أوراق: هل من دور متبقٍ للسكن الاجتماعي والتعاوني؟
بلغ متوسط العجز السكني السنوي 130 ألف مسكن خلال العقد السابق على الحرب السورية 2011، بحسب تقديرات رسمية. ويُمثّلُ ذلك الفجوة السنوية بين الاحتياجات السكنية المطلوبة وبين عدد المساكن المنفذة.
ومعظم الإنتاج السكني في سوريا، تاريخياً، قام به القطاع الخاص على شكل أفراد ومتعهدي بناء وشركات تطوير عقارية صغيرة. في حين أن قطاع السكن الاجتماعي الذي ينفذه القطاع العام وقطاع السكن التعاوني الذي تنفذه التعاونيات السكنية، وفي أفضل سنوات إنتاجهما 2005-2010، لم يتمكنا من تغطية أكثر من 20% من الإنتاج السنوي لقطاع السكن في سوريا، بحسب أرقام رسمية. ويتعاون القطاعان، الاجتماعي والتعاوني، بغرض تأمين المسكن منخفض أو متوسط التكاليف، المبني بشكل كامل أو جزئي، وبيعه للمواطنين بطريقة ميسرة وخاصة لمحدودي الدخل.
خلال الحرب السورية، وبحسب أرقام البنك الدولي في العام 2017، فقد لحق الدمار الجزئي أو الكلي بـ27% من إجمالي المساكن في عموم سوريا. وخلال تلك المرحلة، توقف قطاع السكن الرسمي عن العمل، وتعطل استكمال مشاريعه المتأخرة والمتعثرة أصلاً. ورغم ذلك، لم يتوقف في تلك المرحلة تحضير البنية التشريعية والقانونية لما بعد الحرب وإعادة الاعمار من منطق استثماري لا يقيم كبير وزن لاحتياجات ذوي الدخل المحدود، وبالتالي للسكن الاجتماعي والتعاوني.
وأمام ضخامة أزمة السكن الراهنة، لا يبدو القطاع الخاص قادراً على النهوض وحده بمهمة تجسير العجز السكني، ولا إعادة تأهيل وبناء ما تضرر. لذا، تحاول هذه الدراسة البحث في عوامل القصور الذاتي في قطاعي السكن الاجتماعي والتعاوني، وفي إمكانية قيام سياسة اسكانية جديدة لمعالجة أزمة السكن ما بعد الحرب؟
أولاً: لمحة عن السكن الاجتماعي والتعاوني
لطالما مثّلت أزمة السكن في سوريا معضلة كبيرة غدت فيها حيازة منزل طبيعي في منطقة منظمة حلماً بعيد المنال لأغلب السوريين، في ظل اتساع الفجوة بين أسعار المساكن ومتوسط الدخل. ولم تستطع السياسات الإسكانية الرسمية مواكبة الطلب المتزايد على المساكن الناجم عن النمو السكاني والنزوح من الأرياف إلى المدن الكبرى. وظلت تلك السياسات قاصرة عن تلبية الاحتياجات السكنية لأصحاب الدخل المحدود في المدن، وأغلبهم من موظفي القطاع العام والوزارات والجيش والقوات الأمنية، الذين زادت أعدادهم مع تضخّم هياكل الدولة ومؤسساتها.
الدولة انخرطت منذ الستينيات في قطاع الإسكان بشكل مباشر، واستحدثت لذلك مؤسسات إنشائية وتنفيذية أبرزها المؤسسة العامة للإسكان في العام 1961، بغرض تنفيذ المساكن الشعبية لذوي الدخل المحدود، وبيعها لهم بأقساط ميسرة وأسعار قريبة من التكلفة. وباتت المؤسسة العامة للإسكان، اعتباراً من العام 1975، خاضعة للقانون الخاص بالمؤسسات العامة “ذات الطابع الاقتصادي”، وهو تعبير يُقصدُ به النزوع إلى الربحية. وخضعت المؤسسة العامة للإسكان لإشراف وزارة الإسكان التي تأسست في العام 1975.
ومع الوقت، طرحت الدولة العديد من برامج السكن الاجتماعي؛ السكن الشعبي، الإدخاري، العمالي، الوظيفي، الشبابي، البديل والحكومي. وبالعموم، تشيد المؤسسات العامـة هذه الأنواع المختلفة من البرامج، وفق المسـاحـات و المواصفات المعمول بها لديها، وتقوم بتخصيصها أو بيعها للمواطنين بطريقة مُيَسَّرة بأقساط شهرية لمدد تصل إلى 25 عاماً. بعض هذه البرامج مخصص للعاملين في الدولة فقط، وبعضها الآخر سكن بديل لمن استملكت الدولة عقاراتهم بغرض النفع العام. ووفق معظم تلك البرامج، يتم تسليم “تخصيص” المساكن للمكتتبين عليها بعد استكمال دفعهم لنصف قيمة السكن على أقساط. والتخصيص هو توقيع عقد بين المُكتتب والجهة المنفذة، تتحدد فيه التزامات الطرفين ويتضمن موقع المسكن وأوصافه. ويعتبر عقد التخصيص بمثابة سند للملكية، شريطة الوفاء بالالتزامات المالية المتبقية.
