مكتب التوثيق العقاري في عربين: العودة إلى التحديد والتحرير؟
أوقفت مديرية المصالح العقارية بريف دمشق العمل بسجلات مدينة عربين العقارية، خلال فترة سيطرة المعارضة على المدينة 2012-2018. ومع عودة العمل رسمياً في العام 2019، اتضح ضياع أو تلف عدد كبير من السجلات العقارية. لملء ذلك الفراغ في السجلات، عاد مكتب التوثيق العقاري إلى العمل بأول خطوات التوثيق العقاري، في الوقت الذي توجد فيه نسخة مصورة كاملة لسجلات عربين العقارية العائدة لما قبل العام 2012، بحوزة المعارضة.
ويوجد في الغوطة الشرقية ثلاث مديريات مصالح عقارية؛ في دوما وعربين والمليحة، وفي كل مديرية يوجد مكتب توثيق عقاري. ويضم مكتب التوثيق العقاري في عربين السجلات العقارية لمدن وبلدات عربين، الافتريس، بيت سوى، حزة، حمورية، زملكا، سقبا، عين ترما، كفربطنا، جسرين والمحمدية.
مدير المصالح العقارية في ريف دمشق كان قد قال لصحيفة الوطن شبه الرسمية، في أيلول 2019، إن هناك 310 سجلاَ عقارياً مفقوداً في عربين من أصل 898 سجلاً. وأكد المدير أن العمل جار على جمع الوثائق العقارية، تنفيذاً لتعليمات القانون 33 لعام 2017 الخاص بتنظيم إعادة تكوين الوثائق العقارية التالفة أو المفقودة. ولم يحدد المدير موعداً لانتهاء العملية مبرراً ذلك بسبب “كثرة الوثائق العقارية المفقودة فيها”.
وكانت وزارة الإدارة المحلية قد أصدرت القرار رقم 5 لعام 2019 لإعادة تكوين الوثائق العقارية التالفة أو المفقودة، بحسب أحكام القانون رقم 33 لعام 2017. ومن المفترض بعد انتهاء اللجان المشكلة بموجب القرار 5\2019 من جمع الوثائق، أن يصدر قرار إداري باعتماد السجلات الجديدة، وفي حال عدم اكتمال الثبوتيات سيحال الموضوع إلى القضاء.
المديرية العامة للمصالح العقارية سبق وأصدرت القرار رقم 1 في آذار 2019، باستئناف أعمال التسجيل والتوثيق العقاري للحقوق العينية العقارية في مصالح عربين العقارية، بعدما توقفت تلك الأعمال منذ نهاية يوم 17 تموز 2012. واقتصر العمل منذ تموز 2017 إلى اذار 2019 بتسجيل الوقوعات العقارية في سجل مكمّل نُظّمت أحكامه لاحقاً بالمرسوم التشريعي رقم 11 لعام 2016. وربط القرار رقم 1\2019 إعادة العمل في مكتب التوثيق العقاري في عربين، بالانتهاء من نقل محتويات العقود العقارية المدونة في السجل المكمل إلى الصحائف العقارية. وهو ما لم ينجز بعد. وأكد القرار على أن العمل في مصالح عربين العقارية يقتصر على العقارات التي لم تتعرض صحائفها العقارية للضرر.
