مجلس الوزراء يعمم تجربة استثمار أراضي الغائبين
بعد نجاح محافظات حلب وحماة والرقة وإدلب، في استثمار أراضي الغائبين من النازحين والمُهجرين قسرياً إلى مناطق المعارضة، يبدو بأن الحكومة السورية تتجه إلى تعميم تلك التجربة على مختلف مناطق سيطرتها.
ويأتي ذلك في ضوء ما يسميه مجلس الوزراء بإدارة وتنظيم ملف عقود استثمار الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة خصوصاً الفستق الحلبي والزيتون. وغالباً ما تتجاهل القرارات والمراسلات الرسمية الإشارة إلى أصحاب هؤلاء الأراضي، أو تصفهم بالغائبين وتصف أراضيهم بالشاغرة.
القرابة من الدرجة الأولى
سمح مجلس الوزراء في قراره رقم 12011 الصادر في تشرين الأول الماضي، لأبناء الأسرة الواحدة من الدرجة الأولى من القرابة، باستثمار أراضي أقاربهم الشاغرة التي سيتم عرضها للاستثمار الزراعي من دون الدخول بالمزادات العلنية المقبلة. القرار لم يحدد ما هي المناطق المعنية بالتنفيذ.
واشترط المجلس في قراره، المستند بدوره إلى كتاب وزارة الزراعة رقم 291 الصادر في أيلول 2022، على أصحاب الدرجة الأولى من القرابة، وهم الأب والأم والبنت والابن، الإعلان عن العقارات التي تخص أقاربهم والتي يرغبون باستثمارها قبل 15 يوماً من موعد إجراء المزادات العلنية.
وليس واضحاً لماذا حصر مجلس الوزراء أفضلية الاستثمار بأبناء الأسرة الواحدة من الدرجة الأولى للقرابة، بعدما كانت الأفضلية تمنح أيضاً للدرجتين الثانية الثالثة من القرابة، في محافظة حماة على سبيل المثال. وتضم الدرجة الثانية الجد والجدة والأخ والأخت وابن الابن، والدرجة الثالثة تضم الأعمام والعمات وأبناء الأخ. وفي كل الأحوال، ليس للمستثمر من الأقارب سوى الأفضلية لاستثمار أرض قريبه من دون الدخول في المزاد، ولا يحظى بأي ميزة أخرى. وفي حال عدم وجود أقارب أو مهتمين بينهم بالاستثمار، ستدخل أرض الغائب في المزادات العلنية للاستثمار.
حصر الارث
ويبدو أن مجلس الوزراء قد افترض بأن الغائب صاحب الأرض الشاغرة، متوفى بالضرورة، فاشترط على المستثمر-القريب إجراء معاملة حصر إرث. وثيقة حصر الإرث تخصّ من ثبتت وفاته حقيقةً أو حكماً، وفقاً لما أقره قانون الأحوال الشخصية 59 لعام 1953 وتعليماته التنفيذية. وثيقة حصر الإرث، هي وثيقة قانونية بهدف تحديد ومعرفة ورثة المتوفى المستحقين للميراث ودرجة قرابتهم من المتوفى، كما تُبيّن الوثيقة مقدار حصص ورثة المتوفى.
ويبدو بأن الغرض من هذا الطلب الغريب هو تحديد ومعرفة من هم أقرب درجة إلى الغائب. إذ لا علاقة لوثيقة حصر الإرث بأملاك المتوفى، ولا تتضمن ما يملكه من أموال أو عقارات. كما لم يحدد القرار إن كان المطلوب هو حصر الإرث القانوني أو الشرعي. وحصر الإرث القانوني يكون فقط للأراضي الأميرية التي تكون ملكيتها للدولة، ويجري عليها حق التصرف فقط.