كما انخرطت الدولة في قطاع الإسكان بشكل غير مباشر عبر نظام التعاون السكني الذي نُظّرَ له كتجسيد للتوجه الاشتراكي في الاقتصاد السوري، باعتبار الجمعيات التعاونية السكنية غير رأسمالية لا تتوخى الربحية وتعتمد التمويل الذاتي. وغالباً ما اعتمدت التعاونيات على شراء الأرض المعدة للبناء من الدولة بأسعار رخيصة، بالإضافة إلى تسهيلات لها مثل سهولة التراخيص وشراء مواد البناء الرئيسية بالأسعار الرسمية. السكن التعاوني يعامل المكتتبين فيه مثل معاملة السكن الاجتماعي من حيث الأقساط والتخصيص. وبشكل عام، تم الربط بين السكن الاجتماعي والتعاوني، باشتراط القوانين الناظمة لعملهما، عدم أحقية أحد بالاستفادة إلا من واحد منهما فقط، ولمرة واحدة مدى الحياة.
أول تشريع نظّم عمل الجمعيات التعاونية، على أنواعها، كان المرسوم التشريعي 65 لعام 1950. وخلال مرحلة الوحدة السورية-المصرية صدر القانون 93 لعام 1958 ليفرض قانون التعاون المصري رقم 317 لعام 1956، الذي ربط جميع الجمعيات، بما فيها السكنية، بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. القانون 13\1981 نظّم عمل الجمعيات التعاونية السكنية، قبل أن يعدله القانون 17\2007.
معظم الخطط الخمسية التي أقرتها هيئة التخطيط والتعاون الدولي التابعة لمجلس الوزراء، حددت سقوفاً لمساهمة السكن التعاوني والاجتماعي من قطاع السكن لتخفيف الفجوة السكنية القائمة. على سبيل المثال، من أصل 880 ألف وحدة سكنية مطلوبة للإنشاء، حددت الخطة الحادية عشرة (2011-2015) مساهمة القطاع العام منها بنسبة 10%، ومساهمة قطاع التعاون السكني بـ12%. الخطة الحادية عشرة، وهي أخر خطة خمسية تم إقرارها، اعتبرت أن الطلب الناتج عن النمو السكاني وحده هو 550 ألف وحدة سكنية. الخطة الخمسية العاشرة (2006-2010) كانت قد اعترفت بوصول الفجوة السكنية إلى أكثر من 700 ألف مسكن.
وفي كل الأحوال، لم يتمكن السكن الاجتماعي والتعاوني من تحقيق النسب المرسومة لهما في جميع الخطط الخمسية. وفعلياُ، ومنذ إطلاق أول برامجه قبل خمسة عقود نفّذ السكن الاجتماعي فقط 77 ألف مسكن، في حين نفّذ السكن التعاوني بحدود 220 ألف مسكن. وبذا، تكون النسبة التقريبية للحصة الكلية لإنتاج السكن الاجتماعي والتعاوني من مجمل عدد المساكن في سوريا بحدود 7.3%، باعتبار العدد الإجمالي للمساكن في سوريا بحدود 4 ملايين مسكن بحسب إحصاء العام 2010.
ثانياً: أزمات السكن الاجتماعي والتعاوني قبل العام 2011
منذ اطلاقها، عانت تجربة السكن الاجتماعي والتعاوني من ضعف استجابتها لضغط الأزمة السكانية وقصور الرؤية المستقبلية وغياب التوجهات الإسكانية طويلة الأمد، وضعف ربط السياسات الإسكانية بمؤشرات النمو السكاني العام والتغيرات الديموغرافية والتخطيط العمراني والتأخر المديد في إصدار المخططات التنظيمية. كما اتسمت التجربة ببطء وسوء تنفيذ المشاريع، ارتفاع تكاليف منتجها النهائي، تعدد وتشابك التشريعات القانونية وهيمنة الجهات الوصائية والتنفيذية العامة. وتسبب كل ذلك بعدم القدرة على تحقيق المرسوم والمخطط للسكن الاجتماعي والتعاوني، والخروج بحلول ارتجالية وعشوائية للتغطية على سوء التنفيذ. كل ذلك، ساهم في تعميق أزمة السكن وحرمان القسم الأكبر من ذوي الدخل المحدود من امتلاك منازل خاصة بهم.