ورجّح مصدر حقوقي من عربين في حديثه لسيريا ريبورت، بأن مصدر التأخير القائم حالياً يعود لجهة قيام مديرية المصالح العقارية بعمليتين عقاريتين في الوقت ذاته؛ رقمنة السجل العقاري، وأيضاً إعادة تكوين الصحائف العقارية التالفة أو الضائعة. تراكب العمليتين، وسط هذا الضياع الكبير للسجلات وأيضاً عدم وضوح آليات العمل التنفيذية، بحسب المصدر، هو الذي قاد مؤخراً إلى عودة مكتب التوثيق العقاري إلى عملية التحديد والتحرير لبعض العقارات. والتحديد هو تعيين حدود العقار على الأرض بوجود قاضٍ، وتجسيد الحدود بعلامات واضحة وبارزة في المكان. في حين أن التحرير هو إنشاء وثيقة تُبين وضع العقار، يتم بموجبها فتح صحيفة خاصة في السجل العقاري. والعودة إلى التحديد والتحرير، تعني العودة إلى الخطوة الأولى في أي عملية توثيق عقاري، وسط محاذير كبيرة تخص حقوق الملكية وتتعلق بحجم الدمار الكبير على الأرض وطمس حدود الملكيات، وأيضاَ غياب الكثير من أصحاب الحقوق المُهجّرين قسرياً.
وكانت قوات النظام وبعد انسحابها من عربين، قد قصفت في تموز 2012، بعض المواقع الحكومية والرسمية ومنها مكتب التوثيق العقاري. وتسبب القصف باحتراق بعض السجلات قبل أن تتمكن المعارضة والأهالي من إخماد النيران. وخشية على السجلات من حوادث مماثلة، فقد تم نقلها إلى موقع آمن تحت الأرض. وفي العام 2015، ونتيجة تعرض تلك السجلات للرطوبة، بدأ نشطاء بشكل طوعي، توثيق تلك السجلات خوفاً علها من التلف.
العملية بدأت بتصوير جميع صفحات كل سجل عقاري ضوئياً، مع ما تحتويه من وثائق. النشطاء التقطوا الصور بدقة، وأعادوا أرشفة تلك السجلات بحسب توزيعها الإداري والعقاري. وتم حفظ تلك الصور في وحدات تخزين خارجية “هاردات”.
وكان وسطاء عن النظام قد فاوضوا المعارضة في عربين، في عدة مراحل خلال حصار الغوطة 2012-2018، لتسليمهم السجلات العقارية الورقية مقابل فك الحصار جزئياً وتزويد المدينة بالطحين والمازوت لتشغيل الأفران. المجلس المحلي لعربين رفض ذلك الطلب حينها، تخوفاً من إمكانية التلاعب بالوقوعات العقارية أو تزوير السجلات.
في العام 2017 قرر المجلس المحلي لمدينة عربين، التابع للمعارضة، تحويل السجلات من نسخة أرشيفية مؤلفة من صور ضوئية إلى نسخة مؤتمتة تفاعلية ضمن برنامج خاص بالوقوعات العقارية، أشرف على تصميمه مهندس معلوماتية. ولكن الحملة العسكرية الأخيرة لقوات النظام على الغوطة الشرقية مطلع العام 2018 تسببت بوقف العمل. وبعد التهجير القسري لرافضي المصالحة مع النظام، اصطحب أعضاء المجلس المحلي وحدات التخزين معهم إلى الشمال السوري، لكنهم تركوا خلفهم السجلات الورقية في عربين.
المسؤول عن أتمتة السجلات، أكد لمراسل سيريا ريبورت، أنه تم الاحتفاظ بالسجلات العقارية لعربين السابقة على العام 2012، ولم يُدوّن عليها أية وقوعات عقارية حصلت خلال فترة حصار الغوطة 2012-2018، وذلك بغرض “حفظ الحقوق وعدم تشويه السجلات”، وأضاف: “تسجيل الوقوعات لا يكتمل إلا بتدوينها في سجلات المديرية العامة للمصالح العقارية بدمشق”. ولذلك، فقد تمّ التركيز في التوثيق على حفظ مضمون السجلات قبل العام 2012.
ومن المفترض أن السجلات التي ارشفتها المعارضة تضم نسبة كبيرة من السجلات التي أعلنت مديرية المصالح العقارية عن فقدانها في عربين. ويشكل وجود تلك الوثائق ضماناً للحقوق خلال عملية رقمنة السجلات، أو إعادة تكوينها.