسانة، ونسب خلط الخرسانة. هذا، بالإضافة إلى تصميم الجملة الإنشائية؛ أساسات المبنى، الجدران الاستنادية، وتوزيع الجدران الحاملة “جدران القص”. وعند إنجاز هذا التصميم، يكون المبنى متوافقاً مع معايير ملحق الزلازل. وبعدها، يمكن التقدم بالتصميم إلى الوحدة الإدارية المعنية، للحصول على رخصة بناء. وتشرف بعد ذلك نقابة المهندسين، والوحدات الإدارية، على التقيد بتطبيق الكود، أثناء مراحل البناء المختلفة، كما يلي:
عند البدء بالحفر في موقع البناء، يجب أن يقوم الطرف الباني، غالباً المتعهد أو المقاول، بتقديم عينات من التربة لاختبارها في مخابر متخصصة في كليات الهندسة المدنية التابعة للجامعات الرسمية أو لدى بعض المؤسسات الحكومية. ويتم تدوين نتائج اختبار التربة في سجل رسمي يمكن العودة إليه. وبحسب تلك النتائج يجري تعديل تصميم الأساسات، والخلطات الخرسانية. ومع تقدم عملية البناء، يجب على الطرف الباني، تقديم عينات من خلطات الخرسانة، إلى مخابر معتمدة رسمياً، لاختبار مطابقتها للمواصفات الواردة في الدراسة التصميمية. ويُصدرُ المخبر الدارس تقريراً رسمياً، يتضمن الموافقة على الخلطة أو رفضها. وتدون تلك النتائج أيضاً في سجلات رسمية يمكن العودة إليها لاحقاً.
أي أن هناك معايير صارمة لتطبيق الكود أثناء تصميم وتنفيذ البناء، حتى مع الأخذ بعين الاعتبار لحالات الإهمال والفساد وغض النظر. وبالتالي، يجب النظر إلى الكود نفسه، لفهم سبب انهيار مساكن مرخصة وفقه، بسبب الزلزال.
في البداية نواجه تحدياً تقنياً بحتاً في الكود: إذ توجد في ملحق الزلازل فوضى في استخدام مقاييس قوة وشدة وطاقة الزلزال؛ مثل ميركالي، والتسارع الأرضي الأعظمي PGA مقاساً بالمتر على مربع الثانية، والتسارع الأرضي الأعظمي PGA مقاساً بـالسنتيمتر على مربع الثانية، والتسارع الأرضي الأعظمي منسوباً لتسارع الجاذبية الأرضية. ويُعبّرُ التسارع الأرضي الأعظمي عن تسارع حركة الأرض أثناء الزلزال، في منطقة محددة، وهو الأكثر استخداماً في الكود.
وهذه المقاييس تقيس ظواهر زلزالية مختلفة باعتماد طرق مختلفة، ولا يوجد علاقة مباشرة بينها. ولذا، يبدو الملحق خلطة مأخوذة بشكل غير متناسق من الملاحق العالمية، من دون أي تبرير أو توضيح للعلاقة بين المقاييس المعتمدة، وسبب الاعتماد عليها. ويبدو ملفتاً أن الملحق يخلو في أغلب الخرائط والجداول المعتمدة فيه، من مقياس ريختر لشدة الزلازل.
وبعيداً عن فوضى المقاييس، تبدو مشكلة أكبر. وفق الملحق ه من ملحق الزلزال، فإن المناطق الأخطر زلزالياً والتي تقع غربي سوريا، تتراوح فيها قيم التسارع الأرضي الأعظمي عند حدوث الزلزال ما بين 300-400 PGA مقاساً بـالسنتيمتر على مربع الثانية. ورغم ذلك، يطلب الملحق دراسة تصميم المباني السكنية في تلك المناطق لتكون مقاومة للزلازل الموافق لتسارع أرضي أعظمي قيمته 300 PGA مقاساً بـالسنتيمتر على مربع الثانية. وليس مفهوماً لماذا لم يطلب الملحق تصميم المباني وفق قيمة التسارع الأرضي الأعظمي 400 PGA مقاساً بـالسنتيمتر على مربع الثانية المتوقعة للزلازل في تلك المنطقة.
على المقلب الثاني، ولصعوبة استخدام هذه المقاييس المعقدة عملياً في عمليات التصميم الهندسي للمباني المقاومة للزلازل، يلجأ المهندسون السوريون في معرض التقديم للحصول على ترخيص للبناء، إلى تصميم أبنيتهم في المنطقة الغربية لتكون مقاومة لشدة زلازل بدرجة 6 ريختر، وهي المكافئة نظرياً وبكثير من التبسيط لتسارع أرضي أعظمي قيمته 300 PGA مقاساً بـالسنتيمتر على مربع الثانية.
وفي الحالتين، يُمنح الترخيص لبناء مصمم مقاوم للزلازل وفق الملحق، للمباني السكنية في المناطق المكتظة سكانياً غربي سوريا، على أن تكون مقاومة لزلزال أعظمي شدته 6 ريختر، بينما هي معرضة لزلازل بشدة 6.5 ريختر فما فوق.
من جانب آخر، يشترط الكود اختبار التربة في أعماق تُحدد عند مستوى “منسوب” الحفر للأساسات، بينما لا يشترط أي دراسة عملية لجيولوجيا موقع البناء؛ أي تشكل الطبقات الأرضية تحت عمق الحفر للأساسات. إذ يمكن أن يكون تحت موقع البناء فجوات أو أحواض مياه جوفية، أو تربة رملية غير مستقرة، أو مناطق انهدامية بالقرب من الفوالق الزلزالية. وتتسبب الزلازل بخلخلة تلك الطبقات تحت أرضية، ما يؤدي لانهيار المساكن فوقها، مهما كانت مقاومة للزلازل بحسب معايير الكود السوري.
أيضاً، لا يلحظ الكود مدة انشاء بناء ما. غالباً ما يستغرق البناء في سوريا زمناً طويلاً، لأسباب متعددة منها صعوبات التمويل، أو التعقيدات البيروقراطية، أو الموافقات الأمنية. في مشاريع القطاع العام، وأيضاً السكن الاجتماعي والتعاوني، قد تطول فترة البناء لعشرات السنين. وفي هذه الحالة، يبقى الهيكل الخرساني للجملة الإنشائية دون عزل أو حماية من العوامل الجوية. مثلاً، الرطوبة العالية في المناطق الساحلية، تتسبب بتآكل القشرة الإسمنتية وصدأ الحديد. وعند متابعة البناء بعد ذلك، لا يجري الكشف عن الهيكل الخرساني مجدداً. وهذه الأبنية تكون عرضة للانهيار بسبب الزلازل.