مجلس مدينة حلب يضيّق على شاغلي دكاكين سوق قسطل الحجارين لمصلحة شركة القاطرجي
ما يزال القسم الأكبر من دكاكين سوق قسطل الحجارين في المدينة القديمة بحلب، وهي حوالي 150 دكاناً بمجملها، مغلقاً رغم سيطرة قوات النظام على كامل أحياء المدينة القديمة والأحياء الشرقية بعد التهجير القسري للمعارضة منها أواخر العام 2016.
عُرف سوق قسطل الحجارين تاريخياً بمحلة المَصَابِن، بسبب ورش تصنيع صابون الغار من زيت الزيتون فيه. وكان في الحي 138 بيتاً في العام 1875، ويحده من الجنوب سويقة حاتم وجب أسد الله، ومن الشمال حارة بحسيتاـ وشرقاً سويقة علي والدباغة العتيقة، بحسب ما قاله أحد أصحاب المحلات القديمة لسيريا ريبورت. ومن أهم معالم سوق قسطل الحجارين، زاوية الصالحية أو القادرية وهي من أقدم زوايا حلب، وكذلك مسجد الشربجي وجامع النحويين، ومدرسة الشاذلية، والمسجد الواطي، ومكتب الأيتام. في السوق أيضاً سبيل ماء أنشأه نائب حلب يلبغا في العام 1753، والحمام الجديد، وخان الزيت المفتوح منذ العام 1742. في السوق منهل مياه قسطل الحجّارين الذي افتتح في العام 1900 وعُرف السوق باسمه.
يمر من سوق قسطل الحجارين طريق يصل إلى ساحة باب الفرج، وطريق آخر إلى باب الجنان. قبل الحرب العالمية الأولى بثلاث سنوات بنى أستاذ التكية الصالحية الشيخ محمود ابن الشيخ محمد خير الدين الحلوي، 13 دكاناً تجارياً على أراضٍ وقفية، وقام بتأجيرها لصالح التكية. خلال الحرب هدمت السلطات المحلية التابعة للسلطنة العثمانية عدداً من المنازل والدكاكين في الحي ووسعت الطرق. مع نهاية الحرب الأولى وانهيار السلطنة العثمانية، توسع الحي وتكاثرت فيه الدكاكين وذاع سيط ذلك السوق كأحد أعرق أسواق حلب القديمة. في الربع الثاني من القرن العشرين عملت بلدية حلب على فتح شارع في السوق القديم ما تسبب بتدمير جزء كبير من المعالم الأثرية فيه. وعلى جانبي الشارع الجديد الواصل إلى السبع بحرات ظهرت عمارة حديثة شغلتها فروع مصارف، وبائعو الأحجار الكريمة والذهب، والأقمشة الثمينة والسجاد.
الدكاكين في سوق قسطل الحجارين هي ملك أصحابها، وقد ورثوها في أغلب الحالات عن آبائهم، عن آباء آبائهم، ضمن عائلات المنطقة. في العام 1974، استملك مجلس مدينة حلب جميع الدكاكين في الحي، وعددها حوالي 150 دكاناً، بغرض تنظيم وتوسيع منطقة باب الفرج. وبحسب المخططات الموضوعة للمشروع، فإن غالبية تلك الدكاكين منذورة للهدم. وفي انتظار التوسعة والهدم، أجّر مجلس مدينة حلب تلك المحال، لأصحابها وصاروا شاغلين لها وفق عقود إيجارية. في العام 1986 أدرجت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، مدينة حلب القديمة على لائحة التراث العالمي. وبناء عليه، تم إيقاف تنفيذ المخططات التنظيمية المصدقة، لكن بقيت الدكاكين مستملكة لصالح مجلس المدينة. وظل الحال على ما هو عليه حتى العام 2011، فلم ينفذ التنظيم، ولا هُدمت المحال، ولا أعيدت إلى أصحابها، ولا عوّض عليهم.
السوق شهد منتصف العام 2012 اضراباً عاماً ضمن النشاطات المعارضة للنظام، واتضح أن كثيراً من شاغليه من معارضي النظام. خلال فترة الحرب 2012-2016، تحول السوق بدكاكينه والمنازل المحيطة بها، إلى موقع لتمركز قوات النظام بالقرب من جبهات القتال مع المعارضة المتحصنة في المدينة القديمة بحلب. وقد تعرض السوق للتخريب والتدمير، بشكل رئيسي عندما فتحت قوات النظام في جدرانه وأسقفه ما يسمى بـ”الطلاقيات”، وهي فتحات تستخدم لإطلاق النار وقذائف الهاون، وأيضاً للرصد والقنص والاستطلاع. وكذلك، اعرضت تلك الطلاقيات للاستهداف من قبل قوات المعارضة في معرض ردها على مصادر النيران. هذا عدا عن عمليات الهدم التي حصلت في السوق القديم الأثري لتسهيل دخول المدرعات والآليات العسكرية الثقيلة.
