نهاية منطقة القابون الصناعية
منطقة القابون الصناعية، هي من المناطق الصناعية القليلة المتبقية ضمن الحدود الإدارية للعاصمة دمشق، ومع ذلك، سيتم هدمها وتطويرها لتصبح منطقة سكنية وتجارية بالاستناد للقانون 10 لعام 2018.
وتنقسم منطقة القابون الواقعة على مدخل دمشق الشمالي، إلى جزء سكني وأخر صناعي. وقد تعرضت المنطقة بمجملها، خلال سنوات الحرب الماضية إلى تدمير شديد، بسبب وقوعها على خط اشتباكات بين قوات النظام والمعارضة. وقد تعرضت المدينة أثناء فترة سيطرة المعارضة عليها، لتدمير واسع النطاق بالقصف الجوي والمدفعي، وبحصار خانق، قبل استعادة قوات النظام السيطرة عليها في ايار 2017. وتعرضت المنطقة الصناعية لتهجير كامل قاطنيها بموجب اتفاقية مصالحة مع النظام.
المخطط التنظيمي رقم 105، كان قد صدر الشهر الماضي لاعادة بناء المنطقة السكنية، بينما المخطط التنظيمي رقم 104 لمنطقة القابون الصناعية، كان قد صدر في حزيران 2019، بموجب أحكام القانون 10 لعام 2018، القاضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية.
ويمتد مخطط القابون الصناعية على مساحة 215 هكتاراً، تنقسم وفق نسب الأضرار التي لحقت بالأبنية بحسب تقديرات لجان مختصة تابعة لمحافظة دمشق، بين ثلاثة أقسام؛ الأول ومساحته 23.7 هكتاراً ونسبة الأضرار فيه تقارب 70%، والثاني مساحته 116.1 هكتاراً ونسبة الأضرار فيه بحدود 30%، والثالث وهو المضاف من أراضي مدينة حرستا بمساحة 75 هكتاراً ولم تحدد المحافظة نسبة الضرر فيها.
مخطط القابون رقم 104، عدّل الصفة التنظيمية العمرانية لمنطقة القابون الصناعية، المنظمة سابقاً كمنطقة صناعية وزراعية، لتصبح سكنية وتجارية، على أن تضم وفق المخطط الجديد 72 مقسماً استثمارياً، و102 مقسماً سكنياً.
ومنذ إعلانه في العام الماضي، لاقى المخطط التنظيمي رقم 104 أكثر من 750 اعتراضاً مسجلاً لدى محافظة دمشق، من الصناعيين أصحاب المنشآت الصناعية والمهن والحرف في منطقة القابون الصناعية.
وتركزت الاعتراضات على المخالفات القانونية التي أقيم على أساسها المخطط التنظيمي الجديد. أيضاً، قاد الصناعيون المتضررون حملة اعتراض تحت شعار “بدنا القابون بالقانون”، في وسائل الإعلام الرسمية والمحلية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى اضطرت الحكومة للتفاوض معهم أكثر من مرة، عبر وسطاء ورجال الأعمال، من دون نتيجة واضحة.
ومن أهم المخالفات القانونية، بحسب الاعتراضات، أن محافظة دمشق باشرت في العام 2018 بوضع المخطط التنظيمي الجديد لمنطقة القابون الصناعية ضمن رؤيتها لتنظيم مناطق السكن العشوائي حول العاصمة. ولا ينطبق ذلك، بحسب المعترضين، على منطقة القابون الصناعية الخاضعة أصلاً للتنظيم.
الصناعيون اعترضوا أيضاً على تقديرات لجان محافظة دمشق لنسبة الضرر في المنطقة الصناعية، وما سيستجره ذلك من عمليات هدم واسعة للمباني المتضررة. وتتعارض هذه النسب مع تقديرات لجنة نقابة المهندسين، التي قالت بأن أكثر من 95% من المنشآت سليمة إلى حد بعيد.
وتصر محافظة دمشق على نقل الصناعيين منشآتهم إلى منطقة عدرا الصناعية خارج العاصمة على طريق دمشق-بغداد. وكان رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس، قد أشار في كانون ثاني 2020، إلى تعويض صناعيي القابون بإعطائهم أراضي في منطقة عدرا الصناعية، مع “تسهيلات لمدة عشر سنوات لإقامة منشآتهم مجدداً”. ويعني ذلك أن الأرضي التي ستعطى لهم في عدرا ستكون أكبر بـ20% من مساحات عقاراتهم الأصلية في القابون، في حين يتوجب على الصناعيين إنشاء معاملهم في عدرا من الصفر.
إذ أنشأت منطقة القابون الصناعية بموجب مرسوم جمهوري عام 1948، وأعيد تنظيمها مرتين؛ الأولى عام 1972، والثانية في العام 1984. ورافق كل عملية تنظيم اقتطاعات واستملاكات من المساحة الكلية لصالح محافظة دمشق، بغرض إقامة مرافق وخدمات عامة من شبكات طرقية، وتمديدات الكهرباء والماء.
المخطط التنظيمي رقم 104 أعطى لشركة دمشق الشام القابضة المساهمة المغفلة التابعة لمحافظة دمشق والمفوضة بإدارة املاكها، الحق بتكليف إحدى شركات الإدارة التابعة لها، بمهام إدارة المنطقة التنظيمية في القابون الصناعية، وتنفيذها والإشراف عليها وإبرام كافة العقود اللازمة. ويعني ذلك عملياً، استملاك محافظة دمشق، عبر الشام القابضة، لـ20% من مساحة منطقة القابون الصناعية، بحسب المخطط التنظيمي الجديد.
وكان الصناعيون قد دخلوا المنطقة الصناعية في حزيران 2018، وتلقوا وعوداً من رئاسة مجلس الوزراء بتأهيل البنية التحتية، وتزويدهم بالماء والكهرباء. وسمح ذلك لهم بالعمل على ترميم منشآتهم وإعادة تأهيلها، بغرض إعادة افتتاح المنطقة الصناعية.
إلا أنه بعد 36 يوماً، صدر توجيه من المحافظة بإخلاء المنطقة بالكامل، ما منِع الصناعيين من زيارة منشآتهم، وسُحِبَت المحولات الكهربائية المتواجدة فيها. وترافق ذلك مع تأكيد أحد أعضاء المجلس التنفيذي في محافظة دمشق، في حزيران 2018، أن “دمشق ليست مدينة صناعية أو زراعية” والذي سرعان ما تحوّل إلى ما يشبه شعاراً يردده مسؤولو المحافظة، والذي سرعان ما تحوّل إلى ما يشبه شعاراً يردده مسؤولو المحافظة.
من جهتها، وقبل إصدار المخطط التنظيمي 104، كانت محافظة دمشق قد هدمت منشآت تابعة للقطاع العام في المنطقة الصناعية، واتضح لاحقاً أن المخطط التنظيمي اعطى المحافظة حق استملاك تلك المنشآت إذا ما كانت مدمرة. وعلى عكس عقارات ومنشآت الصناعيين الخاصة، لا يبدو أن أحداً معني بالدفاع عن منشآت القطاع العام التي هدمتها محافظة دمشق في منطقة القابون الصناعية، رغم أنها تضم مجموعة مهمة من المنشآت التي تمتد على مساحات كبيرة وتوظف أعداداً كبيرة من العمال، مثل الشركة الخماسية للنسيج، وشركة المغازل والمناسج، والشركة الحديثة للكونسروة والصناعات الزراعية، وشركة الإنشاءات المعدنية والصناعات الميكانيكية، والشركة الأهلية للمنتجات المطاطية، والمعهد التقاني للصناعات الكيماوية.