هدم انتقامي لبيوت استخدمها تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة جاسم بريف درعا
تضررت مجموعة من المنازل والمنشآت في مدينة جاسم شمال غربي محافظة درعا خلال الاشتباكات الأخيرة التي وقعت فيها ضد خلايا تتبع لتنظيم الدولة الإسلامية. وبعد انتهاء الاشتباكات، هدمت مجموعات مسلحة محلية بعض البيوت والمنشآت التي استأجرها عناصر التنظيم.
وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد كثّف وجوده في مدينة جاسم خلال الشهور الماضية، واستأجر عناصره فيها بيوتاً ومزارع ومداجن. وقام التنظيم خلال تمركزه في المدينة، باغتيال قياديين معارضين سابقين، وخطف بغرض الفدية، وسرقة أملاك المدنيين. كما أسس التنظيم في المدينة محكمة شرعية تطبق أحكاماً متطرفة، ووجه استدعاءات للبعض لمراجعتها.
وكانت قوات النظام قد كثّفت وجودها منذ أيلول الماضي، في محيط جاسم مهددة بدخولها وتنفيذ عملية عسكرية فيها. ولتجنب دخول قوات النظام إلى المدينة وما سينتج عنه من انتهاكات بحق الأهالي وأملاكهم، طلب الوجهاء والزعماء المؤازرة والدعم من مجموعات محلية مسلحة في ريف درعا. وبالفعل، نفذت تلك المجموعات خلال تشرين الأول الماضي، حملة أمنية مسلحة ضد خلايا التنظيم في جاسم، ما تسبب بتدمير بعض المنازل التي تحصّن فيها عناصر التنظيم. ولم تشارك قوات النظام في الحملة الأمنية واكتفت بمحاصرة المدينة وقصفها بالمدفعية الثقيلة.
وشارك في الحملة الأمنية قوات من اللواء الثامن، وهو فصيل محلي يتركز نفوذه في مدينة بصرى الشام، وقد تشكّل برعاية روسيّة بعد اتفاق المصالحة في درعا في العام 2018. اللواء الثامن يتبع حالياً شعبة الأمن العسكري، ولكنه يحتفظ بهامش من الاستقلالية في اتخاذ قراراته. كما شارك في الحملة مجموعات مسلحة محلية من ريف درعا الغربي تتبع لما يعرف باللجان المركزية، وهي مظلة تجمع فصائل معارضة سابقة بعدما أجرت تسوية مع النظام.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 10 عناصر من التنظيم، فجر بعضهم أنفسهم بأحزمة ناسفة، وأسر آخرين. معظم قتلى وأسرى التنظيم كانوا من أبناء محافظة درعا، في حين قتل قياديان أحدهما عراقي والآخر لبناني. كما قتل في المواجهات العديد من مقاتلي المجموعات المحلية المناهضة للتنظيم.
ولمنع تكرار ما حدث مجدداً في جاسم، أصدر وجهاء المدينة في 16 تشرين الأول، قراراً بمنع تأجير البيوت والأراضي للغرباء من دون كفالة شخصية من الوجهاء. واعتبر القرار أن المخالفين لمضمونه سيعامَلون معاملة عناصر التنظيم، وسيعرّضون عقاراتهم للتدمير.
ومع انتهاء المواجهات وعودة الاستقرار إلى المدينة هدمت المجموعات المسلحة أكثر من 10 بيوت كان عناصر التنظيم قد استأجروها أو بنوها. مراسل سيريا ريبورت أشار إلى عمليات الهدم جاءت انتقامية ضد عناصر التنظيم من أبناء المنطقة، وأيضاً لردع الأهالي عن الرضوخ للإغراءات المالية التي يقدمها التنظيم.
مثلاً، استأجر أحد عناصر التنظيم بيتاً في جاسم بمبلغ 400 دولار شهرياً، وهو مبلغ كبير جداً بالمقارنة مع أسعار المنطقة. كما يقوم التنظيم بدفع ايجار سنوي مقدماً، وهو أمر غير مألوف في المنطقة، والمبلغ في حالات مماثلة يعتبر ثروة. وقال المراسل إن أحد البيوت التي تعرضت للهدم، يملكها شخص من المدينة مقيم في الأردن منذ سنوات وقد أوكل أخاه المقيم في جاسم بالاشراف عليه. وقد قام الأخ بتأجير البيت، من دون علم أخيه، لأحد قادة التنظيم من ريف دمشق الجنوبي، واستلم إيجاره مقدماً لمدة سنة.
ومن بين البيوت التي تعرضت للهدم بعد انتهاء المعارك، بيت زوجة القيادي العراقي في التنظيم “أبو عبدالرحمن العراقي”. وهذا البيت بناه التنظيم بعد تمركزه في المدينة. كما طالت عملية الهدم مدجنة على أطراف المدينة استخدمها التنظيم لإيواء العناصر.
وأبرز مثال على الجانب الانتقامي لعمليات الهدم، هو هدم بيت رامي الصلخدي، من أهالي بلدة جاسم، وصهر القيادي أبو عبدالرحمن العراقي. وقد ساهم الصلخدي بحسب المراسل في إدخال عناصر وقادة التنظيم إلى المدينة، وقد عُثر عليه مقتولاً بعد أيام من انتهاء العملية العسكرية.
من بين المنشآت التي تعرضت للهدم أيضاً بناء في مزرعة شمالي المدينة، اتخذه التنظيم كمحكمة شرعية. والملفت أن موقع المحكمة لم يكن بعيداً عن نقاط تمركز قوات النظام في محيط المدينة. وغالباً ما يقوم التنظيم بتأسيس محاكم شرعية قبيل إعلانه إمارة في منطقة ما.
بعض أهالي المنطقة اعتبروا عمليات الهدم الحالية مشابهة لممارسات قوات النظام ضد المعارضة في السنوات الماضية. ونقل المراسل عن أحد أصحاب البيوت المهدومة بأن ذلك يعتبر عملية انتقامية لترهيب السكان، بدلاً من مساعدتهم وتقديم الدعم لهم في مواجهة الظروف المعيشية السيئة.
أحد قادة المجموعات المحلية المسلحة وصف في حديثه مع المراسل، عمليات التفخيخ والهدم للبيوت بـ”الضرورية”، معتبراً أصحاب تلك البيوت والمنشآت، عن علم أو جهل، شركاء مع التنظيم، وقد سهلوا دخوله واستقراره في المدينة، وبالتالي تنفيذه لاغتيالات بحق أبناء المنطقة.