تحقيق: المرأة العلوية والميراث
نظّم قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953، وتعديلاته، أحكام الميراث بالاستناد إلى الشريعة الإسلامية. ولم يستثن القانون الطائفة العلوية من أحكامه، على عكس استثناءه الصريح للطائفتين الدرزية والمسيحية.
ورغم ذلك، يبدو أن توريث المرأة لا يحظى باهتمام كبير خاصة لدى الأوساط الشعبية من الطائفة العلوية. إذ كما غيرها من المجتمعات الفلاحية المحلية، لم تُبد المجتمعات العلوية المحلية حرصاً لتوريث الأنثى من باب المحافظة على الأرض الزراعية وعدم تفتيتها، وابقائها بيد ذكور العائلة.
سعاد، وعمرها سبعون عاماً من إحدى قرى ريف طرطوس، قالت لمراسلة سيريا ريبورت في المنطقة، إنها عانت كثيراً بسبب مطالبتها بحقها الشرعي من الميراث، وإنها لم تلق أي دعم من عائلتها، لا بل تعرضت للسخرية والنبذ من مجتمع القرية.
سعاد انفصلت عن زوجها قبل 25 عاماً بعد زواج متعثر لسنوات، واضطرت للعودة والعيش عند أخوتها الذكور. ورغم أملاك عائلتها الكبيرة، سعاد لم تتمكن من الحصول على غرفة مستقلة تعيش فيها، ولم تملك منذ ذلك الحين سوى سرير في غرفة مشتركة بلا أي خصوصية.
سعاد طالبت اخوتها الذكور بحصتها من الميراث ما شكّل بحسب قولها، صدمة لمجتمع القرية في البداية. وبعد طول جدال، اتفق الأخوة على إعطاء سعاد حصتها بطريقة لا يمكنها الاستفادة منها: على شكل أمتار موزعة على أكثر من قطعة أرض. وبرر الأخوة ذلك، بأن هذا سيمنع سعاد من بيع حصتها. و”في النهاية لم أحصل إلا على انتقاد واستهزاء نساء القرية بما أريده” تقول سعاد.
من جانب آخر، باتت نسبة كبيرة من المجتمع العلوي مدينية خلال القرن الماضي، بفضل التوظيف الكثيف في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية. ومع ذلك، لا يبدو أن تلك التحولات الكبيرة قد انعكست بشكل كبير على حقوق المرأة في الميراث.
وإذا كانت سعاد تُمثّلُ شريحة من النساء العلويات في مجتمع القرية الفلاحي، فإن أمراً مماثلاً ينسحب على نساء تعلّمن ودخلن معترك الحياة المهنية في المدينة، ومنهن من لم تتزوج أو انفصلت عن زوجها.
تلك النسوة طالبن بحقوقهن من الميراث. وغالباً ما رضخت العائلة في هذه الحالات، ولكن الحصص الممنوحة للنساء ظلت أجزاءً من حقهنّ في الميراث كما نص عليه القانون. في حالات متعددة قابلتها مراسلة سيريا ريبورت، حصلت المرأة على أرض زراعية صغيرة، أو منخفضة القيمة في السوق العقارية، وأحياناً حصلن على تعويض مالي بخس. في معظم الحالات التي قابلتها المراسلة، لم تذكر أي من السيدات أنها حصلت على حصتها الشرعية الكاملة التي حددها القانون 59\1953.
سمر امرأة خمسينية من ريف جبلة، متزوجة وعندها 3 أولاد، وتعيش في مدينة اللاذقية. والد سمر كان قد اكتتب على منازل لأولاده الذكور فقط مع جمعيات سكنية تعاونية. ومع ذلك، لم يعطِ الأب بناته حصصاً في منزل العائلة الأصلي بل وزعه على الأولاد الذكور، بمن فيهم أخ مُغترب غني. وبعد جدل طويل بين الأخوات وبقية العائلة، في العام 2018 أعطيت كل أخت 300 ألف ليرة سورية كحصة نهائية لهنّ من الورثة. تقول سمر: “حتى والدتي وقفت في صف أخوتي الذكور، وقالت لي أن زوجي مسؤول عني لا عائلة أهلي”.
في حالات خاصة، قام الأب بتخصيص بناته بكامل حصصهن وفق القانون، وهو الأمر الذي أصبح بمثابة خبر رئيسي في القرية وبين الأقارب. علي، رجل ثمانيني يعيش في ريف اللاذقية، أعطى منزلاً لكل بنت من بناته، عدا عن حصص أولاده الذكور. قال علي، لمراسلة سيريا ريبورت، إن جيرانه من دون استثناء زاروه، وسألوه عن السبب. البعض اعتبر أن علي أجحف بحق أبنائه الذكور، وكان يجب أن يعطي بناته في أحسن الأحوال أرضاً صغيرة. وأضاف علي: “عندما كنت أسألهم ألسنا مسلمين؟ ألا نطبق الشرع والقانون؟ كانوا يستغربون كلامي”.
ناشطة من ريف اللاذقية، قالت إن هذا التغيير فردي ولم يتحول إلى ظاهرة عامة. وتضيف الناشطة في حديثها لسيريا ريبورت، أن شخصاً تعرفه في ريف اللاذقية باع منزلاً ووزع ثمنه على ابنتيه. واستهجن أهل القرية ذلك الفعل، وقال بعضهم إنه “سيدفع بناتنا للتفكير بحقوقهن بالميراث، وهذا ليس أمراً جيداً”.