مفتاح: موقف القانون السوري من التنازل عن الملكية العقارية بالإكراه
كثرت خلال السنوات الماضية، في مناطق سيطرة حكومة دمشق، عمليات استيلاء على الملكيات العقارية بالإكراه، عبر الضغط على أصحابها للتنازل عنها أو بيعها بأسعار بخسة. وغالباً ما يقوم بعمليات الإستيلاء هذه، أشخاص نافذين تدعمهم جهات أمنية أو عسكرية.
القانون المدني حدد أركاناً لا بد من توافرها حتى يعتبر عقد البيع صحيحاً، ومنها الرضى. إذ يعتبر عقد البيع من العقود الرضائية، التي يلتزم بموجبها البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء، مقابل ثمن.
في المقابل، يُشكّلُ الإكراه عيباً من عيوب الإرادة، بحسب القانون. وهذا العيب في حال تواجده يجعل من عقد البيع باطلاً أو قابلاً للإبطال. وعرّفت محكمة النقض، في قرارها رقم 3182/10376 عام 1991، الإكراه بأنه استعمال وسيلة إكراه على شخص، تُحدث في نفسه رُهبّة، ما يدفعه لقبول أمر لم يكن ليقبله مختاراً.
والاكراه، إما أن يكون مادياً من خلال تنفيذ وسيلة الإكراه فعلياً كالضرب والتعذيب والخطف، أو يكون معنوياً عبر التهديد بإيقاع الخطر كالتهديد بالقتل والخطف. من هنا فقد اشترطت المادة 128 من القانون المدني أن الرهبة التي تحدث في نفس الشخص، من شأنها أن تجعله يتصور وقوع خطر جسيم محدق يتهدَّدَه شخصياً أو يهدد غيره في الحياة أو الجسم أو الشرف أو المال. وأكد على ذلك الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض رقم 1805/569 عام 1971، إذ اعتبر أن الغاية من استعمال وسيلة الإكراه هي إحداث رهبة في النفس، تُصوّرُ للشخص أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده، فيضغط على إرادته بحيث لا يترك له حرية الاختيار، فيوقع العقد تحت سلطانها.
وحدد نص المادة 128 من القانون المدني العوامل التي تؤخذ بعين الاعتبار عند الادعاء بالإكراه ومدى تأثيرها على الشخص، ومنها جنسه وعمره وحالته الاجتماعية والصحية، وكل ظرف من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه. ووفقا لنص المادة 128، يترتب البطلان على التصرف الذي وقع تحت الإكراه من بيع أو تنازل. ولذلك يستطيع من تعرض لإكراه دفعه للتنازل عن ممتلكاته العقارية أن يقيم دعوى إبطال تلك التصرفات. ويمكن إثبات الإكراه الذي تعرض له الشخص بكافة وسائل الإثبات الممكنة، ومنها الشهود.
كما اعتبر قانون العقوبات في المادة 635، أن فعل الإكراه يُشكّل جريمة “إكراه الغير على القيام بفعل يضر بثروته”. وبالتالي يكون للمُكرَه، الخيار في أن يقيم دعوى مدنية لإبطال التصرف، أو دعوى جزائية لإبطال التصرف وتجريم من ارتكب فعل الإكراه.
ومن حيث توصيف جريمة الإكراه، فقد حدد لها القانون وصفاً جنحياً، وفرض عقاباً على الفاعل بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، والغرامة. وتصبح تلك الجريمة جنائية الوصف، ويفرض على الفاعل عقوبة الأشغال الشاقة، إذا كان حاملاً سلاحاً هدد به المجني عليه أثناء ارتكاب الجريمة.
نظرة جندرية:
عند توزيع الإرث، تسجل كثير من الحالات التي تتنازل فيها النساء عن حصصهن، لمصلحة الذكور في العائلة. ويتم ذلك وفق مبدأ التخارج في قانون الأحوال الشخصية، وهو عبارة عن تنازل أحد الأطراف أمام القاضي الشرعي عن حصته من الملكية أو الإرث، لقاء بدل ما. وغالباً، ما يكون ذلك البدل أقل بكثير من قيمة العقار الحقيقية. ويتم التخارج برضى جميع الأطراف. إلا أن هذا “الرضى” للمرأة في التنازل عن حصتها في الإرث، غالباً ما يكون بموجب العرف الإجتماعي، أو الإكراه العائلي. هذا التخارج يمكن اعتباره نوعاً من أنواع التنازل بالإكراه.