اتسم تنفيذ برامج السكن الاجتماعي بإيقاع بطيء جداً، إلى الدرجة التي بات تعامل المكتتبين معها بوصفها نوعاً من الادخار الاستثماري، أو ضماناً للشيخوخة، أكثر من كونها تلبية للحاجة الآنية للسكن. في حالات كثيرة تم تخصيص المساكن للمكتتبين من موظفي القطاع العام مع إحالتهم للتقاعد، وفي حالات أخرى جرى تسليم المساكن للورثة بعد وفاة المكتتبين الطبيعية. على سبيل المثال، أطلق برنامج السكن الشبابي في العام 2002، وفق خمسة مراحل؛ الأولى يتم تسليم السكن فيها بعد خمس سنوات على الاكتتاب، والثانية بعد سبع سنوات، والثالثة والرابعة بعد عشر سنوات، والخامسة بعد 12 سنة. وحتى العام 2020، لم ينجز سوى مساكن المرحلة الأولى، وبعض مساكن المرحلة الثانية. في حين أن معظم المراحل التالية ما تزال قيد التعاقد أو التنفيذ، بتأخير 10-12 عاماً للمرحلتين الخامسة والرابعة.
الاكتتاب في السكن البديل في مشروع مدينتي ماروتا وباسيليا التنظيميتين في العاصمة دمشق بدأ مطلع العام 2021 بعد تأخير زاد عن ثمانية أعوام على ترحيل السكان من المنطقة وهدم عقاراتهم. في تموز 2020، طلب رئيس مجلس الوزراء من وزارة المالية، ومن محافظة دمشق وشركة دمشق الشام القابضة التابعة لها والمكلفة بإدارة أعمالها، إيجاد الصيغ المناسبة لتأمين التمويل اللازم للسكن البديل. ولكن، لا يبدو أن التنفيذ سيكون قريباً في ظل نقص التمويل.
ومن أسباب التأخير في الإنجاز، هو الربط غير المعلن لدى المؤسسات التنفيذية العامة، بين التقدّم في مراحل تنفيذها لمشروع سكن اجتماعي ما، وبين مجمل مدفوعات المكتتبين فيه. في حين أن من أسباب التأخر في تسليم “تخصيص” المسكن الاجتماعي، هو اشتراط وصول المدفوعات الكلية للمكتتب، إلى نصف السعر الإجمالي للمسكن الاجتماعي. ويعود ذلك إلى أن قيمة الأقساط لا يجوز أن تتجاوز 30% من الدخل الصغير بالأساس. وعلى سبيل المثال، مهندس موظف في القطاع العام في العام 2001، كان دخله الشهري 6000 آلاف ليرة، يدفع منه 2000 ليرة قسطاً شهرياً كاكتتاب على شقة سكن اجتماعي يبلغ سعرها مليون ليرة. يحتاج هذا الموظف إلى قرابة عشرين عاماً لدفع نصف سعر الشقة، وبالتالي استلامها والسكن فيها.
ورغم الزمن الطويل لتنفيذ المساكن وتخصيصها، فقد اتسمت برامج السكن الاجتماعي بسوء التنفيذ على الهيكل والاكساء، ورداءة الأرضيات والحمامات والمطابخ والتمديدات الصحية. ودفع سوء التنفيذ أغلب المتخصصين بالسكن الاجتماعي إلى إجراء صيانة لها عند تسلمها لأول مرة، بكلف عالية لتغدو قابلة للسكن. وفي استجابة للشكاوى من سوء التنفيذ، قررت المؤسسة العامة للإسكان في العام 2019، تخفيض نسب الاكساء من 100% إلى 80% كما كانت تنص عقود الاكتتاب، من دون أن يترتب على ذلك أي تخفيض في المدفوعات المتوجبة على المكتتب.
من جانب مشاريع التعاون السكني، يضاف إلى التأخير في التنفيذ، تأخر الدولة في تخصيص التعاونيات السكنية بالمقاسم السكنية المُعدّة للبناء. وفي حين بقي سوء التنفيذ في السكن التعاوني جزئياً ضمن حدود “مقبولة” تتعلق بالفساد لكنها لم تصل إلى حدود إعادة صيانة وتأهيل منزل يفترض أنه جاهز للسكن كما في حال السكن الاجتماعي.
السكن الاجتماعي ظلّ أيضاً رهينة التمويل الحكومي الضعيف المرصود له. وقد تراوحت حصة قطاع البناء والتشييد من الموازنات العامة منذ التسعينات إلى عام 2011 ما بين 0.2-1.1%، علماً أن القطاع السكني لا يحتل إلا جزءاً بسيطاً من قطاع البناء والتشييد الذي يغطي أيضاً إشادة المدارس والمشافي والجسور والطرق والمرافق العامة. وعلى سبيل المثال، بقي سقف الاقتراض المسموح للمؤسسة العامة للإسكان من صندوق الدين العام لتنفيذ مساكن للعاملين في الدولة، بحدود 300 مليون ليرة بحسب المرسوم 46 لعام 2002 الخاص بتمليك المساكن العمالية. ورفعت قيمة سقف القرض بموجب القانون رقم 1 لعام 2021 إلى 5 مليارات ليرة. ومع ذلك، فهذا الرفع لم يواكب التغيير في سعر صرف الليرة الذي ارتفع بحدود 64 مرة بين العامين 2002-2021.
