فصائل الجيش الوطني تستولي على عقارات الموالين للإدارة الذاتية في تل أبيض وريفها
منذ سيطرت فصائل الجيش الوطني المعارضة على مدينة تل أبيض وريفها على الحدود السورية-التركية في العام 2019، نزح عنها على المنطقة جزء كبير من سكانها الأكراد إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية في الرقة والحسكة. واستولت مجموعات من فصائل الجيش الوطني على أملاك النازحين الأكراد العاملين في مؤسسات الإدارة الذاتية وضمن صفوف قسد، وأيضاً على أملاك بعض العرب والتركمان الموالين للإدارة الذاتية.
وتتبع مدينة تل أبيض إدارياً لمحافظة الرقة، وتقع على الحدود السورية-التركية، وهي مدينة حديثة نسبياً تأسست مطلع القرن الماضي وكانت وجهة لجأ إليها الأرمن الهاربون من حملات الإبادة التركية. وكان يسكن تل أبيض وريفها قبل العام 2011 حوالي 120 ألف نسمة، منهم العرب من عشائر متعددة، والأكراد والتركمان والأرمن.
ويعمل سكان تل أبيض بشكل رئيسي في الزراعة المروية والبعلية، وفي التجارة، وأيضاً اشتهرت المدينة تاريخياً بتجارة التهريب بين سوريا وتركيا. ولأن المنطقة حدودية، فلقد شملتها أحكام قانون تنظيم الملكية العقارية في المناطق الحدودية الصادر بالمرسوم رقم 41 لعام 2004. واشترط المرسوم 41\2004 وتعديلاته، الحصول على موافقة أمنية قبل إجراء أي من التصرفات القانونية في الملكية العقارية في المناطق الحدودية. وتصدر الموافقة الأمنية بقرار من وزير الداخلية، بناءً على اقتراح وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، وموافقة من وزارة الدفاع.
قوات سوريا الديموقراطية سيطرت على تل أبيض وريفها في العام 2014 بعد معارك عنيفة مع تنظيم الدولة الإسلامية. وأبقت قسد سيطرتها على المنطقة الحدودية مع تركيا حتى تشرين الأول 2019 عندما استولت عليها قوات الجيش الوطني المعارضة، بدعم تركي، ضمن عملية درع الفرات التي هدفت لإبعاد قسد عن الحدود السورية-التركية لمسافة 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.
الشيخ حمد الحمود، أحد وجهاء العشائر العربية في منطقة تل أبيض، قال لمراسل سيريا ريبورت في المنطقة، بأنه نزح عن تل أبيض خلال عملية درع الفرات، وبأن قوات من الجيش الوطني استولت بعد ذلك على 100 هكتار من الأراضي الزراعية التي يملكها في قرية العلي باجليه في ريف تل أبيض في العام 2019، بذريعة أنه موالٍ للإدارة الذاتية.
والشيخ الحمود، كان يعمل في الزراعة والتجارة قبل العام 2011. ونتيجة سمعته الجيدة وتدخله بين الناس لفضّ النزاعات الفردية والجماعية في المنطقة، تمّ تعيينه عضواً في مكتب الصلح التابع للإدارة الذاتية إبان سيطرتها على المنطقة 2014-2019. ومكتب الصلح هيئة رسمية تعمل على فض النزاعات صلحاً قبل مرحلة التقاضي.
يقول الشيخ الحمود، بأن مجموعة تابعة لفصيل أحرار الشرقية، أحد مكونات الجيش الوطني، استولت على أرضه قبل موسم حصاد القمح في العام 2020، من دون سابق إنذار، أو اتهام رسمي أو رفع أي قضية في المحكمة.
والاستيلاء على ملك الغير دون رضاه، ومن دون توفر سند قانوني بالملكية أو وجود سبب مشروع، يعتبر غصباً للعقار. ولا يُشترط في الغصب وقوع الإكراه، وإنما يكفي وضع اليد دون وجود مبرر قانوني.