ورغم استعادة قوات النظام لكامل حلب الشرقية في العام 2016، فإنها لم تسهل لأصحاب الدكاكين ترميمها وإعادة تأهيلها، لا على العكس حاولت عرقلتهم. في العام 2018، أصدر مجلس مدينة حلب، القرار رقم 78 بوضع اليد مجدداً على الدكاكين، ومنع شاغليها من ترميمها وافتتاحها قبل دفع كامل الإيجارات المستحقة عن السنوات الماضية بين العامين 2012-2016. وقرر المجلس رفع قيمة الإيجارات الجديدة للمحال بنسبة 200 في المائة.
يقول أحد أصحاب الدكاكين لسيريا ريبورت، أن مجلس المدينة وضع يده في العام 2018 على محله، وعلى عشرات المحال المجاورة. وقد اضطر المتكلم إلى دفع مليوني ليرة إيجارت مستحقة عن الأعوام 2012-2016، التي كان المحل مغلقاً فيها بحكم تمركز قوات النظام في السوق وتحوله إلى منطقة عسكرية.
بعض شاغلي الدكاكين السابقين، رفضوا الدفع، وتسود شائعة قوية بينهم بأن المجلس سيعود ويجبرهم على إخلاء الدكاكين حتى لو دفعوا الإيجارات المستحقة. في حين رفع بعض شاغلي المحال دعاوى ضد مجلس المدينة.
وفي خطوة أكثر غرابة، في آب 2022، أصدر مجلس المدينة القرار رقم 4532، ألغى فيه القرار السابق رقم 78، وأعاد العمل بالعقود الإيجارية القديمة مع شاغلي دكاكين السوق، شريطة سحب الدعاوى القضائية. ثم عاد المجلس في العام 2023، ورفع قيمة إيجارات الدكاكين أضعاف ما كانت عليه سابقاً. وبات ايجار الدكان شهرياً حوالي 250 ألف ليرة، وتختلف الإيجارات باختلاف مساحة الدكان.
وبحسب بعض أصحاب الدكاكين، فإن سياسة مجلس المدينة مقصودة، وتهدف إلى تهجير من تبقى من شاغلي السوق، لصالح شركة القاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري. ويتهم بعض أصحاب الدكاكين شركة القاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري بالتأثير على مجلس المحافظة ومجلس المدينة، ودفعهم للضغط على أصحاب الدكاكين لإجبارهم على تركها. وليس واضحاً ما هو الهدف النهائي من الموضوع، ويستبعد من التقتهم سيريا ريبورت أن تكون غاية الشركة النهائية استئجار تلك الدكاكين فقط بعد شغورها من أصحابها بل يربطون ذلك بمشروع أوسع يتعلق بإفراغ الدكاكين أولاً من شاغليها، ثم الدخول في مشروع استثماري لترميم كامل السوق. بعض الشاغلين أشاروا إلى إمكانية عقد شركة القاطرجي شراكة مع منظمات دولية أو محلية لترميم السوق، ثم استثماره مجدداً. ويشير بعض أصحاب الدكاكين إلى حرمانهم حتى من الاستفادة من المرسوم رقم 13 لعام 2022 القاضي بمنح تسهيلات وإعفاءات ضريبية واسعة داخل المدن القديمة في محافظات حلب وحمص ودير الزور.
حسام قاطرجي، نائب عن محافظة حلب في مجلس الشعب منذ العام 2016، وهو من أبرز رجال الأعمال الموالين للنظام الذين برز نجمهم خلال سنوات الحرب. وقد عمل حسام بشكل رئيسي في شراء النفط والقمح لصالح حكومة دمشق، من مناطق شمال شرقي سوريا خلال فترة وقوعها تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، ولاحقاً قوات سوريا الديمقراطية. يرأس حسام مجموعة القاطرجي الدولية، التي تضم شركات متعددة منها شركة القاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري والتي تأسست في آب 2017 ويقع مركزها الرئيسي في مبنى محافظة حلب.
ويقول بعض شاغلي الدكاكين، بأن بعض موظفي مجلس مدينة حلب ومجلس المحافظة، باتوا يعملون في الوقت ذاته لدى شركة القاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري. ويتلقى أولئك أجوراً مرتفعة من قبل شركة القاطرجي، بشرط استمرارهم في عملهم في وظائفهم الرسمية في المجالس البلدية. ويتهم شاغلو المحال أولئك الموظفين بتسهيل تمرير مصالح شركة قاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري، على حساب مصلحة أصحاب الدكاكين، وأيضاً مجلس المحافظة والمدينة.