وليس مستغرباً، تعدد التشريعات الخاصة ببرامج السكن الاجتماعي والتعاوني، وذلك بسبب كونها استجابات حكومية مرتجلة لظروف مرحلية، وسط غياب رؤية إسكانية وطنية. لذا، نجد أن كل برنامج سكني يخضع لتشريع خاص وأحكام مختلفة، ومرجعية مالية وإدارية مختلفة. الاختلاف يطال جميع التفاصيل؛ من معايير تحديد شريحة المستهدفين بالبرنامج، شروط الاكتتاب فيه، الأقساط الشهرية وقيمها، شروط وزمن تخصيص المسكن، وطريقة توثيقه في المصالح العقارية، وحرية صاحبه في التصرف القانوني به. على سبيل المثال، تتبع التعاونيات السكنية لوزارة الإسكان في حين أن تعاونيات السكن والاصطياف تتبع لوزارة السياحة. وقد نجم عن اختلاف المرجعية، اختلافاً في شروط الانتساب، وفي الضرائب والرسوم، وكذلك في مدة التخصيص بالمقاسم المعدة للبناء وأسعارها. كما انعكست الفوضى في التشريعات على تعدد المرجعيات القانونية لأنماط تنظيم الأرض؛ بين مخطط تنظيمي، توسع عمراني وتطوير عقاري.
وفي العموم، مشاريع البرامج السكنية الاجتماعية والتعاونية، ورغم كونها صادرة عن جهات رسمية، فهي بحاجة أيضاً للحصول على موافقة بعض أو كل من هيئة التخطيط الإقليمي، والهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، وزارة الإدارة المحلية، وزارة الأشغال والإسكان العامة، وزارة السياحة ووزارة الثقافة، وزارة الزراعة، وأحياناً وزارة الدفاع. وذلك، بحسب طبيعة المشروع وحجمه، والمكان المقترح له. وغالباً، ما تؤدي التناقضات بين تلك الجهات المتعددة إلى تأخير البدء بالمشروع، أو تغيير موقعه ومواصفاته، وأحياناً إلغاؤه بعد سنوات. مثلاً، ما زالت منطقة التنظيم السياحي التي تضم مشروع منتجع عمريت السياحي جنوبي مدينة طرطوس، محط صراع بين وزارة السياحة ووزارة الثقافة ومحافظة طرطوس والمؤسسة العامة للاسكان وشركة الشام القابضة التي يرأسها رجل الأعمال رامي مخلوف، من دون إنجاز أي مرحلة فيها ولو على صعيد الدراسات الهندسية. والمنطقة الممتدة على مساحة 480 هكتاراً مستملكة لصالح وزارة السياحة، بموجب المرسوم 2197 لعام 1975، ومنها 144 هكتاراً مخصصة لإقامة مشاريع سكن شعبي.
وفي حال إقرار المشروع، ولعدم وجود آلية تنفيذية متكاملة، تتعدد الجهات العامة أو الخاصة المقترحة لتنفيذه. وهناك حالياً 11 شركة ومؤسسة إنشائية وتنفيذية عامة محسوبة على قطاع البناء والتشييد، ومنها الشركة العامة للبناء والتعمير، وشركة الساحل للبناء، ومؤسسة الإسكان العسكري. وفي أحيان كثيرة، تتم تجزئة مراحل التنفيذ وتمنح كل مرحلة لجهة ما رسمية أو خاصة، بشكل اعتباطي غالباً بتأثير من المحسوبيات والعلاقات الزبائنية. وبذلك، تكون الدراسات الهندسية من حصة جهة ما، وكذلك أعمال تهيئة الأرض، وأعمال البناء، وأعمال الاكساء، وأعمال المرافق والبنية التحتية المصاحبة للمشروع. كل مرحلة جزئية تتطلب تقديم مناقصات واستدراج عروض، غالباً ما تكون شكلية، لترسو على جهة محددة، وسط ما يستغرقه ذلك من أزمنة إضافية وموافقات جديدة. كما قد يخضع المشروع أثناء تنفيذه، لصراعات على النطاق الإداري للتنفيذ، بين الجهة صاحبة المشروع “الوصائية” والجهة المنفذة، وبين وزارة الإدارة المحلية والوحدات الإدارية التي يقع ضمنها المشروع، إلى فرع الاتحاد السكني في المنطقة، إلى فرع نقابة المهندسين. مثلاً، مشروع السكن البديل بحسب المرسوم 66\2012 كان مقرراً إنشاؤه في ماروتا سيتي، لكن تم تغيير موقعه على المخطط في العام 2019، من دون سابق إنذار، ونقل إلى تنظيم منطقة جنوبي المتحلق الجنوبي “باسيليا سيتي” الأبعد عن مركز مدينة دمشق. ويأتي ذلك وسط تداخل غريب في أعمال كل من المؤسسة العامة للإسكان التي تتولى إدارة المشروع، والشركة العامة للدراسات الهندسية التابعة لوزارة الأشغال العامة والإسكان التي تتولى الإشراف على تنفيذه، وشركة تنفيذ الإنشاءات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع التي بدأت تنفيذ أول برجين سكنيين من المشروع.