ولم تتوقف عمليات الاستيلاء عند عقارات العاملين في الإدارة الذاتية ومؤسساتها العسكرية والأمنية، بل أيضاً امتدت لتطال أملاك أهلهم وذويهم.
عبدالمنعم، من أهالي قرية شريعان جنوبي تل أبيض، شرطي يعمل في قسم المرور التابع لجهاز الأمن الداخلي “الأسايش” التابع للإدارة الذاتية، وقد نزح إلى الرقة بعد عملية درع الفرات. يقول عبدالمنعم لمراسل سيريا ريبورت، بأن مجموعة من فصيل الجبهة الشامية، أحد مكونات الجيش الوطني، استولت على أرضهم الزراعية البالغة مساحتها 60 هكتاراً، والواقعة بالقرب من نهر الجلاب. والمشكلة، أن ملكية تلك الأرض ما زالت مسجلة باسم والد عبدالمنعم المتوفى في العام 2017. إذ لم يقم الورثة بإجراء عملية حصر إرث لوالدهم، وبالتالي فهناك عملياً شركاء على الشيوع في ملكية الأرض، ومن بينهم 7 أبناء ذكور و6 بنات.
عبدالمنعم، قال بأن المجموعة التابعة للجبهة الشامية، طردت أخوته من الأرض، مباشرة قبل موسم حصاد الشعير والقمح في العام 2020، بذريعة أن عبدالمنعم يعمل مع قوات الأمن الداخلي “الأسايش”، ولكن أهله هم من دفعوا الثمن.
أيضاً، عيسى عبدالعزيز، أحد شيوخ التركمان “الطوبال”، ومن أهالي قرية حمام التركمان في ريف تل أبيض، والمعتقل السياسي السابق في سجون النظام السوري ما بين العامين 1984-1996 بتهمة الولاء لحزب البعث العراقي. عبدالعزيز، عضو حالي في حزب سوريا المستقبل، المؤيد للإدارة الذاتية الكردية.
عبدالعزيز، أكد لمراسل سيريا ريبورت، بأن مجموعة من أحرار الشرقية، استولت على 40 هكتاراً من أرض أهله، قبل موسم حصاد القمح في أيار 2020، بذريعة أن عبدالعزيز يعمل مع قسد. وأضاف عبدالعزيز، أن والدته البالغة من العمر 83 عاماً توجهت إلى قيادة أحرار الشرقية في المنطقة، مصطحبة معها وثائق تثبت ملكيتها وزوجها المقعد للأرض، لا لعبدالعزيز. قيادة الفصيل حوّلت والدة عبدالعزيز إلى المحكمة، ولكن من دون جدوى. أحد من التقتهم من قيادة أحرار الشرقية، قال للوالدة: “عندما يرجع ابنك ستعود الأرض لكم”. وما زالت تلك الأرض تزرع من قبل عناصر أحرار الشرقية.
من جانب آخر، عبدالرحمن المحمد، من أهالي قرية الجرن الأسود في ريف تل أبيض، كان قد اشترى أرضاً مساحتها 3 هكتارات من جاره في العام 2014. وبحكم الجوار والثقة، وعدم عمل مديريات المصالح العقارية في المنطقة في تلك الفترة، لم يسجل عبدالرحمن عقد الشراء بشكل رسمي. صاحب الأرض القديم نزح عن المنطقة مع عملية درع الفرات.
ولكن المفاجئ، بأن مجموعة من أحرار الشرقية وضعت يدها بالقوة على الأرض في العام 2020، بحجة أن صاحبها الأصلي موالٍ للنظام. ولم تنفع كل المحاولات لإقناع الفصيل بأن صاحب الأرض الحالي هو عبدالرحمن، ولكنه لم يتمكن من تسجيل ذلك في السجل العقاري. عبدالرحمن، عاد ونزح إلى مدينة الرقة بعدما تمادى الفصيل في مضايقته.