هل تعيد هيئة تحرير الشام عقارات الدروز المستولى عليها في جبل السماق؟
افتتح قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، بئر ماء في بلدة قلب لوزة في منطقة جبل السماق بريف إدلب. وتبدو هذه الزيارة الأولى من نوعها لمنطقة جبل السماق ذات الغالبية الدرزية، كمحاولة من التنظيم الإسلامي المتطرف المسيطر على إدلب، لتطمين الدروز على حياتهم وأملاكهم، بعد انتهاكات كبيرة تعرضوا لها.
ويسكن الدروز تاريخياً 18 قرية وبلدة في جبل السماق، وأهمها كفتين ومعارة الإخوان وقلب لوزة. وكانت جبهة النصرة قد عينت في العام 2015، جهادياً تونسياً أميراً على منطقة جبل السماق. وتنظر جبهة النصرة، كما السلفية الجهادية، إلى الدروز بوصفهم مرتدين عن الإسلام يجب قتالهم لإعادتهم إلى الإسلام أو قتلهم. وأعطت جبهة النصرة السكان الدروز مهلة عام واحد ليعلنوا إسلامهم أو ينزحوا عن جبل السماق. وقبل انتهاء المهلة، ضيّق الأمير التونسي على الدروز وقتل واعتقل عدداً منهم، واستولى على قسم كبير من ممتلكاتهم وعقاراتهم وأراضيهم الزراعية غصباً. وغصب العقار هو الاستيلاء على ملك الغير دون رضاه، أو وضع اليد على ملك الغير دون توفر سند قانوني بالملكية أو وجود سبب مشروع.
في حزيران 2015، وبعد خلاف بين الأهالي وعناصر الجبهة على حاجز وسط البلدة، أشرف الأمير الجهادي على تنفيذ مجزرة في قلب لوزة راح ضحيتها 30 درزياً. وتسبب ذلك بموجة نزوح للدروز عن قرى جبل السماق، إذ كان تعدادهم في المنطقة يبلغ حوالي 20 ألفاً في العام 2015، وبقي منهم حالياً قرابة 10 ألف شخص، بحسب تقديرات المجالس المحلية في المنطقة.
جبهة النصرة حاكمت الأمير التونسي، وعاقبته بعزله عن منصبه، وسجنه شهراً واحداً فقط.
وبعد تغيير اسمها من جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، وتأسيسها حكومة الإنقاذ في إدلب ما بعد العام 2018، حاولت الهيئة التودد لأهالي جبل السماق، وساهمت في تأسيس مجلس محلي موحد يشرف على إدارة الخدمات العامة. وأدار المجلس المحلي الموحد جزءاً من أملاك الغائبين الدروز وسخّر عائداتها لتحسين الخدمات البلدية. إلا أن تحرير الشام واصلت الاستيلاء على أملاك الدروز الغائبين، لإسكان عائلات عناصرها، والمُهجّرين قسراً من ريف دمشق وحمص. وبات المُهجّرون يشكلون نسبة كبيرة من سكان قرى الجبل حالياً.
الجولاني ركّز خلال لقائه وجهاء قرى جبل السماق على إظهار اعتدال هيئة تحرير الشام على غرار ما حدث مع المسيحيين في إدلب، وذلك ضمن سياق البراغماتية التي يتبعها منذ العام 2018. لكن الجولاني، في حديثه، لم يذكر مجزرة العام 2015 بالاسم، بل تحدث بطريقة غامضة، أشار فيها إلى أن ما حدث بات من الماضي متنصلاً من مسؤولية جبهة النصرة عنه. وأضاف: “الشخص اللي ارتكب الجريمة بتعرفوا شو صار فيه بالأخير”. وكان سفينة التونسي قد بقي في إدلب طوال السنوات الماضية، ولكنه انشق عنها في العام 2018، واتهمته هيئة تحرير الشام لاحقاً بالمسؤولية عن اغتيال وزير التعليم الأسبق في حكومة الانقاذ، وقتلته في مداهمة أمنية في نيسان 2021. أي لم يكن لقتل سفينة التونسي أي علاقة بانتهاكاته بحق دروز جبل السماق.
الجولاني وعد بتقديم خدمات أوسع لأهالي جبل السماق، بحيث تشمل مياه الشرب والبلديات والصحة. والمنطقة كانت تعاني بشكل كبير من التهميش وانعدام الخدمات الأساسية من ماء وطبابة. ويُفترض أن يؤمن البئر الجديد، الماء لقرابة 6000 نسمة في قرى بنابل وقلب لوزة وبشندلنتي وغيرها، وسيؤمن المشروع في مرحلته الثانية الماء لسكان بلدة كفر كيلا وباقي قرى جبل السماق. الملفت هنا أيضاً أن الأهالي كانوا قد جمعوا تبرعات لتأمين تكاليف حفر البئر وتمديدات شبكة الماء، قبل أن يتحمل الجولاني تعويضهم عن التكاليف.
وليس هناك إحصائية دقيقة للعقارات والأراضي الزراعية التي استولت عليها تحرير الشام في قرى جبل السماق، ولكن حكومة الإنقاذ عملت منذ بداية العام 2021 على رد بعضها إلى أصحابها، أو إلى أقاربهم من الدرجة الأولى. وذكر أحد وجهاء منطقة جبل السماق، في المقطع المصور الذي نشرته هيئة تحرير الشام لزيارة الجولاني، بأن الحال تحسن خلال العام الماضي، مطالباً بالمزيد، وردّ المظالم التي وقعت على الناس.
الجولاني، خلال زيارته، استثنى من عملية رد المظالم أملاك من وصفهم بالشبيحة، من أي طائفة كانوا، مؤكداً أن لا نقاش فيها ولن تُردّ. وكلمة شبيحة مصطلح فضفاض، غالباً ما يُقصد به الموالين للنظام بالعموم، خاصة من موظفي الدولة الذين نزحوا إلى مناطق سيطرة النظام، والمقاتلين في صفوف قوات النظام والأجهزة الأمنية.
ومع ذلك، يبدو بأن قسماً كبيراً من العقارات المستولى عليها ما زالت بيد قادة نافذين في هيئة تحرير الشام، وهم ليسوا بوارد التنازل عنها طوعاً. وتشير مصادر سيريا ريبورت بأن هناك مخططاً لاستثمار بعض الأراضي المستولى عليها في جبل السماق كمقالع للحجر. وتشير المصادر إلى أن شركة الراقي للمقاولات تقف خلف ذلك الاستثمار، وصاحبها هو أمير حلب السابق في تحرير الشام ابراهيم سلامة.