وفي العموم، ما زال السعر الإجمالي للمسكن الاجتماعي أو التعاوني أقل بكثير من مثيله في القطاع الخاص، خاصة لجهة إتاحة التسديد على أقساط لا تتضمن فائدة كبيرة كما في قروض المصرف العقاري. وبحسب متوسط الأجور الحالية لمحدودي الدخل، يمكن للمكتتب تسديد ثمن مسكنه الاجتماعي أو التعاوني إذا دفع كامل راتبه أقساطاً لـ30 عاماً. في حين يحتاج الموظف ذاته لــ200 عام من الأجور لحيازة مسكن عبر القطاع الخاص. ومع ذلك، فالأقساط المديدة أكبر من قدرة شريحة واسعة من المكتتبين على الاستمرار في دفعها، بسبب غلاء تكاليف المعيشة. وتسبب ذلك في أحيان كثيرة إلى بيع المكتتبين لمساكنهم قبل تخصصهم بها، بشكل غير قانوني، لقاء استرداد مدفوعاتهم السابقة وأحياناً مع تحقيق بعض الربح. مؤخراً، ومع انعدام أفاق تسلم المكتتبين لمساكنهم نشطت حركة تداول دفاتر الاكتتاب، في ظل ارتفاع أسعار العقارات. وتخضع أسعار دفاتر الاكتتاب لعوامل منها عمر الاكتتاب، حجم المدفوعات السابق، حجم المدفوعات المتبقي، مساحة الشقة وموقعها، وسعر صرف الليرة. ويلجأ الناس لتلك السوق، بشكل رئيسي لحماية مدخراتهم المتوسطة والصغيرة بعد التراجع الكبير في سعر صرف الليرة السورية خلال الشهور الماضية، وكذلك بسبب التخوف من التعامل بالعملات الأجنبية في السوق السوداء نتيجة ملاحقة الحكومة. وفي العموم تسببت هذه الأسواق الموازية “السوداء” بغبن إضافي لأصحاب الدخل المنخفض غير القادرين على الاستمرار في التقسيط، وحرمانهم من الحصول على حقوقهم بسكن مقبول.
ثالثاً؛ السكن الاجتماعي والتعاوني بعد العام 2011
بعدما توقفت المعارك الكبرى في معظم الأراضي السورية، في العام 2018، اتضح حجم الدمار الواسع الذي لحق بقطاع السكن، وسط حركة نزوح داخلية كبيرة جداً. بحسب أرقام البنك الدولي في العام 2017، فقد لحق الدمار الكلي أو الجزئي بأكثر من مليون مسكن يمثلون حوالي 27% من مساكن سوريا الـ4 ملايين. وإذ أضيف ذلك إلى العجز ما قبل الحرب، بحدود 1.3 مليون مسكن (حصيلة عجز سنوي بحدود 130 ألف مسكن خلال العقد السابق على العام 2011)، تغدو الفجوة السكنية الحالية في سوريا بحوالي بأكثر من مليوني مسكن. وتعتبر كل تلك الأرقام تقريبية في ظل غياب أي دراسة احصائية جديدة تربط التغيرات الديموغرافية والنزوح السكاني بالمساكن.
وقد انعكست ظروف الحرب على كامل القطاعات الاقتصادية، ومنها السكن الاجتماعي والتعاوني، الذي توقف العمل فيه بشكل شبه كلي ما بين العامين 2012-2018. وفي الوقت الذي توقفت فيه الأعمال الإنشائية والتنفيذية خلال الحرب، نشطت الحركة التشريعية الناظمة للاستثمارات العقارية، وكان للسكن الاجتماعي والتعاوني نصيباً جيداً فيها.
وإذا كان مفهوماً تعطل المشاريع في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، فإن حملات النظام لتجنيد الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18-42 تسببت بفقدان قطاع البناء اليد العاملة الأساسية. هذا، عدا عن الانقطاع الوظيفي والهجرة والاستقالات والاستيداعات لشريحة المهندسين والتقنيين، بسبب مواقفهم السياسية المعارضة أو تجنباً لمخاطر التنقل والتعرض اليومي للحواجز الأمنية. كما خسر السكن الاجتماعي والتعاوني جزءاً كبيراً من تمويله الحكومي مع إعادة تحويل جزء كبير منه لخدمة المعركة. في حين توقف المكتتبون في مناطق كثيرة عن تسديد الأقساط الشهرية مع تغيّر خريطة سيطرة قوى الأمر الواقع، وازدياد تكاليف المعيشة وسط تدهور قيمة صرف الليرة. وتسبب كل ذلك، بانقطاعات في تسليم رواتب العاملين المياومين في الشركات العامة، وتوقف صرف الاعتمادات للمتعهدين المرتبطين بعقود تنفيذية ما تسبب بتوقفهم تدريجياً عن العمل، هذا بالإضافة لارتفاع أسعار مواد البناء خاصة المستوردة منها. كما تريثت معظم التعاونيات السكنية وأوقفت أعمالها بانتظار جلاء المشهد السياسي والأمني، وانعكاساته على مصير العقارات.
