تأثير عدم الاعتراف بالأوراق الثبوتية على حقوق السكن والأرض والملكية
تعقيدات كثيرة تحيط بعدم اعتراف حكومة دمشق، بالوقائع المدنية من زواج، ولادة ووفاة، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام حالياً، وكذلك بعدم الاعتراف بالوقائع التي جرت خلال فترة سيطرة المعارضة في المناطق التي استعادها النظام.
مثلاً، ما زالت منال في السجلات المدنية الرسمية السورية امرأة عازبة، رغم مرور 3 سنوات على زواجها وإنجابها طفلاً صار عمره سنة ونصف هو الآخر غير موجود في السجلات. إذ أن منال تعيش في مدينة معرة مصرين بريف إدلب، الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ، وهي غير قادرة على تسجيل تلك الوقوعات في أي من مديريات الأحوال الشخصية التابعة لوزارة الداخلية في حكومة دمشق. حقوق منال في السكن، الأرض والملكية، المستجدة بحكم زواجها وإنجابها، باتت مهددة بدورها.
قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021، المُعدّل للقانون القديم رقم 26 لعام 2007، لا يعترف بالوثائق غير الموثقة في السجلات الرسمية للدولة السورية، وينص على أنه عند حدوث واقعـة أحوال مدنية لمواطن داخل أراضي الدولـة، تقـدم الوثائـق المثبتة لحدوثها إلى أي مركز سجل مدني يتولى تسجيلها مباشرةً. وبالتالي، فإن وقوعات الأحوال الشخصية غير المسجلة في مراكز الأحوال الشخصية التابعة لوزارة الداخلية في حكومة دمشق، غير معترف بها. ويتوجب على أصحاب تلك الوقائع إعادة تثبيتها من جديد.
ويجب على الشخص القاطن في مناطق المعارضة العودة إلى مناطق النظام وتثبيت الزواج وتسجيل المواليد، أو توكيل أحد الأقارب، أو المحامين. ويخشى كثير من المقيمين في مناطق المعارضة، في حال عادوا إلى مناطق النظام، من توقيفهم لدى فروع الأجهزة الأمنية.
نجوى المُهجرة من ريف دمشق إلى إدلب، لم تتمكن من بيع حصتها من منزل في بناء مرخص، كان يملكه زوجها المتوفى في داريا بريف دمشق. إذ أن نجوى غير مسجلة في السجلات الرسمية كامرأة متزوجة. ويتوجب على نجوى، أن تعود أولاً إلى مناطق سيطرة النظام أو أن توكل أحد أقاربها، لتسجيل زواجها في مديرية الأحوال الشخصية، ثم تسجيل وفاة زوجها، وبعد ذلك يحق لها البدء بمعاملة حصر إرث شرعي لأملاك زوجها المتوفى.
نجوى نزحت قسرياً عن مدينة داريا بصحبة زوجها، أثناء التهجير القسري للسكان والمعارضة في صيف العام 2016. استقر المقام بنجوى وزوجها، في إدلب، قبل أن يتوفى زوجها في العام 2018. ولم يعد أحد من أقارب نجوى إلى داريا حتى اليوم، ولا يزال احتمال عودتها إلى داريا خارج إطار البحث.
سارة المُهجّرة من وادي بردى بريف دمشق مع زوجها وطفلها نهاية العام 2016، إلى إدلب، باتت أمام مشكلة عويصة بعد طلاقها. إذ تزوجت سارة في العام 2013، ولم تتمكن من تسجيل زواجها حينها لأن المنطقة كانت خارج سيطرة النظام، وكذلك لم تتمكن من تسجل مولودها. وبالتالي، لا يمكن لسارة تثبيت واقعة طلاقها أيضاً. تعيش سارة مع ابنها حالياً في ريف حلب، ولديها بطاقة عائلية صادرة عن حكومة الإنقاذ في العام 2017، أما زوجها فيقيم في إدلب حيث تزوج مرة أخرى. الوثائق الصادرة عن حكومة الإنقاذ أو الحكومة المؤقتة غير معترف بها رسمياً في مناطق سيطرة النظام.
والد سارة ما زال مقيماً في وادي بردى، وقد حاول تسجيل وقائع زواجها وانجابها وطلاقها. لكن الأب عاد وتخوف من الاعتقال، لأن طليق ابنته مطلوب أمنياً. وبالتالي، لا تزال سارة رسمياً عازبة، وابنها غير موجود. ويعيق ذلك حصول ابن سارة لاحقاً، على أي من إرث والده.
أم عمر النازحة من دوما بريف دمشق نحو ريف حلب، منعتها الأسباب الأمنية أيضاً من تثبيت كثير من الوقوعات التي تخص عائلتها. إذ أن زوجها أبو عمر، قُتل في سجون النظام، وتمكنت عائلته من الحصول على شهادة وفاته قبل تهجيرهم من دوما منتصف العام 2018. الزوج الراحل كان يملك منزلاً ضمن منطقة التنظيم في دوما، بالإضافة إلى محلات تجارية. عمر، ابن أم عمر، قُتِلَ بقذيفة صاروخية على جبهة عفرين في ريف حلب الغربي في العام 2020. عمر كان متزوجاً حديثاً، وولد ابنه بعد شهرين من مقتله. أم عمر، لأسباب خاصة، ما زالت قادرة على العودة إلى دوما بين الحين والآخر، لكن المحامي الذي تتعامل معه نصحها بعدم تسجيل وقوعات زواج ابنها، ووفاته، وولادة ابن ابنها، لأن ابنها كان مطلوباً أمنياً أيضاً.
حاولت أم عمر القيام بمعاملة حصر لإرث زوجها في العام 2019، واستخدمت وكالات لأولادها الأحياء المقيمين في مناطق المعارضة. لكن موظفين في الدوائر الرسمية تخوفوا من قبول تلك الوكالات. وحتى لو تمكنت أم عمر من القيام بعملية حصر إرث لزوجها المتوفى، تبقى معضلة تسجيل واقعة زواج ابنها، ووفاته أمراً صعباً للغاية. ولذا، يبدو أن ابن ابنها المتوفى وأرملته، لن يتمكنا من الحصول على حقوقهما في الورثة في أمد منظور.
في كل ما ذكر سابقاً، يجب التنبيه إلى عقبة رئيسية في القانون رقم 13، وهي أن المادة 44 منه تمنع إحداث أية تعديل أو تصحيح على قيود الأحوال المدنية إلا بناء على حكم قضائي مكتسب للدرجة القطعية. أي أنه في هذه الحالة، يتوجب لتعديل أو تصحيح القيود المدنية، دخول مسار قضائي، بما يعني ذلك استبعاد الفئات الأكثر فقرا وتهميشاً منه، بسبب تكاليفه والحاجة إلى محامي.