مخيم عرى للنازحين أم للعمال الزراعيين؟
في مخيّم غربي بلدة عرى في ريف السّويداء الغربي، يقيم المئات من النازحين الذين تعرضت بيوتهم في مناطقهم الأصلية للدمار. ولكن سكان هذا المخيم يعملون في الأراضي الزراعية بالمنطقة. وبالتالي، هذا المخيم يبدو فريداً من نوعه، إذ يسكنه عمال زراعيون، وفي الوقت نفسه هم نازحون بيوتهم مدمرة. وبسبب هذه السمة المركبة للمخيم، قلّصت المنظمات غير الحكومية مساعداها لقاطنيه، في حين تتجاهل المؤسسات الحكومية وجوده أصلاً.
مراسل سيريا ريبورت في المنطقة قال إن عدد النازحين المسجّلين في بلدة عرى يتجاوز ثلاثة آلاف نسمة، 2000 منهم يسكنون في بيوت مستأجرة داخل البلدة أو مزارعاً على أطرافها، وهناك حوالي 1000 شخص منهم يسكنون المخيم غربي البلدة. وفي المخيم حوالي 200 خيمة صيفاً، و150 خيمة شتاءً، وذلك بسبب انتقال البعض في الشتاء إلى مناطق أكثر دفئاً.
ويعمل النازحون من سكان المخيم في الزراعة المروية بأراضي بلدة عرى كالبندورة والبطاطا، والقمح والشعير والحمص، والزيتون. ويمثّلُ أولئك النازحين يداً عاملة يصعب الاستغناء عنها في ريف السويداء.
ويعود تأسيس المخيم إلى ما قبل الثورة السورية 2011. وقد بدأ فعلياً بالتشكل منذ العام 2006 مع توافد عمالة عائلية من محافظة الحسكة إلى المنطقة للعمل في مشاريع الزراعة المروية في بلدة عرى. وأقامت تلك العائلات خيماً غربي البلدة. وبعد العام 2011، نزح إلى عرى كثير من أهالي درعا وريف دمشق والحسكة ودير الزور وريف حلب، هرباً من المعارك. ما بين العامين 2016-2018 استقر عدد النازحين في البلدة على نحو 20 ألف نسمة.
في العام 2018، ومع استعادة النظام سيطرته على درعا وريف دمشق، وتراجع تنظيم الدولة الإسلامية شمال شرقي سوريا، عاد كثير من النازحين إلى مناطقهم الأصلية. لكن ظروفاً مختلفة أبقت حوالي 200 عائلة (1000 شخص)، في مخيم عرى، أهمها أن بيوتهم في مناطقهم الأصلية مدمّرة جرّاء العمليات العسكرية السابقة، وأيضاً بسبب عملهم الزراعي في أراضي البلدة.
والمخيم مُقامٌ على أراضٍ خاصة يملكها أهالي البلدة، ويدفع النازحون أجرتها شهرياً، بمقدار 5000 ليرة عن كل خيمة. ويسود في المخيم نظام اجتماعي خاص تسود فيه علاقات العمل وهرميتها. إذ يُقسم المخيم إلى مجموعة مخيمات صغيرة، لكل منها اسم على اسم زعيم تلك المجموعة من الخيم؛ مخيم أبو خليل، أبو حسين، أبو زيد، أبو ياسر. ومعظم هؤلاء الزعماء هم من أوائل العمال الزراعيين القادمين إلى المنطقة. وأولئك الزعماء مسؤولون عن جمع أجرة الأرض من سكان المخيم، وأيضاً هم من يعقدون الصفقات مع أصحاب المشاريع والمواسم الزراعية، ويحددون الأجرة اليومية للعمال، ويوزعونهم على المشاريع. يتقاضى الزعماء مقابل تلك الأعمال نسبة من أجور العمال.
وبحسب مراسل سيريا ريبورت، فإن المخيم يفتقد لأدنى مقومات السكن؛ لا شبكة لمياه الشرب ولا أخرى للصرف الصحي. وفي المخيم تسعة خزانات بلاستيكية لمياه الشرب، قدمتها منظمة الهلال الأحمر على دفعات خلال السنوات الماضية وكانت تشرف على تزويدها بالمياه. لكن منذ ثلاث سنوات، توقفت المنظمة عن تزويد المخيم بماء الشرب، وبات النازحون يشترون الماء على حسابهم. أيضاً، لا حمامات ولا دورات مياه في المخيم، ويقضي الناس حاجتهم في الخلاء.
الكهرباء محصورة فقط بخيم زعماء المخيم القادرين على دفع تكاليف تمديدها وأجور اشتراكها الشهرية من المزارع المجاورة. ولا يحصل النازحون على مخصصات للتدفئة، وغالباً ما يجمعون مواداً بلاستيكية من مكبّات القمامة لاستعمالها في التدفئة شتاءاً.
وفي المخيم حوالي 350 طفلاً تحت سن 14 عاماً، 25 منهم فقط حصلوا، أو يحصلون، على بعض التعليم الابتدائي بشكل تطوعي تقدمه منظمة محلية غير حكومية. بعض الأطفال منهم بدأوا العمل الزراعي مع ذويهم بعمر 7 أو 8 سنوات.
المراسل قال بإن المساعدات الإغاثية لسكان المخيم تراجعت كثيراً منذ العام 2018. منظمة الهلال الأحمر التي كانت تقدم سلّة غذائية شهرية لكل عائلة، صارت تقدّمها كل ثلاثة أشهر. كثير من الجمعيات والمنظمات المحلية التي كانت تقدم المساعدات توقفت عن أعمالها في المخيم. ومع ذلك، ينقل المراسل عن بعض سكان المخيم تفضيلهم البقاء فيه على العودة إلى مناطقهم المدمرة.
ويتخوف قاطنو المخيم مع كوارث جديدة قد تحلّ بهم مع دخول فصل الشتاء، كما حصل في الأعوام الماضية عندما داهمتهم السيول. ويبقى الخوف الأكبر من انتشار الأمراض المعدية والمزمنة، وسط تسجل بضعة إصابات بالكوليرا في المخيم في تشرين الأول الماضي. في تشرين الثاني الجاري تفشى مرض الجرب بين الأطفال، وقام فريق طبي من مديرية الصّحة ومنظّمة الهلال الأحمر، بتعقيم المخيم وتقديم العلاج لـ45 طفلاً مصاباً.