وقف هدم مول تجاري في حي الميدان بدمشق
في 5 نوفمبر، نشرت صحيفة الوطن شبه الرسمية، في صفحتها في فيسبوك، خبراً مقتضباً يقول بأن حلاً قانونياً قد تم التوصل إليه بوقف هدم مول BigFive في منطقة الميدان الدمشقية، ويصبح بموجبه المول ملكية لمحافظة دمشق. وأشارت الصحيفة إلى أنه عند تنفيذ المخطط التنظيمي للمنطقة بعد 5 سنوات، ستتم أعمال هدم وإزالة المول، المُخالف والمبني على أملاك عامة.
وكان المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، قد أصدر القرار رقم 990 في 23 أكتوبر 2023، بإجماع الحضور، والقاضي بطي قرارات التسوية الخاصة بمخالفات بناء مقامة على العقار رقم 722 في منطقة الميدان بدمشق. وتضمن القرار، تكليف مديرية دوائر الخدمات في محافظة دمشق، بإصدار قرارات هدم فورية للمخالفات المرتكبة ضمن العقار المذكور.
واعتبرت مديرية دوائر الخدمات، أن قرارات تسوية المخالفات السابقة الصادرة في العام 2018 كانت خاطئة. إذ تمت التسويات بناء على إثباتات قدمها مستثمر المول، بوقوع مخالفات البناء قبل العام 2012، وبالتالي عدم شمولها بأحكام قانون مخالفات البناء رقم 40 لعام 2012. وقد تبيّن أن الاثباتات التي قدمها مستثمر المول غير صحيحة، وأن المخالفات وقعت بعد العام 2012، بموجب صور جوية للموقع.
وقد تم انذار مستثمري المول بضرورة إخلائه، وإزالة محتوياته والواجهات والمعدات، خلال 15 يوماً، على أن تقوم ورشة الهدم المركزية التابعة لدائرة الخدمات في المحافظة، بهدم البناء.
والعقار في الأصل مساحته 60 متراً مربعاً، وكان مقاماً عليه منزل عربي من طابقين، وقد استملكته محافظة دمشق في العام 1964 لإقامة حديقة، ولكن لم يتم التنفيذ. في العام 1998 استملكت وزارة التربية العقار، بغرض تحويله إلى مدرسة. في العام 2005 استعادت محافظة دمشق العقار، وقررت تحويله إلى بناء سكني. وليس مفهوماً كيف حولت المحافظة صفة العقار إلى سكنية وهي تملكه، وإن كانت قد قامت بتأجيره. خلال جميع تلك المراحل، كان العقار يشهد تغييرات وإضافة طوابق جديدة، وبات مكوناً من 4 طوابق.
وليس واضحاً متى جرى تحويل صفة العقار إلى تجارية، وأضيف إليه طابق خامس، ولكنها تبدو سابقة على العام 2012. في العام 2018 أصدرت محافظة دمشق 5 قرارات هدم لمخالفات بناء على العقار 722 أرقامها من 6-10، لكنها لم تنفذ. وعادت المحافظة وأصدرت في وقت لاحق من العام 2018، تسعة قرارات لتسوية مخالفات بناء على العقار 722 أرقامها من 891-899.
وتسوية مخالفة البناء، بموجب القانون 40، تعني أن مخالفة البناء الواقعة قبل العام 2012، والتي لا تشكل خطراً انشائياً على البناء، يمكن قوننتها، وإضافتها إلى رخصة البناء، ولحظها في المصالح العقارية، وذلك بعد دفع المسؤولين عنها غرامات مالية. وتكون مديرية خدمات البلدية التي وقعت المخالفة في منطقتها، هي صاحبة الاختصاص في معالجة المخالفة. ومن مهام المديرية حساب الرسوم والغرامات المترتبة نتيجة ضبوط مخالفات البناء القابلة للتسوية، وإعداد القرارات المالية اللازمة. مديرية خدمات البلدية المعنية تقوم بإرسال لجنة كشف، لزيارة موقع المخالفة والتأكد من حدوثها. وتستعين اللجنة بالصور الجوية للمنطقة الملتقطة في العام 2012، قبل صدور قانون مخالفات البناء الصادر بالمرسوم رقم 40 لعام 2012. وكانت وزارة الإدارة المحلية، قد التقطت تلك الصور، بالتعاون مع وزارة الدفاع، عبر مسح جوي للعاصمة دمشق. بينما المخالفات الداخلية ضمن البناء، غير الملحوظة بالصور الجوية، فتتم مقارنتها بمخطط المبنى المرفق مع السجلات العقارية للبناء.
