مفتاح: مشروعية تداول عقارات المتهمين بـ”الإرهاب” في المزاد العلني
تعتبر محكمة الإرهاب كياناً استثنائياً لا يحقق مبادئ التقاضي العادل، ما ينعكس على مشروعية أحكامها بمصادرة أملاك المدانين من المتهمين أمامها. كما يؤثر ذلك، على تعامل الغير مع أحكام المحكمة، كالمشترين في المزاد العلني لأملاك المحكوم عليهم.
ومحكمة الإرهاب مشكلة من ضباط لا قضاة، لا توفر الضمانات التي تقرها المبادئ القانونية للمتهم؛ كالحق في الدفاع وتوكيل محامٍ، والعلنية في الإجراءات، والتقاضي على درجتين. وبالاضافة إلى ذلك، فمحكمة الإرهاب تصدر أحكامها بدوافع سياسية.
توجب المادة 12 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 19/2012 على محكمة الإرهاب أن تصادر الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتهم المدان المحكوم عليه أمامها. وفي التنفيذ، وبعد أن يصبح قرار الإدانة مبرماً لا يقبل الطعن، ترسل المحكمة كتاباً إلى إدارة أملاك الدولة التي تتولى تنفيذ المصادرة، بطريقتين: إما بنقل ملكية العقار وتسجيله على اسم الجمهورية العربية السورية لدى مديرية المصالح العقارية، أو بيعه بالمزاد العلني عن طريق القضاء.
والمزاد العلني عملية تقوم بها دائرة التنفيذ، التي يرأسها قاضٍ في الدائرة القضائية في كل منطقة، سداداً لقيمة دين مستحق الأداء، بموجب سند تنفيذ “حكم محكمة”. وتبدأ تلك الإجراءات بالدعوة إلى جلسة مزاد علني، تحت إشراف قاضي التنفيذ. ويتقدم للمزاد أكثر من شخص، ويرسو على صاحب السعر الأعلى. وبعدها، يُصدر القاضي قراره بتسجيل العقار باسم من رسا عليه المزاد. ثم ترسل دائرة التنفيذ كتاباً بذلك إلى السجل العقاري، لتنظيم عقد يتضمن نقل وتسجيل ملكية العقار باسم المشتري.
ومن حيث المبدأ، فإن إجراءات البيع بالمزاد العلني صحيحة، نظراً لأنها تمت وفقاً للأصول القانونية المتبعة في تنفيذ الأحكام القضائية. إلا أنه يمكن الطعن بشرعية تلك الإجراءات، وفق المبدأ القانوني القائل أن ما بُني على باطل فهو باطل، وذلك نتيجة استنادها إلى حكم استثنائي من محكمة مشكوك بحياديتها.
ويمكن نظرياً لأصحاب الحقوق من المدانين أمام المحكمة، إبطال عملية التسجيل في السجل العقاري. إذ يمكن لصاحب الحق الأصلي إثبات سوء نية المشتري، لابطال تسجيل أملاكه المصادرة منه باسم من المشتري الذي رسا عليه المزاد العلني. إذ أنه بحسب إجراءات البيع بالمزاد العلني، يجب أن يطّلع المتقدم للمزاد على سند التنفيذ، أي الحكم الصادر عن محكمة الإرهاب. وهنا، لا يمكن للمشتري أن يحتج بمبدأ حسن النية وعدم معرفة أصل السند.
قانون السجل العقاري رقم 188 لعام 1926 والمعدل في العام 2008، في مادته الـ13، توضح بأن التذرع بحجة الملكية المستندة إلى قيود السجل العقاري، ليس جائزاً لمن عَرَفَ بوجود عيب أو سبب لنزع الحق من مُكتسبهِ. كما اعتبرت المادة 14 من القانون، أن التسجيل في السجل العقاري يُعدُّ مغايراً للأصول إذا أجري بدون حق، وكل من يتضرر من معاملة التسجيل يمكنه الادعاء مباشرةً بعدم قانونية التسجيل، على الشخص الثالث سيئ النية.
وقد أكدت محكمة النقض بقرارها رقم 292 بتاريخ 27 أيار 1962 بأنه لا يجوز للغير التذرع بمفعول السجل العقاري، ما دام قد علم بالشوائب التي تشوبه.
وهذا ينطبق على من اشترى عقاراً بموجب مزاد علني يستند على حكم صادر عن محكمة الإرهاب. ويمكن، لإبطال التسجيل المستند إلى سوء نية، رفع دعوى فسخ التسجيل العقاري في مواجهة الشخص سيء النية. والأمر ذاته، ينطبق على العقارات التي تجري مصادرتها بموجب أحكام محكمة الإرهاب، ويتم تسجيلها باسم الجمهورية، إذ يمكن أيضاً إقامة دعوى فسخ التسجيل استناداً إلى نفس الأسباب.
ونظراً لكثرة أحكام سلب الملكية العقارية لأسباب سياسية، بموجب وسائل غير قانونية، يمكن أن تدرج عملية استردادها لأصحاب الحقوق، ضمن برنامج وطني لرد الملكيات العقارية المُصادرة أو المباعة بالمزاد العلني.