اللجان المحلية
من جانب آخر، أجاز مجلس الوزراء، وفق القرار، تشكيل لجان محلية في جميع الوحدات الإدارية المعنية، مؤلفة من رئيس الوحدة الإدارية، أمين الفرقة الحزبية، رئيس الوحدة الإرشادية، المختار، رئيس الجمعية الفلاحية، وممثل عن المجتمع المحلي يتجاوز عمره الخمسين عاماً. ومهمة هذه اللجان، التأكد من ملكية الأشخاص الذين فقدوا سندات ملكية العقارات “بشكل مشروع”. وهذه اللجان، بحسب القرار، مسؤولة عن نتائج أعمالها، وما تتوصل له من نتائج مقتصر على استثمار العقارات في الموسم الزراعي 2022-2023. القرار أكد بأن ليس لنتائج عمل هذه اللجان أي تأثير مستقبلي على ملكية العقارات المعنية.
وبحسب طريقة تشكيلها ومهامها، تشبه هذه اللجان ما سبق وعرفته محافظتي حماة وإدلب من “لجان مكانية فنية” مختصة بتحديد ملكية الأراضي الزراعية، وإحصاء وتحديد أراضي الغائبين من النازحين إلى مناطق المعارضة.
المختلف في اللجان المحلية عن اللجان الفنية المكانية، هو وجود ممثل عن المجتمع المحلي يزيد عمره عن 50 عاماً في اللجان المحلية. ويهدف ذلك، بحسب مراسل سيريا ريبورت في المنطقة، إلى إعطاء شرعية لعمل هذه اللجنة. وأضاف المراسل بوجود اشتراطات أمنية لتعيين ممثل المجتمع المحلي، بأن يكون هذا الممثل من المقيمين بشكل متواصل في مناطق سيطرة النظام، ومن غير المعروفين بمواقف سياسية معارضة.
وحتى مع وجود هذا الممثل عن المجتمع المحلي في اللجنة المحلية، فإن الاشتراطات الأمنية لتعيينه تحد من معرفته بما حدث من عمليات عقارية خلال فترة سيطرة المعارضة، أو بين أوساط المعارضين. ومن ذلك البيع والشراء، وانتقال الملكية بالوراثة، وتصرف الورثة بالملكية.
كما يتخوف المهجرون من الفساد والمحسوبية في عمل اللجان المحلية، على غرار ما حدث في اللجان الفنية المكانية في سنجار وحوى في ريف معرة النعمان الشرقي في إدلب في المواسم الزراعية الماضية. إذ شكّل أعضاء اللجان الفنية المكانية هناك، مستخدمين نفوذهم وعلاقاتهم الأمنية، شركات خاصة لاستثمار أراضي الغائبين، وعرقلوا منح الأفضلية لاستثمار الأرض للأقارب.
وفي حال وجود أكثر من قريب من الدرجة الأولى يرغب بالاستثمار، فيتوجب عليهم مراجعة اللجنة المحلية لتنظيم محضر اتفاق بينهم لتحديد من سيستثمر الأرض. ومن ثم، يتوجب عليهم تسجيل العقد في دائرة العقود في المحافظة، والحصول على “موافقة” للبدء باستثمار الأرض.
أحكام متفرقة
اشترط القرار 12011 على المستثمر-القريب بأن يتعهد بإعادة الأرض الى صاحبها إن عاد، وأن يتعهد أيضاً بزرعها وفق الخطة الانتاجية الزراعية التي تحددها وزارة الزراعة تحت طائلة إلغاء حقه باستثمارها إن خالف الخطة.
القرار اشتراط أيضاً على المستثمر-القريب، الحصول على الموافقة الأمنية. وتصدر تلك الموافقات عن الأجهزة الأمنية المسيطرة على المنطقة، وتستند إلى تقارير أمنية وتقييمات استخباراتية من المخبرين المحليين وأعضاء البلديات والجمعيات الفلاحية التابعة لاتحاد الفلاحين.
كما اشترط القرار على المستثمر-القريب، تقديم إخراج قيد للأقرباء من الدرجتين الأولى والثانية لكل من صاحب العقار ولأصحاب الحقوق باستثمار الأرض.
وأراضي الغائبين التي لم يتقدم أقارب من الدرجة الأولى لاستثمارها، أو التي فشل القريب-المستثمر بإثبات ملكية قريبه لها، فتدخل بشكل تلقائي في المزادات العلنية العادية. وقد جرت أول مزادات لاستثمار الأراضي غير المزروعة بالأشجار “السليخ”، في إدلب وحماة خلال نوفمبر الماضي.