ويقع مول BigFive وسط حي الميدان الدمشقي المكتظ بالسكان والفعاليات التجارية. ويطل المول على المتحلق الجنوبي، وهو حالياً بناء مؤلف من 5 طبقات، كل منها يضم مطعماً واحداً، وفي ساحته الأمامية محلات عصائر ومثلجات. المول يشهد يومياً حركة تجارية نشطة، ويعمل فيه حوالي 150 عاملاً.
ومن أبرز المستثمرين للمول رجل الأعمال الدمشقي بلال النعال، عضو مجلس الشعب السوري، الذي برز دوره خلال السنوات القليلة الماضية في التجارة والاستثمارات. السيد نعال كان مديراً عاماً لشركة صقور الصحراء الأمنية، المحلولة، والمتهمة بالتورط بجرائم حرب وتلاعب بالمساعدات الإنسانية التي نقلتها لصالح وكالات للأمم المتحدة. والسيد نعال مدرج على قائمة العقوبات الأميركية منذ العام 2020. السيد نعال هو المستثمر السابق لمول قاسيون قبل أن ينتزعه منه رجل الأعمال المنافس وسيم قطان، المقيم حالياً خارج سوريا بعد ملاحقته باتهامات تتعلق بالمسؤولية عن مخالفات بناء تسببت بانهيار واجهة بناء في حي المالكي الدمشقي.
عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق المكلف بشؤون الخدمات والمرافق البلدية عبدالغني عثمان، قال لجريدة الوطن شبه الرسمية، أن الصور الجوية للعقار أثبتت أن مخالفات البناء فيه وقعت بعد العام 2012، ما يستوجب تطبيق قانون مخالفات البناء رقم 40 لعام 2012، وبالتالي لا يجوز تسويتها. ويخلص عثمان إلى أن التسويات الممنوحة للعقار 722 في العام 2018 لم تكن صحيحة، إذ ليس هناك من رخصة بناء جديدة على العقار 722 الذي ما زال يعتبر بناء سكنياً مؤلف من 4 طوابق وله عداد كهرباء واحد، (هناك شكوى بهذا الخصوص من شركة كهرباء دمشق رقمها 845 صادرة في 16 أكتوبر 2023). وبالتالي، فلقد تم توسيع البناء وإضافة طابق جديد له من دون ترخيص، بالإضافة إلى وجود أعمال ترميم زائدة.
عثمان أضاف أنه لا يمكن الحجز على العقار لكونه ملكية خاصة، ما يتناقض مع التصريحات السابقة بكونه مستملكاً لصالح محافظة دمشق. ويزيد هذا من تضارب التصريحات الرسمية حول العقار، لكنه يصب فيما قالته مديرة دوائر الخدمات ريما جورية، بأن العقار 722 ينقسم إلى ثلاثة أجزاء بموجب المخطط التنظيمي؛ جزء مخطط ليكون حديقة، وجزء مخطط ليكون توسعة لشارع عام، وجزء متبقي يشترك بالسطح الأخير مع عقارات مجاورة له. ويشير ذلك إلى أن العقار مستملك جزئياً وما زال جزء منه ملكية خاصة رغم عدم وجود أية معلومات عن مالكي هذا الجزء.
ولم يصدر أي تصريح من السيد نعال، ولا من مستثمري المطاعم في المول.
ويبدو أن القضية الأبرز في قرار محافظة دمشق، هي السابقة التي ارتكبتها في نقض ملف تسوية مخالفات البناء. الحصول على تسوية مخالفة، ودفع غراماتها، وتثبيتها في الصحيفة العقارية للعقار، هي عملية شديدة التعقيد، وتحتاج نفوذا كبيراً وسنوات من المتابعة مع المحافظة ومديرية المصالح العقارية ومديرية المالية إضافة لأقسام الشرطة والأفرع الأمنية. وذلك لا يجري عادة إلا بعد دفع رشاوى كبيرة تعتمد على قيمة العقار وموقعه وحجم المخالفة.