ما الذي يجمع برزة، القابون وجوبر؟
زار رئيس مجلس محافظة دمشق خالد الحرح، قبل أيام، أحياء برزة والقابون وجوبر، وأشار إلى إمكانية عودة أهالي هذه الأحياء إلى مساكنهم بعد التأكد من سلامتها الإنشائية. وقال الحرح إنه كلّف المهندسين، إعداد دراسة سريعة وحصراً للمباني القابلة للتأهيل، لعرضها على المحافظة بأسرع وقت.
ورغم أنها تشكل الحزام الشمالي الشرقي للعاصمة دمشق، فمن المستغرب جمع قضية تلك الأحياء الثلاثة معاً، بسبب اختلاف الحالة التنظيمية لكل منها؛ فقد صدر مخطط القابون التنظيمي التفصيلي رقم 105 لعام 2020 في حزيران الماضي. في حين ينتظر حي جوبر إعلان مخططه التنظيمي بالتعاون مع هيئة التخطيط الإقليمي في محافظة دمشق. بينما المخطط التنظيمي لبرزة قد لا يصدر أبداً.
وكانت المعارضة قد سيطرت على هذه الأحياء الثلاثة المرتبطة بالغوطة الشرقية ما بين العامين 2014-2018. وقد تعرضت هذه الأحياء لتدمير شديد خلال المواجهات العسكرية، وفي القصف الجوي والمدفعي من قوات النظام.
وما زال الأهالي ممنوعين من العودة إلى تلك الأحياء التي تسيطر عليها وحدات مختلفة من قوات النظام، وتتعرض لعمليات هدم متواصلة لأبنيتها تحت ذريعة الخطر على السلامة الإنشائية، وفعلياً لإعادة تدوير الأنقاض.
ويعيش معظم نازحي تلك الأحياء، في مناطق مختلفة من العاصمة دمشق وريفها. ويبدو أن الدافع الأكبر لعودتهم إلى مناطقهم، ولو كانت مدمرة، هو سوء أوضاعهم المعيشية وتوفير ما يدفعونه من إيجارات في مناطق نزوحهم. ومن جانب الحكومة، يبدو أن لا إمكانية مالية لديها لإعادة إعمار هذه الأحياء الحيوية الدمشقية، ولذا، فقد تضطر في النهاية السماح للأهالي بالعودة.
وكان النظام يعتمد على استراتيجية تتيح له منع عودة الأهالي إلى المناطق المدمرة في دمشق ومحيطها، بانتظار إعادة إعمارها بناءً على مخططات تنظيمية جديدة. هذه الاستراتيجية، التي تم تأطيرها قانونيًاً بموجب المراسيم والقوانين 66 لعام 2012، و 23 لعام 2015، و 10 لعام 2018، تعمدت طرد الفقراء وسكان المناطق العشوائية، ومصادرة ممتلكاتهم بهدف إنشاء مدن ومجمعات سكنية جديدة. إلا أن قلة التمويل وعدم قدرة الحكومة على تنفيذ أي من مشاريع التنظيم العمراني خلال السنوات الماضية قد يجبرها حالياً على قبول عودة الأهالي لبعض هذه المناطق المنكوبة.
بالنسبة للقابون، كان يفترض أن يتم تصديق المخطط التفصيلي رقم 105، بعدما تم تلقي الاعتراضات عليه من أصحاب الحقوق وأهالي المنطقة. ولكن إلى الآن، لا يبدو ذلك قريباً، إذ تلقت المحافظة اعترضات كثيرة من أهالي القابون على المخطط التفصيلي، وتقدم بعضهم بشكاوى لمنحهم حق السكن البديل وبدل إيجار، على غرار سكان منطقة ماروتا سيتي، بحسب ما تظهره صفحات الحي في فيس بوك.
في حين أن حي جوبر تعرض للتدمير الأشد والأعنف لكونه الأقرب إلى دمشق وخط المواجهات الأعنف فيها. كما أن مشكلة هندسية تعترض إعادة تأهيل الحي، وتتعلق بشبكات كبيرة وطويلة من الأنفاق التي حفرتها قوات النظام والمعارضة إبان المواجهات، ما يجعل من تهيئته الهندسية من قبل الحكومة أمراً معقداً ومكلفاً للغاية. وسبق أن أعلنت محافظة دمشق، مراراً، عن قرب صدور مخططه التنظيمي. إلا أن ذلك لا يبدو قريباً. حتى أن تأهيل طريق ساحة العباسيين-جوبر ما زال متوقفاً منذ العام 2019. فقط في أكتوبر الجاري، أعلنت محافظة دمشق عن الانتهاء من تأهيل طريق العباسيين-زملكا، الذي يمر من جوبر، والسماح فقط بعبوره للسيارات الصغيرة والسرافيس، ومنع مرور الشاحنات الكبيرة من دون توضيح الأسباب.
ويضطر الراغبون بتفقد بيوتهم وممتلكاتهم في الحي لدفع رشوة إلى قوات النظام التي تغلقه، بمقدار عشرة آلاف ليرة مقابل كل 10 دقائق من الزيارة، وذلك من دون اصطحاب هواتفهم أو الكاميرات. ولا يسمح لأصحاب الأملاك بإخراج شيء من ممتلكاتهم.
في برزة، تبدو الأمور أكثر تعقيداً. إذ تتصل بحي برزة الدمشق، عشوائيتا عش الورور وحي تشرين اللتان تقطنهما أكثرية علوية ترفض إقرار أي مخطط تنظيمي جديد يشمل مناطقها. ويحتمل أن ذلك يعود جزئياً، إلى قناعة الأهالي من العلويين بأن أي مشروع إسكان بديل من الحكومة سيستغرق تنفيذه وقتاً طويلاً، وقد لا يتحقق. هذا بالإضافة إلى أن تلك سكان تلك العشوائيات يفتقرون إلى الوثائق الرسمية بممتلكاتهم، لذا، لن يفرطوا بما يملكونه. وهذا، ما يبدو غير متاح في عشوائيات الطوائف الأخرى.
وكان وفد روسي قد زار حي برزة قبل فترة قصيرة، وتفقد بعض منشآته ومدارسه. ولم تعرف الغاية من الزيارة ولا نتائجها، إلا أن زيارة رئيس مجلس المحافظة للحي بعد أيام من الزيارة الروسية، وحديثه عن عودة الأهالي قد تكون مؤشراً إلى ضغط روسي لإعادة الناس ضمن الظروف الراهنة.
وبذلك، فإن عدم توفر الإيرادات الكافية لدى الحكومة حتى لتنفيذ الخطوط العريضة من المخططات التنظيمية العامة، وعجز الأهالي عن تمويل عملية إعادة بناء منازلهم وفق المخططات التفصيلية، قد يلتقيان مؤقتاً على السماح بعودة قريبة للأهالي إلى أنقاضٍ كانت يوماً ما بمثابة بيوتهم.