وفي هذا المناخ دخل السكن الاجتماعي والتعاوني ما يشبه إجازة قسرية امتدت لسنوات، وسط تراكم خسائره. وبحسب تصريحات رسمية تعود للعام 2017، فقد تسببت الحرب بخسائر فادحة للسكن الاجتماعي بلغت بحدود 98.7 مليار ليرة، منها أضرار مباشرة بسبب الدمار تزيد عن 5.2 مليار ليرة، والباقي خسائر ناتجة عن التأخير في التنفيذ وخسائر غير مباشرة. في حين لم تصدر أي بيانات بخصوص خسائر السكن التعاوني.
ورغم توقف العديد من الشركات الإنشائية والتنفيذية، وتعرضها لخسائر كبيرة، إلا أن وزارة الأشغال العامة والإسكان، عبر المؤسسة العامة للإسكان، واظبت على الإعلان عن إطلاق مشاريع سكنية جديدة لها، وعن ضواحي سكنية ضخمة، لا بل وبرامج إسكانية اجتماعية جديدة. في العام 2012، أعلنت المؤسسة العامة للإسكان عن إطلاق مشروع ضاحية سكنية جديدة باسم “المدينة الخضراء” في منطقة معرونة بريف دمشق، كجزء من برنامج الإسكان الحكومي. وهذا البرنامج أطلق في العام 2011، لبناء أكثر من 11 ألف وحدة سكنية في جميع المحافظات ولجميع المواطنين، على أن يتم تمويله بقرض حكومي من دون فائدة. المؤسسة العامة للإسكان تأخرت حتى نهاية العام 2020 لإصدار المخطط التنظيمي للمدينة الخضراء، وسط عجز تمولي يعيق قدرتها على البدء بالتنفيذ. أيضاً، صدر المخطط التنظيمي المعدل لضاحية الفيحاء على طريق دمشق – بيروت الدولي، في نيسان 2015، عندما كانت المنطقة خارج سيطرة الحكومة. واستُحدِثَت ضاحية الفيحاء السكنية بقرار من رئاسة مجلس الوزراء في العام 2004، وأرضها مستملكة منذ العام 1977 لصالح مؤسسة الإسكان، وخصصت لصالح التعاون السكني لتنفيذ 334 مقسماً سكنياً، في حين تنفذ مؤسسة الإسكان 38 مقسماً فقط. ورغم مرور كل ذلك الوقت، ما زالت الضاحية مشروعاً لم تكمل منه إلا 80% من بنيته التحتية.
ورغم ادعاءات مؤسسة الإسكان، فإن ضعف التمويل لمشاريع السكن الاجتماعي والتعاوني يحول دون إمكانية استكمالها في المدى المنظور. لا بل أن تعثر التنفيذ لعشرات السنين، قد يطرح مسألة دخول جهات خارجية لاستكمال التنفيذ، كما جرى في مشروع مدينة الديماس الجديدة غربي دمشق. في نهاية العام 2020، زار وفد روسي مشروع المدينة وعرض استكمال تنفيذه باستثمارات روسية. وضمن مشروع مدينة الديماس الجديدة، يتم تنفيذ برامج سكن اجتماعي؛ سكن البديل، وآخر للسكن الشبابي تم البدء فيه في العام 2004. وتقوم بتنفيذ البرنامجين في المدينة وزارة الأشغال العامة والإسكان. معاون وزير الإعمار والإسكان والخدمات المجتمعية الروسية، قال خلال الزيارة: “يمكنهم أن يتعلموا منا كيف يجب أن يبدو مشروع تخطيط المنطقة، وكيف يجب أن تقف المنازل”.
من جانب آخر، وفي الحالات التي لم يتم استكمال مشاريع السكن الاجتماعي والتعاوني يكون الغبن قد لحق بأصحاب الأرض الأصليين، وبالمكتتبين على السكن، على حد سواء. مشاريع السكن الاجتماعي والتعاوني غالباً ما أقيمت على أراضي استملكتها الدولة بذريعة النفع العام. وفي كثير من الأحيان، لم يتم التعويض على السكان الأصليين بسكن بديل، لأسباب تتعلق بتوصيف الأرض القانونية وطبيعة مساكنهم فيها. في حلب، على سبيل المثال، هدم مجلس المدينة العقارات في عشوائيات حي المعصرانية، مطلع العام 2021، لاستكمال مشروع السكن الشبابي المتوقف تنفيذه منذ العام 2012. وتهدد عمليات الهدم واستكمال مشروع السكن الشبابي، بضياع حقوق مئات المُهجّرين عن المنطقة، مع عدم ضمان حقوق المكتتبين. إذ ألغت مؤسسة الإسكان اشتراك أكثر من نصف المكتتبين، ممن توقفوا عن الدفع في مرحلة ما بين العامين 2012-2016، ومعظمهم حالياً من المُهجرين قسراً عن حلب.
