ورشات الزلزال: دعم سبل العيش بدل إسكان المتضررين
خلال الأيام الماضية، عقدت وزارة الدولة لشؤون تنمية المنطقة الجنوبية، ورشات عمل، في المحافظات المتضررة بزلزال 6 شباط 2023، بحضور ممثلين عن المؤسسات والجهات الحكومية وغرف التجارة والصناعة والسياحة وغرفة العمليات في تلك المحافظات. الورشات تناولت مناقشة مراحل تنفيذ “خطة العمل الوطنية للتعاطي مع تداعيات الزلزال- الإنسان أولاً“، التي وضعها مجلس الوزراء في 25 شباط الماضي.
الملفت أن ورشات العمل تلك، والتي حضرها المحافظون وأعضاء المكاتب التنفيذية في المحافظات المعنية، ومدراء المؤسسات والشركات العامة فيها، ركزت في التعاطي مع نتائج الزلزال على دعم مشاريع سبل العيش للمجتمعات المتضررة. في المقابل، يبدو بأن الحديث قد تراجع عن مشاريع الإسكان الحكومية الدائمة للمتضررين، وكذلك مشاريع السكن المؤقتة لهم، والتي يبدو أنها ما زالت في طور التنفيذ بعد أكثر من تسعة أشهر من الكارثة. كما أن قضايا توثيق الملكيات العقارية في المناطق العشوائية ما زالت تراوح مكانها مع الصعوبات العملية التي تواجه تطبيق التعليمات التنفيذية للمرسوم رقم 3 لعام 2023 الذي يمنح المتضررين من الزلزال إعفاءات ضريبية، بعضها يتعلق بعقاراتهم المهدمة كلياً أو جزئياً. وأهم هذه الصعوبات أن الجزء الأكبر من العقارات المتضررة هي غير مرخصة وواقعة في مناطق غير منظمة، ويتعذر على أصحابها إثبات ملكيتهم لها. وهناك شروط معقدة أمام أصحاب هذه العقارات، للحصول على قروض أو إعفاءات ضريبة لإعادة بناء عقاراتهم أو ترميمها.
هذا التأخير في حسم المشاكل العقارية التي خلفها الزلزال، تشكل عائقاً أمام المقاربة الحكومية الجديدة لمعالجة آثار الزلزال من زاوية دعم سبل العيش للمجتمعات المتضررة. سبل العيش لا تنفصل عن الحقوق العقارية. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإن سبل العيش تكون مستدامة إذا تمكنت من مواجهة الصدمات والصعوبات وحافظت على القدرات والأصول، دون المساس بالموارد الطبيعية. وتكون حقوق الملكية العقارية، إلى جانب العمل، من أكثر الأصول المستخدمة لإنتاج الأغذية للاستهلاك العائلي، ولإنتاج عائدات نقدية تسمح للعائلة أو للأفراد بالحصول على احتياجاتهم الأخرى مثل الصحة والتعليم.
لذا، يبدو أن الانتقال إلى مرحلة دعم مشاريع سبل العيش، والبحث عن ممولين دوليين لها، قبل الانتهاء من توثيق الملكيات العقارية المتضررة، وقبل تأمين سكن للمتضررين، قد يكون خطوة في غير محلها. إذ بحسب التعريف لسبل العيش المستدامة، فالحقوق العقارية هي من أقوى الموارد المتاحة للناس من أجل زيادة الأصول والتوسع فيها فيما يجاوز الأراضي واليد العاملة المتاحة حتى يصلوا إلى المحفظة الكاملة من الأصول اللازمة لاستدامة سبل العيش أي الموارد الطبيعية ورأس المال الاجتماعي والإنساني والمالي، إلى جانب الأصول الطبيعية.
الورشات:
وبينما تولى المحافظون سرد أرقام عما تم إنجازه على الأرض، تحدث بعض المسؤولين المحليين عن الصعوبات التي تواجه تنفيذ خطة العمل الوطنية. وزيرة الدولة لشؤون تنمية المنطقة الجنوبية ديالا بركات، كررت في جميع الورشات الكلام ذاته المتعلق بمصفوفة توصيف الواقع الراهن، والبرامج التنفيذية وآليات العمل لتنفيذ بنود خطة العمل الوطنية، ومصفوفة الاحتياجات الصغرى والكبرى لتحديد آليات التنفيذ وفق برامج زمنية محددة. ولم تحاول أي وسيلة إعلامية رسمية من التي غطت تلك الورشات، شرح المقصود بالمصطلحات التقنية الواردة في كلام الوزيرة مثل مصفوفة توصيف الوضع الراهن، أو مصفوفة الاحتياجات الصغرى والكبرى.
