نهاية سوق المهن التراثية بدمشق
في أكتوبر 2022، أنذرت وزارة السياحة أصحاب الورش وشاغلي المحال في سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية بدمشق، بضرورة الإخلاء قبل نهاية العام 2022، بغرض ترميم التكيّة. كما ألغت وزارة السياحة عقود الاستثمار مع شاغلي المحال في السوق، ما يشير إلى أن الإخلاء نهائي.
التكية تاريخياً
التكية السليمانية كانت قد أنشأت في القرن السادس عشر، في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني، وأشرف على بنائها المعماري سنان. والتكية في التقاليد العثمانية-الإسلامية هي مكان للاستراحة يُقدّمُ فيه المحسنون المأوى والطعام للحجاج إلى مكة في موسم الحج، وللفقراء في بقية الأوقات.
وتتألف التكية السليمانية من كتلتين معماريتين رئيسيتين؛ الأولى تضم جامعاً وتكية، والثانية تضم المدرسة السليمانية وسوقاً محيطاً بها. وكان مبنى المدرسة قد استضاف المتحف الحربي حتى العام 2011. في حين يستضيف السوق منذ السبعينيات سوق المهن اليدوية الذي يضم حوالي 40 محلاً للمهن التراثية الدمشقية مثل صناعة الزجاج والصدف، وتصنيع النسيج الدمشقي التراثي كالآغاباني. ويوجد في السوق مشايخ الكار الدمشقيين، أي أبرز الحرفيين في مهنهم، مثل شيخ كار العجمي، والنقش على النحاس، وصناعة السيف الدمشقي، والعود الشرقي، والبروكار والخزف، والزجاج الدمشقي المعشق، والعقال العربي التقليدي.
الترميم
في العام 2010 كان هناك مشروع لترميم التكية بالتعاون مع الحكومة تركيا، لكنه توقف مع بداية الأحداث في العام 2011. الأمانة السورية للتنمية، وهي منظمة غير حكومية ترأسها زوجة الرئيس السوري، قدمت دراسة في العام 2020 لترميم التكية، من عدة مراحل. ولم تفصح الأمانة السورية للتنمية عن تفاصيل ترميم التكية، وسط اشاعات عن وجود مخطط استثماري ربحي يستهدف رجال الأعمال، ويستبعد أصحاب المهن التراثية من التكية.
رئيس شعبة المهن التراثية في اتحاد غرف السياحة السورية وأحد الحرفيين الموجودين في التكية، كان قد أشار في تصريح نشرته صحيفة تشرين الرسمية في أذار 2020، إلى أن التكية السليمانية من الناحية الإنشائية خالية من التصدعات المهددة بالانهيار، وهي بحاجة إلى ترميم جزئي لا يستدعي إخلاء أصحاب المحال منها.
في تصريح حديث يعود إلى 28 أكتوبر 2022، قال رئيس شعبة المهن التراثية نفسه، بأنه اقترح على وزارة السياحة نقل سوق المهن اليدوية مؤقتاً لمكان آخر ريثما ينتهي الترميم. لكن الوزارة لم ترد على المقترح.
عقود الاستثمار
المحال في سوق المهن اليدوية هي أملاك وقفية. وقبل العام 2000 كانت مديريات وزارة الأوقاف تؤجر تلك المحال. ويدفع المستأجر هبة لصالح مديرية الأوقاف، مع إيجار سنوي رمزي. ويكون عقد الإيجار لمدة محددة، لكنه قابل للتجديد الضمني. وينطبق على تأجير هذه العقارات أحكام عقود الإيجار في القانون المدني، مع اشتراط توثيقه من قبل وزارة الأوقاف ومديرياتها.
في العام 2000، وبشكل غير مفهوم، انتقل الإشراف على السوق من وزارة الأوقاف إلى وزارة السياحة التي استبدلت عقود الإيجار القديمة مع شاغلي تلك المحال بعقود استثمار، تُجدّد سنوياً.
في أكتوبر 2022، أنهت الوزارة العمل بعقود الاستثمار مع شاغلي المحال، وأنذرتهم بضرورة الإخلاء خلال شهرين. وزير السياحة قال في تصريحات رسمية في أكتوبر 2022، بأنّ للوزارة الحقّ في انهاء التعاقد مع شاغلي محال سوق المهن اليدوية، وقت تشاء، بموجب عقود الاستثمار، وأن للوزارة الحق في استعادة المحال خالية خلال المهلة التي تقترحها.
من جهته، قال معاون وزير السياحة، إن عقد الاستثمار لا يُجدد تلقائياً إذا لم يبلغ أحد الطرفين الطرف الآخر قبل شهر من نهاية مدة العقد، رغبته في التجديد. كما تضمن عقود الاستثمار بحسب المسؤول، أحقية وزارة السياحة بإخلاء المحال المستثمرة لأغراض المصلحة العامة، قبل انتهاء مدة العقد، ومن دون أن يحق لأصحاب المحال المطالبة بأي عطل أو ضرر. وأضاف بأن على مستثمري المحال الإخلاء الفوري، وضمن المهلة التي تحددها الوزارة. المسؤول أوضح بأن مستثمري المحال الممتنعين عن تنفيذ الإخلاء، سيتحمّلون النفقات الناتجة عن إخلاء محالهم بالطرق الإدارية، على أن تجبى كل الالتزامات المترتبة عليهم بموجب هذه العقود وفق أصول جباية الأموال العامة.