مؤسسة الإسكان بدأت منذ العام 2018 على إعادة إحياء مشاريع السكن الاجتماعي المتوقفة، فأعفت المتعهدين المتوقفين عن تنفيذ عقودهم، ومنحت مُهلاً جديدة للمكتبين المتوقفين عن تسديد الأقساط لاستكمال مدفوعاتهم. كما بدأت المؤسسة فصل بعض المكتتبين لأسباب مالية وأحياناً سياسية. وفي كل الأحوال، وتيرة تنفيذ الأعمال تحركت بإيقاع بطيء للغاية، رغم تعهد المؤسسة بإنهاء جميع التزاماتها السكنية في العام 2024، بمتوسط تأخير في التنفيذ يصل إلى 15 سنة على الأقل. وزارة الإسكان كانت قد أعلنت في العام 2017 عن تنفيذها حتى تاريخه 74871 مسكن اجتماعي، وفي العام 2021 ارتفع الرقم إلى 77130 مسكن. أي أن الوزارة أنجزت منذ انتهاء الحرب تقريباً 2250 مسكناً اجتماعياً فقط.
من جانب آخر، تكمن خسائر السكن الاجتماعي والتعاوني الأكبر في تأخير وفوات مدد التنفيذ، وما ترتب عليه من أضرار مباشرة وغير مباشرة على المكتتبين. إذ أن التأخير ترافق مع الارتفاع المتواصل في أسعار المساكن المكتتب عليها بين العامين 2011-2021، بما يزيد عن 20 ضعفاً، والتي تعود بشكل رئيسي لانخفاض سعر صرف الليرة. إذ أن الكلفة النهائية للمسكن الاجتماعي والتعاوني تحتسب في نهاية المشروع، بحسب ما تنص عليه عقود الاكتتاب. وفعلياً يتم احتساب التكاليف تدريجياً خلال مراحل التنفيذ، ولا يعلن عن قيمة المسكن النهائية إلا عند الانتهاء من تنفيذ المشروع السكني. وعلى سبيل المثال، إذا كان سعر شقة مساحتها 100 متر مربع في مشروع سكن شبابي في إحدى ضواحي العاصمة دمشق بحدود مليون ليرة قبل العام 2011، فقد بات سعر المنجز منها رسمياً حالياً بحدود 20 مليوناً. وإذا كان متوسط الأجور للموظفين في العام 2011 بحدود 12 ألف ليرة، فهو حالياً بحدود 100 ألف ليرة. أي أن سعر شقة في سكن اجتماعي تضاعف 20 مرة، في الوقت الذي زاد فيه متوسط الأجور بحدود 9 مرات فقط.
وخلال المرحلة ذاتها 2011-2021، نشطت حركة تشريعية وإدارية واسعة لامس بعضها مواضيع السكن الاجتماعي والتعاوني مباشرة أو بشكل غير مباشر. في العام 2016، وبعد دمج وزارة الإسكان مع وزارة الأشغال العامة أصبح اسمها وزارة الأشغال العامة والإسكان. كما صدر المرسوم التشريعي رقم 26 لعام 2015 الذي أنهى العمل بالمرسوم التشريعي رقم 76 لعام 2011 الناظم لعمل المؤسسة العامة للإسكان. إصدار مرسومين يلغي أحدهما الأخر، خلال أقل من أربعة أعوام، لتنظيم عمل مؤسسة شبه متوقفة، لا يبدو مفهوماً رغم التبريرات التي ساقها مدير عام مؤسسة الإسكان، من الحاجة إلى تعديل بعض مواد المرسوم 76\2011 ضماناً لحقوق المواطنين وتحقيقاً للمصلحة العامة. وأشار المدير بشكل حصري إلى ضرورة تعديل المواد المتعلقة بأحكام مخالفة المستفيد “المكتتب” لشروط التسديد، والمواد المتعلقة بأحكام التصرف بالمقاسم الاجتماعية ومنح الحق للمواطن بالتنازل عن اكتتابه أو تخصيصه أو مقسمه للغير. كما عدّل المرسوم 26\2015 مواداً أخرى تتعلق بالنشاط الاستثماري للمؤسسة، بحيث باتت تهدف إلى تحقيق “ريعية مناسبة” بمعنى أرباح تضمن لها المساهمة بتمويل تنفيذ مشاريع الإسكان الاجتماعي وتأمين الأراضي اللازمة لهذه الغاية. المرسوم 26\2015 أعاد تأكيد الطبيعة الربحية للمؤسسة العامة للإسكان بوصفها “ذات طابع اقتصادي”.
