نازحو بدو السويداء في درعا: مداهمات ومضايقات
بعد انتهاء عمليات التسوية الأخيرة في الجنوب السوري، أطلقت قوات النظام حملة أمنية ضد النازحين من عشائر بدو السويداء إلى ريف درعا الشرقي. ويتعرض هؤلاء النازحون لانتهاكات تؤثر على حقوقهم في السكن، مع انعدام خياراتهم للنزوح مجدداً وسط عدم إمكانية عودة الجزء الأكبر منهم إلى مناطقهم الأصلية.
وتقول مصادر أمنية بأن سبب المداهمات هو وجود “خلايا إرهابية” تتخذ من تجمعات النازحين منطلقاً لتنفيذ عمليات اغتيال لموالين للنظام في مناطق مختلفة من درعا. وقد تسببت الحملة الأمنية خلال الأسابيع الماضية بمقتل ثلاثة مدنيين من البدو النازحين. وجرى خلال المداهمات أيضاً اعتقالات تعسفية، وإحراق للخيام، ونهب للمواشي والممتلكات.
مراسل سيريا ريبورت نقل عن مصدر أهلي قوله إن قوات أمنية اقتحمت من دون إنذار مخيماً صغيراً قرب بلدة خربة غزالة، منذ اسبوعين، وأحرقت خمس خيم ونهبت حوالي 20 رأس ماشية، وقتلت يافعاً دون الثامنة عشر من عمره واختطفت شقيقه. وعلى إثر ذلك، اضطر بعض سكان المخيم للنزوح إلى أطراف مدينة جاسم غربي درعا، حيث تعرضوا لمداهمة أمنية جديدة. ولكن، ساهم تدخل أهالي ووجهاء جاسم في حماية النازحين وممتلكاتهم.
وخلال الاشتباكات الأخيرة بين قوات النظام ومسلحين في بلدة ناحتة الأسبوع الماضي، داهمت مجموعات أمنية أحد المخيمات شرقي درعا. أحد النازحين قال لمراسل سيريا ريبورت، إن تلك القوة الأمنية اعتدت عليه بالضرب وهدمت خيمته رغم التأكد من هويته والتحقق من أنه ليس مطلوباً أمنياً. وأشار النازح، إلى أن القوة الأمنية أمرته بمغادرة المنطقة وهددته بالقتل إن لم يفعل. وعلى إثر ذلك، نزح ذلك النازح وعائلته مجدداً إلى أطراف قرية الدارة التي تقطنها عشائر بدو في ريف السويداء الغربي. وقال النازح إنه سبق وتقدم بطلب إلى الأمن العسكري في العام 2020، للسماح له بالعودة إلى قريته الساقية في ريف السويداء. وقد تم رفض طلبه، بسبب اتخاذ قوات النظام من منزله في القرية مقراً عسكرياً.
وقبل أسبوعين، عقد وجهاء عشائر بدو اللجاة والسويداء اجتماعاً في ريف درعا الشرقي، مستنكرين تزايد الانتهاكات والمداهمات بحق عشائرهم والتضييق عليهم. وقرر المجتمعون تشكيل وفد للتواصل مع مركز المصالحة الروسي في الجنوب السوري، لطرح معاناتهم، وكذلك للقاء اللجنة الأمنية المسؤولة عن درعا. وعلى رأس مطالب الوفد ستكون وقف المداهمات العشوائية لأماكن إقامتهم ومخيمات نزوحهم، ووقف التجاوزات بحقهم وحفظ كراماتهم، أو إصلاح البنى التحتية وإعادة إعمار قراهم الأصلية المدمرة حتى يتمكنوا من العودة لها.
وكان جزء من بدو السويداء قد نزحوا على موجات متتالية إلى ريف درعا الشرقي بعد العام 2013 لأسباب متعددة منها تأزم العلاقات مع جيرانهم الدروز، بسبب اختلاف مواقف الطرفين السياسية وتصاعد حدة النزاعات القائمة على الانتماءات المذهبية والعرقية منذ العام 2012. وساعد في ذلك انتساب بعض البدو لفصائل المعارضة في درعا ومنها بعض الفصائل الإسلامية المتطرفة، وحدوث جرائم خطف متبادل بين الطرفين. إلا أن موجة النزوح الأكبر جرت في العام 2015 من منطقة الأصفر، أكبر تجمع للبدو في ريف السويداء الشمالي الشرقي، بعدما سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ثم فصائل المعارضة، قبل أن تستعيدها في العام 2018 قوات النظام. وتسببت المواجهات بتدمير البنى التحتية، وتضرر غالبية منازل المنطقة التي كانت تضم 10 قرى. كما أن بعض قرى البدو في اللجاة تعرضت لتجريف كامل من قبل قوات النظام، في العام 2018، مثل قرية حوش حماد.
ورغم الوساطة الروسية في 2019، فقد سمحت قوات النظام فقط بعودة جزئية ومشروطة لبدو ريف السويداء الشمالي الشرقي، ومن ذلك: إجراء تسوية أمنية والحصول على تصريح أمني للراغبين بالعودة، والتحاق المتخلفين عن الخدمة منهم في صفوف قوات النظام. مع ذلك لم ترجع إلا نسبة قليلة من الأهالي وغالبيتهم من العاملين برعاية الماشية. والسبب الرئيسي لعدم العودة هو التباطؤ الحكومي في إعادة تأهيل البنية التحتية وإصلاح شبكتي الكهرباء والمياه، وانتشار حواجز تفتيش لقوات النظام وجيش التحرير الفلسطيني واتخاذ بعض المنازل والمدارس كمقرات عسكرية، وانتشار القذائف والألغام من مخلفات الحرب.