نساء أُجبرن على التنازل عن حقوقهن بسبب زواجهن من رجال من طوائف أخرى
كثيراً ما تتعرض النساء للتميز ضدهنّ في حقوق السكن والأرض والملكية، إذا ما اخترن الزواج من شخص مختلف في الدين أو المذهب. في بعض الحالات تصل الأمور إلى حد الاحتجاز القسري، وتلفيق الاتهامات، وتزوير الأدلة.
وهذا، يبدو واضحاً في قصة مروة، المهندسة التي كانت تعمل في إحدى شركات البناء الكبيرة قبل ثورة العام 2011 في سوريا. مروة سليلة إحدى كبريات عائلات درعا السنّية، وأكثرها نفوذاً وغنى. ولتجنب رفض محتمل من عائلتها، أخفت مروة قضية زواجها من زميلها في الدراسة لأنه علوي.
لدى مروة 5 أخوات بنات، وأخوان اثنان، وجميعهم من المتعلمين تعليماً جامعياً. توفي والدهم قبل 15 عاماً، ورغم كثرة عدد الورثة، فقد كانت حصة مروة كبيرة من أراض وعقارات.
مروة وزوجها انحازا لثورة العام 2011، ونشطا في العمل الإغاثي. ونتيجة لذلك فقد تعرضا للاعتقال. مروة بقيت في المعتقل لشهرين، وقد تمكنت عائلتها من إطلاق سراحها بعد دفع رشوة كبيرة لضابط رفيع في الأجهزة الأمنية. في حين دام اعتقال زوجها 6 أشهر، وأُلحِقَ من بعدها مباشرة بالخدمة العسكرية الإلزامية.
وبعد إطلاق سراحها اكتشفت العائلة قضية زواج مروة السري. وهنا، بدأت معاناتها الحقيقية، إذ اعتبرت العائلة أن مروة ارتكبت خطأين لا يغتفران، الزواج من شخص علوي، والانخراط في عمل ثوري ليس من اختصاص النساء. العائلة كانت بطبيعة الحال منحازة للثورة، لكنها اعتبرت النشاط السياسي حكراً على الذكور. إذ لطالما ارتبط النشاط السياسي في سوريا بمخاطر كبيرة، ليس أٌقلها الاعتقال السياسي وما قد يتبعه من انتهاكات جسدية، وأحياناً جنسية، وهو الأمر الذي قد ينقلب إلى وصمة عار في حالة النساء.
العائلة الغاضبة احتجزت مروة بعد إطلاق سراحها في غرفة قديمة كانت تستخدم كحظيرة للحيوانات في منزل العائلة الصيفي. وتجدر الإشارة إلى أن موقف العائلة لم يكن موحداً، بل اصطفت الأم والأخ الأكبر ضد مروة، في حين وقفت الأخوات البنات والأخ الأصغر مناصرين لها. وفي قسمة عائلية كهذه، ساد موقف الأم والأخ الأكبر.
بعد عشرين يوماً من الاحتجاز في الحظيرة، عرض الأخ الأكبر على مروة ما اعتبره صفقة لمسح العار؛ إطلاق سراحها والزواج برجل مناسب هو اختاره لها، مقابل تنازلها عن كل أملاكها. الأخ هدد مروة بأنها إن رفضت العرض، ستبقى حبيسة تلك الحظيرة مدى حياتها، وبأنه سيتصرف بأملاكها كما يريد، شاءت أم أبت.
مروة وافقت مرغمة على العرض، وقبلت التنازل عن أملاكها بموجب عقود بيع وشراء لأخيها. كما قبلت مروة بالزواج من الشخص “المناسب” الذي اختاره لها أخوها. الزواج هذه المرة، تم وفق عقد زواج عرفي، من دون تسجيله في مديرية الأحوال المدنية (النفوس).
وبعد فترة من التنقل في أماكن مختلفة ضمن محافظة درعا التي كانت تعيش حروباً متنقلة بين المعارضة والنظام، نزحت مروة وزوجها الجديد إلى الأردن، وبعدها تمكنا من اللجوء إلى إحدى الدول الأوروبية. وبمجرد حصولها على الإقامة، انفصلت مروة عن زوجها الجديد، ولكنها لم تتمكن من استعادة أملاكها.
أيضاً، نعرض قصة مماثلة، لعبير، العلوية من ريف اللاذقية، التي تزوجت خلال دراستها في جامعة حلب، من زميلها السنّي، رغم رفض عائلتها. وبضغط من عائلة زوجها المُحافظة وضعت عبير الحجاب، الأمر الذي زاد من موقف والديها السلبي ضد زواجها، إلى حد مقاطعتها حتى وفاتهما. عبير أكملت تعليمها، وأنجبت ثلاثة أولاد.
خلال المعارك في حلب، كانت خسارة عبير كبيرة جداً؛ قُتِلَ زوجها بانفجار قذيفة، وتعرض منزلها للتدمير بسبب القصف. حينها، قررت عبير العودة إلى اللاذقية، والبدء من الصفر مجدداً، محاولة التواصل مع ذويها، للبحث عن أي دعم ممكن منهم. لكن، رفضت العائلة مساعدتها بشكل مطلق.
الأمر الملفت أن والد عبير، لم يكن قد وزع أملاكه على أبناءه، وبالتالي وبحسب أحكام الإرث في قانون الأحوال الشخصية، يجب أن ترث عبير مثل أخواتها البنات. والميراث كبير ويضم منزلاً وشاليهاً على البحر، وأراض زراعية في قريتهم، وكلها بقيت باسم والدهم، من دون إجراء حصر إرث شرعي. ومع ذلك، رفضت العائلة مجتمعة، حصول عبير على أي شيء، بسبب زواجها من شخص مختلف الدين عنهم. وبالتالي، رفضت العائلة مشاركة “أولاد الحلبي” أملاكهم، على حد وصف عبير في حديثها لمراسلة سيريا ريبورت.
وعندما رفعت عبير دعوى أمام القضاء لإجراء حصر الإرث، وبالتالي تحصيل حقوقها من الميراث، شنّت العائلة حملة ضدها لتشويه سمعتها، واتهموها بالاضطراب العقلي، بل وزورواً توقيعها على عقد بيع لحصتها من الميراث. وحين لم ترضخ عبير، كتبوا تقريراً أمنياً كيدياً ضد ابنها الشاب، ما تسبب باعتقاله شهراً، ما كان كافياً لسحب الدعوى وتنازل عبير عن حقوقها.