نازحات عن القصير بريف حمص: نخشى العودة
رغم شظف العيش وتعقّد ظروف الحياة والسكن في مخيمات النزوح في لبنان، لا تُفضّلُ بعض النازحات العودة إلى مدينة القصير وريفها جنوب غربي حمص. إذ تبدو العودة مُخاطرة مكلفة، في ظل الدمار الواسع الذي طال كثيراً من المنازل وضعف احتمال ترميمها أو إعادة تأهيلها، في ظل السيطرة الأمنية والعسكرية المباشرة لحزب الله على المدينة وريفها.
أم محمد، نزحت منذ عشر سنوات من إحدى قرى ريف مدينة القصير، إلى لبنان. وهناك، تنقلت الأرملة الثلاثينية والأم لستة أطفال، بين مخيمات مختلفة وواجهت ظروفاً سكنية صعبة. مؤخراً انتهى بها المطاف في مخيم تدفع فيه بدل إيجار سنوي عن خيمة تأويها وأولادها، لصاحب الأرض.
أم محمد اضطرت للنزوح عن القصير، بعدما قُتِلَ زوجها في المواجهات بين المعارضة السورية وحزب الله اللبناني في العام 2013. تقول أم محمد لمراسلة سيريا ريبورت، أن زوجها كان المعيل الوحيد للعائلة، وكان فلاحاً يعمل على جرار زراعي في حراثة أراضي الآخرين. وتضيف بأن حزب الله لم يكتفِ بقتل زوجها، وتدمير منزلهم، بل صادر الجرار الزراعي مصدر رزق العائلة الوحيد. ومنذ ذلك الحين، لم يعد لأم محمد وأطفالها من سقف يأويهم، ولا مصدر رزق. فأم محمد، لم يسبق لها العمل قبل مقتل زوجها، وليس لديها سوى شهادة التعليم الابتدائية. لذا، لم يكن أمامها من خيار سوى النزوح إلى لبنان.
تعرض أم محمد سند ملكية منزلها المدمر على مراسلة سيريا ريبورت، وتقول إنها تخشى العودة إلى القصير، خوفاً من الملاحقة الأمنية، وتخشى حتى التصريح بحيازتها لسند ملكية المنزل.
تتبع مدينة القصير لمحافظة حمص، ويتبع لها أكثر من 80 قرية وبلدة، وتبعد حوالي 15 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية، وتُعتبر امتداداً للبقاع اللبناني. في حزيران 2013، سيطر حزب الله وقوات من النظام، على القصير، ما تسبب بنزوح حوالي 50 ألف نسمة، أي تقريباً معظم سكان القصير وريفها، باتجاه لبنان. ومنذ ذلك الوقت، اتخذ حزب الله من القصير منطقة عسكرية له، فيها معسكرات تدريبية، ومخازن أسلحة، ومطار عسكري، وثكنات للجنود. واليوم، تعتبر القصير منطقة تحت سيطرة حزب الله لا الدولة السورية، ويحيط كثير من الغموض حول وضع حقوق السكن والأرض والملكية فيها، نظراً لقلة عدد النازحين الذين سمح لهم بالعودة من جهة، وأيضاً بسبب حدوث عمليات هدم واسعة النطاق وتغيير معالم كثير من المناطق في معرض تحويلها إلى مواقع عسكرية للحزب.
أيضاً، التقت مراسلة سيريا ريبورت، بمريم الأرملة الأربعينية من القصير. وقد تدمّر منزل مريم قبل عشر سنين، عندما تعرض لقصف صاروخي من قوات حزب الله، ما تسبب بمقتل زوجها وإعاقة أصغر أولادها. ليس لمريم من مكان تعود إليه في القصير، بل تفضل البقاء في مخيمات النازحين السوريين في لبنان. وتضيف، منزلي تدمر، وتم تهجير جميع سكان القرية، ولم يعد لدي عائلة هناك. ويضاف إلى تلك الأسباب، أن ابن مريم الكبير سيبلغ الثامنة عشر قريباً، وبالتالي سيصبح مطلوباً للخدمة العسكرية الإلزامية. وبالتالي، فالعودة باتت أمراً خارج إطار البحث، رغم كل صعوبات البقاء في لبنان.
في تشرين الأول 2018، أعلن مجلس مدينة القصير عن إصدار المخطط التنظيمي الجديد للمدينة، بموجب القانون رقم 10 المثير للجدل والقاضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية. وبذلك، أصبحت القصير أول مرة يطبق فيها القانون رقم 10. وأعلن المجلس عن مهلة شهر واحد، لتقديم الاعتراضات على المخطط، رغم نزوح غالبية السكان عن القصير. في تشرين الثاني 2018، تم تعديل القانون 10، ومدّدت مهلة الاعتراض على المخططات الصادرة بموجبه لسنة كاملة. ورغم ذلك، لم يصدر أي إعلان بأي تعديل بهذا الشأن من مجلس مدينة القصير. كما أنه وأربع سنوات على تطبيقه، لم تصدر أي تفاصيل أو إعلانات حول المخطط التنظيمي الجديد.
خنساء، أربعينية من مدينة القصير، زوجها معتقل لدى قوات النظام منذ سنوات، وتعيش في أحد المخيمات اللبنانية للنازحين السوريين مع أطفالها الثلاثة. تقول خنساء بأنها سمعت أن منزلها في مدينة القصير تعرّض لدمار جزئي، وقد تعرض أيضاً لتعفيش كامل محتوياته. لكنها، لا تريد العودة، ولا حتى لمعاينة وضع منزلها ومصيره، خوفاً من الاعتقال.