الوزيرة أفردت مساحة كبيرة من حديثها في كل الورشات، لما وصفته بتوسيع قاعدة مشاريع سبل العيش، التي تستهدف الأسر التي فقدت مصدر رزقها بما يساعد على عودة الحياة الطبيعية تدريجياً للمناطق المنكوبة.
أول ورشة عُقِدَت في محافظة حلب، في 23 أكتوبر، بحضور الوزيرة بركات ومحافظ حلب حسين دياب. وقال المحافظ إن 115 لجنة كشف هندسي أجرت مسوحات هندسية على أكثر من 126 ألف مبنى في المحافظة، وجرى هدم 453 مبنى متضرر. المحافظ أشار إلى أن نسبة تنفيذ مشروع بناء 120 وحدة سكنية في ضاحية المعصرانية، و320 وحدة سكنية في ضاحية الحيدرية، قد بلغ 55%.
في 24 أكتوبر عقدت ورشة مماثلة في محافظة اللاذقية، بحضور محافظ اللاذقية عامر هلال. وأوضحت الوزيرة أن المحافظة أغلقت مراكز الإيواء، وأن المرحلة الحالية تتعلق بمرحلة التعافي، وتفعيل النشاطات الاقتصادية، والعمل على عودة الحياة إلى طبيعتها، وتأمين الحلول السكنية الآمنة لمتضرري الزلزال. رئيس مجلس محافظة اللاذقية، أشار إلى وجود مشاكل تتعلق بتحديد ملكيات الأبنية المتهدمة والمتصدعة. بينما أكد رئيس غرفة العمليات في محافظة اللاذقية أن نسبة الكشف على الأبنية بلغت 60%، حتى تاريخه، وتم الكشف على 12,700 بناء من أصل 20 ألفاً حتى تاريخه. وبحسب قرارات لجان السلامة الانشائية، فإن 6,399 بناء بحاجة إلى تدعيم، و4,991 بناء بحاجة إلى ترميم.
رئيس مجلس مدينة اللاذقية، أكد على إن لجنة القرار 555 هي المعنية فيما يتعلق بإثبات الملكيات العقارية. واللجنة معنية بإصدار قوائم المتضررين من الزلزال، وتضم ممثلين عن الجهات والمؤسسات العامة المعنية من مديريات المصالح العقارية والمالية والاتصالات والسجلات المدنية ومؤسسات المياه والكهرباء والوحدات الإدارية المعنية، وعدداً من الجهات الأهلية. في حين أشار رئيس مجلس المحافظة إلى أن الكثير من العقارات في المحافظة ملكيتها على الشيوع، ومناطق سكن عشوائية، وهي غير مرخصة ولا منظمة. رئيس مجلس مدينة جبلة أكد على ضرورة تأمين أراض تابعة للدولة لإنشاء مساكن بديلة للمتضررين، مبيناً أن ما يتم بناؤه نحو 120 شقة بديلة في حين أن عدد الشقق المتضررة 241 شقة.
ورشة العمل الأخيرة عقدت في 25 أكتوبر، في مدينة حماة، بحضور الوزيرة بركات، ومحافظي حماة محمود زنبوعة، وإدلب ثائر سلهب. وقال محافظ حماة، أنه تم ترميم 640 منزلاً، وإطلاق 397 مشروعاً لسبل العيش تستهدف المتضررين من الزلزال. بينما قال محافظ إدلب أن عدد المنازل المتضررة بفعل الزلزال 66 منزلاً منها 55 منزلاً متصدعة نسبياً والباقي آيل للسقوط تم إخلاء ساكنيها.
المشاركون في الورشة قدموا مداخلات عن تقديم الدعم للمتضررين لاستعادة دورة حياتهم المعيشية والإنتاجية، وإيجاد مصادر دخل مادي لهم، وإعادة بناء المراكز الخدمية، وتأهيل البنى التحتية المتضررة، والتركيز على الشرائح الأكثر تضرراً والأضعف، وإيجاد حلول لبعض المشكلات المتعلقة ببيانات الملكية العقارية في المناطق الريفية والعشوائية ما يحول دون إنجاز المعاملات المتعلقة بتقديم التسهيلات للمتضررين ومنحهم قروضاً لترميم منازلهم ومنشآتهم.