هدم مخالفات أم تصفية حسابات في حتيتة التركمان؟
في 17 أيلول 2022، أزالت ورشات هدم تابعة لمحافظة ريف دمشق، مدعومة من قوة شرطية تتبع لناحية المليحة، سوراً يحيط بمزرعتين في منطقة الشبرة جنوبي بلدة حتيتة التركمان في الغوطة الشرقية. وتقع المزرعتان عند تقاطع سكة القطار وطريق مطار دمشق الدولي. وفي يوم 19 أيلول 2022 هدمت الورشات ذاتها، سبعة قصور شبه جاهزة للسكن، في المنطقة ذاتها.
مدير مديرية المتابعة في محافظة ريف دمشق، قال في لقاء متلفز، إن بلدية حتيتة التركمان أخطرت محافظة ريف دمشق، بوجود عملية “إكساء لمزارع مخالفة مبنية بدون ترخيص”، وأضاف بأن المحافظة وجّهت “ورشات الهدم” لإزالة المخالفات، وهي عبارة عن محلات وقصور وتصوينات (أسوار).
ويُطلق اسم “مزرعة” على الأرض الزراعية المسورة التي تحوي فيلا أو بيتاً فخماً. ومعظم تلك المزارع تكون أرضاً زراعية غير مسموح بالبناء عليها، ولكن يقوم أصحابها ببناء فلل أو قصور فيها بشكل مخالف، وتشييد أسوار حولها. وفي معظم الحالات، يكون أصحاب تلك المزارع من المتنفذين الذين لديهم علاقات بمسؤولين حكوميين أو أمنيين، تحميهم من عمليات هدم الأبنية المخالفة التي تقوم بها السلطات البلدية.
وفي ذات اللقاء المتلفز قال الرئيس السابق لبلدية حتيتة التركمان، إن البلدية ختمت الأبنية المخالفة بالشمع الأحمر سابقاً، وطلبت من المحافظة إزالتها ضمن الأنظمة والقوانين المرعية. وأضاف بأن محافظ ريف دمشق استجاب للطلب وأزيلت المخالفات. وأشار المسؤول السابق، إلى أن سبب الاستعانة بالمحافظة هو عدم وجود آليات ثقيلة لدى البلدية لهدم تلك العقارات.
مراسل سيريا ريبورت قال بإن ملكية الأراضي التي أزيلت الأسوار من حولهما، تعود لسيدة متنفذة تُلقّبُ “وزيرة” ولديها علاقات جيدة بمسؤولين حكوميين وأمنيين. في حين تعود ملكية القصور السبعة لشخص يدعى أبو باسل، من حي الشاغور الدمشقي، وكان يعمل مع مسؤول أمني سابق. وكان أبو باسل قد اشترى أراضي واسعة في المنطقة، في العام 2019، وأشاد عليها مجموعة من القصور والمزارع والفلل، بشكل مخالف، وأطلق عليها اسم “تجمع مزارع الفوارس”.
في مطلع العام 2022 اشترت وزيرة قطعتي أرض بجوار “تجمع مزارع الفوارس” ما أثار غضب أبو باسل الذي كان ينوي شرائهما. وزيرة أشادت أسواراً حول قطعتي الأرض، وكانت تنوي بناء فلل أو قصور عليهما. وغالباً، ما يتم تسوير الأرض، قبل إشادة بناء بشكل مخالف عليها. أبو باسل، استخدم علاقاته الأمنية، وضغط على بلدية حتيتة التركمان ومحافظة دمشق، فتمت إزالة الأسوار حول مزرعتي وزيرة، في 17 أيلول.
وزيرة تقدمت بشكوى ضد أبو باسل، أمام محافظة ريف دمشق، متهمة إياه بالبناء بشكل مخالف من دون ترخيص. وبسرعة استثنائية غير مسبوقة، تحركت محافظة ريف دمشق وهدمت القصور السبعة لصاحبها أبو باسل، ما يشير إلى تدخل أمني على مستوى رفيع. ومع ذلك، لم تُهدم كل العقارات في تجمع مزارع الفوارس، بل بقيت بعض المزارع سليمة.
محافظة ريف دمشق قالت إنها هدمت تلك المزارع بذريعة التعدي على حرم السكة الحديدية، وحرم طريق المطار. والملفت أن القصور التي هدمت تقع خارج حرم الطريق الدولي وكذلك سكة القطار، بينما المزارع التي بقيت سليمة هي المتعدية على حرم السكة والطريق.
ويشير مراسل سيريا ريبورت بأن أبو باسل، كان قد فقد نفوذه بعدما توفي المسؤول الأمني السابق الذي يعمل معه، منتصف العام 2022. وليس واضحاً إن كان المسؤول السابق له حصة في تلك العقارات. كما أن لأبو باسل قصور ومزارع أيضاً في مناطق متعددة بالغوطة الشرقية.
وبعد هدم قصور أبو باسل، انتشرت أنباء غير مؤكدة عن هربه خارج سوريا بعدما أصبح مطلوباً للأجهزة الأمنية. وتجدر الإشارة إلى أن تحرك السلطات البلدية لهدم مخالفات لمسؤولين أو متنفذين، هو دليل على انتهاء الحماية التي كانوا يحظون بها.
و”تجمع مزارع الفوارس” كان مشروعاً مصمماً للاستثمار والتأجير. وهو واحد من مجموعة مشاريع مماثلة، منها منتزه “قصر الباز” الشهير الذي يملكه أحد أقرباء أبو باسل. في منطقة الشبرة، يوجد أكثر من 30 قصراً، بنيت بشكل مخالف خلال العامين الماضيين، لصالح مسؤولين ومتنفذين.
في المقابل، داخل بلدة حتيتة التركمان، تمنع مفرزة أمنية تابعة للمخابرات الجوية، المسيطرة على البلدة، الأهالي من ترميم عقاراتهم المتضررة بفعل مجريات الحرب. كما أن الأهالي ما زالوا ممنوعين من العودة إلى منطقة الميدانية في البلدة. وهناك عشرات المنازل في البلدة استولت عليها المخابرات الجوية أو البلدية وكتبت عليها “مُصادر” أو “مشمّع”.