مفتاح: ملكية الدولة للأراضي الأميرية
أتاحت بعض القوانين السورية، في حالات خاصة، إمكانية تحويل حق الانتفاع والتصرف بالأرض الأميرية إلى حق تملكها. كما أتاحت قوانين أخرى للدولة استعادة تلك الأراضي في حالات خاصة، وهو ما يمكن استخدامه وفق أجندات سياسية. وهنا، يمكن التساؤل عن أصل ملكية الدولة للأرض الأميرية، ومشروعية ذلك.
إذ ما زال الخلاف قائماً على أصل ملكية الأراضي الأميرية؛ بين من يعتبرها أراضي وقفية في يد المتصرفين بها مقابل أجر “ضريبة” يدفعونه للدولة، وبين من يعتبرها ملكاً لأصحابها لهم حق بيعها وإرثها واستثمارها على أن تستقطع الدولة ضريبة منهم، وبين من يعتبرها ملكاً للدولة مع إعطاء أصحابها حق التصرف بها مقابل ضريبة.
أصل الأراضي الأميرية
نصّ قانون انتقال الأموال غير المنقولة “الأميرية” الصادر في العام 1928 على إعطاء ولي الأمر حق التصرف بهذه الأراضي، وتوزيعها للأشخاص، على أن تبقى ملكية الرقبة للدولة. وكرّس القانون المدني السوري رقم 84 لعام 1949، هذا المبدأ، وعرّف في مادته رقم 86، الأراضي الأميرية بأنها العقارات التي تكون رقبتها للدولة، ويجوز أن يجري عليها حق تصرف.
قانون أملاك الدولة الخاصة رقم 252 لعام 1959، صنّف أملاك الدولة الخاصة إلى 12 نوعاً أبرزها العقارات الأميرية. وبحسب القانون 252، يمكن أن تتحول الأراضي الأميرية، إلى عقارات محلولة عند إهمال استعمالها لمدة خمس سنوات.
تحويل الأراضي الأميرية إلى مُلك
يمكن أن تتحول الأرض الأميرية إلى مُلك، بإحدى الطرق التالية:
الطريقة الأولى نظمتها المادة 919 من القانون المدني رقم 84 الصادر عام 1949، ويمكن فيها للمنتفع بعد مرور 10 سنوات من تاريخ حيازته للأرض، تسجيل حق التصرف بالأرض الأميرية شريطة أن يبقى قائماً على زراعتها. وهنا، تبقى صفة الأرض زراعية لا يمكن إشادة الأبنية عليها إلا ضمن نطاق محدود، ولغايات زراعية، وذلك بحسب القرار رقم 785 الصادر في عام 2011 عن وزارة الإدارة المحلية، المتضمن الشروط الخاصة ببناء البيت الزراعي وفق مخططات تصنيف الأراضي.
والطريقة الثانية نظمتها المادة 15 من قانون السجل العقاري الصادر بالقرار رقم 188 لعام 1926، وذلك عندما يتم إدخال الأراضي الأميرية ضمن المخططات التنظيمية، فتزول عنها صفة الأميرية وتتحول إلى عقارات مُلك. أي أن القانون أقر تحوّل الأراضي الأميرية إلى ملك، بمجرد تنظيميها، ما يؤهلها للبناء عليها وإشادة مختلف أنواع المشاريع.
والطريقة الثالثة عبر الإصلاح الزراعي. وفي العموم، تخضع أراضي الإصلاح الزراعي لقانون انتقال الأموال الأميرية، لكن، التعديل الأخير لقانون الإصلاح الزراعي الصادر بالقانون رقم 61 لعام 2004، مَنَعَ المنتفعين من أراضي الإصلاح الزراعي من التصرف بالأرض الموزعة عليهم، إلا بعد مرور خمس سنوات من تسجيلها بأسمائهم في السجل العقاري، وبعد موافقة وزارة الزراعة. ويعني ذلك أن حق الانتفاع الممنوح للمنتفع من قانون الإصلاح الزراعي، يتحول إلى مُلكية تامة للأرض.
استرداد الدولة للأراضي الأميرية
القانون المدني منح المتصرف بالأرض الأميرية الحق في استغلالها واستعمالها وزراعتها كما يشاء، إلا أن المادة 775 نصّت على: “يسقط حق التصرف في العقارات الأميرية بعدم حراثة الأرض، أو بعدم استعمالها مدة خمس سنوات”، ويعني ذلك استردادها لتعود من أملاك الدولة.
مشروعية ملكية الدولة للأرض
عدم امتلاك الفلاحين للأرض ارتبط تاريخياً في منطقة الشرق الأوسط بالحاجة إلى السلطات المركزية لتنظيم عمليات الري التي يعجز الفلاحون عن القيام بها بأنفسهم. وتكرس ذلك مع الدول الإسلامية التي تعاقبت على المنطقة حتى انهيار السلطنة العثمانية مطلع القرن الماضي. وفرضت جميع تلك الدول الضرائب على المنتفعين من الأرض، لكنها لم تضمن لهم حق ملكيتها. وبالتالي، بقيت الأراضي الأميرية معضلة كبيرة وخللاً في العلاقة بين الدولة والفرد، بين الملكية العامة والملكية الخاصة.
الدولة السورية، ما بعد الاستقلال، وجدت في الأراضي الأميرية ثروة كبيرة رفضت التنازل عنها، على عكس بعض الدول المجاورة التي عرفت المفهوم ذاته وتجاوزته بنقل ملكية الأرض بشكل تام إلى المنتفعين منها كما في مصر. بل تصر الدولة السورية على ملكيتها لتلك الأراضي في تكريس لمفهوم متقادم عملياً وإدارياً، وأيضاً بالمعنى الحقوقي.
وهنا، يجب التوضيح، بـأن اكتساب الغير لحق الانتفاع والتصرف في الأراضي الأميرية، لا يؤثر بمشروعية أصل ملكية الدولة للأراضي الأميرية. فالأراضي الأميرية تعتبر من أملاك الدولة الخاصة وفق نص قانوني صريح. والدولة بذلك، هي الجهة الوحيدة المخولة بتحديد آلية التصرف بها. أي أن الدولة، بحسب القوانين السورية، بالفعل تملك الأراضي الأميرية، وتقوم بتوزيعها على من تريد، ويمكن لها استعادتها في حالات خاصة. أي، بحسب القوانين السورية، لا يُلغي تنازلُ الدولة في حالات معينة عن الأرض الأميرية أنها لم تعد تملكها.