من جانب آخر، صدر المرسوم 99 لعام 2011 الخاص بالتعاون السكني ليحل محل جميع القوانين السابقة. التعاونيات السكنية كانت قد تكتلت في الاتحاد العام للتعاون السكني الذي تأسس في العام 1961، وتمّ تنظيمه عبر قانون الجمعيات التعاونية السكنية رقم 13 لعام 1981. وتم حلّ الاتحاد بموجب المرسوم التشريعي رقم 37 لعام 2019 بعد 58 عاماً على إنشائه، بذريعة منع وجود إدارتين للسكن: الاتحاد ووزارة الإسكان. وليس مفهوماً سبب حلّ الاتحاد، إذ أن المرجعية العليا كانت لوزارة الإسكان، والاتحاد شكّل شريكاً لها على مستويات التخطيط والتقرير والتنفيذ، وتمكن من إنجاز أكثر من ضعفي ما أنجزه القطاع العام. وفي كل الأحوال، نقل القانون 37\2019 مهام ووظائف الاتحاد وممتلكاته المنقولة وغير المنقولة والمقدرة بأكثر من 80 مليار ليرة، إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان. وأعقب ذلك حملة مكثفة قادتها وزارة الأشغال العامة والإسكان، لإعادة ترتيب أوضاع التعاونيات السكنية نتج عنها حلّ وتصفية المئات منها. وكان قد بلغ عدد الأعضاء التعاونيين في الاتحاد أكثر من مليون عضو، وانضوت تحت مظلته أكثر من 2500 جمعية سكنية.
ويعكس إلحاق التعاونيات السكنية بوزارة الإسكان، رغبة حكومية بالتحكم بفاعلية الجمعيات وتحجيم دورها والتدخل بقراراتها. وأول علائم ذلك ظهرت في إلغاء تعاونيات سكنية عضوية كثير من المكتتبين والمتخصصين، بسبب تخلفهم عن تسديد التزاماتهم المالية وإتمام الإجراءات التعاقدية، وأيضاً لمعارضين للنظام من دون تبرير. حل الاتحاد لم يُلغ السكن التعاوني، وإن كان قد وجّه ضرية قاسية له. ويبدو، بحسب مصادر مطلعة، أن حلّ الاتحاد جاء لدفع التعاونيات السكنية المتبقية باتجاه الاستثمار والتطوير العقاري. وقد بدأ التمهيد لذلك بمجموعة كبيرة من التشريعات الجديدة خاصة قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 والمناطق الاقتصادية الخاصة التي أدرجها لتضم بعض المناطق المتضررة. وفي حين يتواصل نقاش مشروع القانون المتضمن إحداث الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، فقد تمت إعادة تشكيل مجلس إدارة الهيئة العامة للإشراف على التمويل العقاري، لتأخذ دورها في تنظيم قطاع التمويل العقاري، والإشراف عليه، وتنمية المدخرات في القطاع العقاري، والعمل على تنظيم سوق التمويل العقاري.
وفي حين يتم التمهيد التشريعي لمرحلة إعادة الإعمار كفرصة للاستفادة المالية من الاستثمارات في قطاع العقارات، فإن سياسة إسكانية تقوم على أسس العدالة في إعادة الإعمار والتنمية المستدامة والمصالحة الوطنية وحدها ما يمكن أن يحفظ حقوق جميع السكن، ومنهم أصحاب الدخل المحدود في المسكن، الملكية والأرض.
ولذا، قد يبدو المستقبل كالحاً، فلا حلول متاحة لاسترداد حقوق من دمرت أملاكهم من أصحاب الدخل المحدود ومنهم اللاجئون والنازحون، ولا إمكانية للعاملين بأجر باقتناء منزل في منطقة منظمة. انتفاضة العام 2011 والحرب التي تلتها لم تنجح في إحداث تغيّر سياسي ذو محتوى اجتماعي في بنية النظام. ولذا، فمن غير المتوقع أن يتم التوسع في السكن الاجتماعي والتعاوني وتقديم المزيد من الدعم الحكومي لهما. لا بل إن الفورة التشريعية خلال السنوات الماضية تشير إلى محاباة الاستثمارات الخاصة العقارية والبحث عن الربحية في قطاع العقارات. لذا، من المستبعد أن يكون أصحاب الدخل المحدود ضمن دائرة المستفيدين، رغم الاصطفاف السياسي لشرائح واسعة منها، خاصة في الجيش والقوى الأمنية، إلى جانب النظام خلال السنوات الماضية. كما أن إطلاق سياسة إسكانية تلبي الاحتياجات لذوي الدخل المحدود، ليست أولوية في الوقت الذي يحاول فيه النظام التحلل من معظم الدعم الاجتماعي المتبقي للمواد الأساسية كالخبز والطاقة.
مازن عزي ووجيه حداد
مازن عزي رئيس قسم حقوق السكن والأراضي والممتلكات. وجيه حداد باحث مقيم بدمشق.