نشوء العشوائيات في مدينة حلب
تشترك مدينة حلب مع كثير من مدن العالم الثالث بظهور مناطق عشوائية كبيرة على هامشها وأطرافها. ولكن، الملفت في عشوائيات مدينة حلب، كما في معظم العشوائيات السورية، أنها ليست مبينة بالصفيح، بل بمواد البناء ذاتها التي تُستخدم في المناطق المنظمّة. ولذا، فإن عدم وجود دراسة هندسية تراعي عوامل الأمان الانشائية هو أبرز الفروق بين العشوائيات والمناطق المنظمة في مدينة حلب.
المناطق العشوائية ظهرت في حلب في ستينيات القرن الماضي، ونمت وتوسعت بالتوازي مع نمو مدينة حلب وزيادة عدد سكانها نهاية القرن الماضي. وعدا عن النمو السكاني الطبيعي، فقد ساهمت الهجرة من الأرياف إليها في تضاعف عدد سكانها. وجاءت الهجرة بشكل رئيسي سعياً للحصول على الخدمات المتوفرة في المدينة والمعدومة تقريباً في الريف، كالخدمات الصحية، والكهرباء والماء النظيف، والتعليم، وغيرها. كما أن تركز المعامل والمناطق الصناعية والحرفية في مدينة حلب، ونمو حجم المؤسسات الرسمية، استقطب اليد العاملة الرخيصة من الريف.
وإن كان النمو السكاني الكبير في حلب هو نتيجة لغياب التخطيط الإقليمي بعيد المدى الهادف لانعاش الأرياف وتنميتها، فإن تضخم العشوائيات هو نتيجة أيضاً لغياب التخطيط الحضري بعيد المدى لاستيعاب هذا النمو السكاني. ولأن مدينة حلب لم تكن مستعدة لاستيعاب هذا العدد المتزايد من السكان ولا تستطيع تأمين المساكن والخدمات اللازمة.
السكن العشوائي جاء تلبية لأزمة السكن، وهي أزمة لا ترجع فقط إلى نقص العروض السكنية من قبل القطاعين العام والخاص في المناطق المنظمة من حلب، بل بسبب ارتفاع أسعار تلك المساكن وعجز المهاجرين الجدد إلى حلب، وغالبهم من العمال وأصحاب الدخل المنخفض، عن تأمينها. لذا، فقد ساهمت العشوائيات في تأمين المساكن لنسبة كبيرة من أولئك المهاجرين، ونمت أحجامها بسرعة كبيرة، حتى سكنها في العام 2004 حوالي 900 ألف نسمة من أصل 2,200,000 نسمة، أي حوالي 40% من سكان حلب، بحسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء.
القوانين السورية تسببت بتضخيم المشكلة. قانون التوسع العمراني رقم 60 لعام 1979، حصر التوسع العمراني، بالمناطق غير المنظمة ولا المقسمة الواقعة ضمن المخطط التنظيمي العام المصدق للوحدات الإدارية. والهدف من القانون 60، كان الحدّ من ظهور العشوائيات، وضبط تجارة العقارات، وتوفير المقاسم المنظمة للجهات العامة والجمعيات السكنية للبناء عليها وتوفير السكن الاجتماعي والتعاوني الرخيص. القانون 60 حصر عملية التنظيم والتقسيم في هذه المناطق بالجهة الإدارية التابعة لها، على أن يتم الاستملاك، التقسيم والتنظيم، لمصلحة هذه الجهة الإدارية، وأيضاً بقية الجهات العامة، لأغراض النفع العام، التي حددها قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1974.
وعلى إثر ذلك، أقيمت في مدينة حلب ضواحٍ سكنية منظمة كالحمدانية وهنانو، وأشيدت مناطق شعبية اقتصادية ورخيصة منظمة مثل مساكن أرض العجور ومساكن بستان القصر. ولكن، سرعان ما انحرفت بعض الجمعيات السكنية التي خصصت لها المقاسم المعدة للبناء في المنطقة، عن الغاية من المشروع، وبدأت في إشادة مساكن فخمة وفيلات لا تناسب أصحاب الدخل المنخفض. كما أن تعويض أصحاب الأراضي المستملكة لم يكن عادلاً، ولم يتنظم صرف المجالس البلدية للتعويضات إلى مستحقيها.
عدم دفع ثمن الأرض المستملكة، والتأخر في تنفيذ كثير من مشاريع السكن الاجتماعي المخطط لها، دفع بأصحاب كثير من الأراضي المستملكة لتقسيم أراضيهم بشكل غير قانوني، وبيعها لمتعهدي بناء، ليقوموا بدورهم بإنشاء أبنية مخالفة عليها، يبيعونها للباحثين عن سكن في أطراف مدينة حلب بأسعار رخيصة. وبدأت بالفعل العشوائيات بالتضخم، مهددة السلامة العامة، مع عدم توفر الخدمات الأساسية لها، وعدم دراسة تقسيمها وفق الأسس التخطيطية. كما أن العشوائيات لا تحترم القواعد والتشريعات والأنظمة العمرانية المعمول بها، ويتم البناء فيها بما لا يتوافق مع المخططات التفصيلية ونظام ضابطة البناء.
في العام 1991 قامت الشركة العامة للدراسات الهندسية التابعة لوزارة الأشغال العامة والإسكان، بإجراء أول دراسة احصائية للعشوائيات في مدينة حلب، بتكليف من مجلس المدينة، وقامت بتوثيقها على المخطط العام لمدينة حلب، وبلغ عددها 22 منطقة. كما أعدت الشركة العامة للدراسات الهندسية مخططات تنظيمية تفصيلية لخمس عشوائيات، صدّقها مجلس مدينة حلب في العام 1994، وهي؛ قرية الأنصاري، منطقة المعصرانية طريق الباب، وتوسع المنطقة الجنوبية، منطقة الشيخ فارس-الحيدرية، ومنطقة الشيخ مقصود–أشرفية. ولم تطبق أي من هذه المخططات.
الدولة في المقابل، وجدت في العشوائيات حلاً لأزمة الإسكان، يعفيها من القيام ببعض مهامها الرئيسية. ولذا، أضفت الدولة السورية بعض الشرعية المنقوصة على العشوائيات، بشكل غير رسمي، عبر السماح لمؤسسات الدولة بتخديمها بالحدود الدنيا من الماء والكهرباء وشبكات الصرف الصحي، وبعض الخدمات البلدية، ولكنها منعت توثيق تلك الأبنية في المصالح العقارية. وقد تم تخديم عشوائيات حلب بالحد الأدنى من الخدمات، على نفقة قاطنيها.