مفتاح: مخطط مدينة حلب التنظيمي
أول معالم معروفة لمدينة حلب تعود إلى فترة الحكم اليوناني، وكانت تسمى حينها بيرة. المدينة كانت حينها ذات شكل شطرنجي، بنيت حول القلعة، وبقي منها إلى اليوم حي الجلوم وشبكة الأسواق التجارية ضمن أسوار القلعة. في العهد البيزنطي، توسعت المدينة وظهر حيا بحسيتا والفرافرة. في منتصف القرن الثالث عشر، ظهرت ضواحي خارج أسوار القلعة مثل حي المصابن والدباغة. وفي مطلع القرن السادس عشر، ظهرت أحياء المشارقة والكلاسة وباب المقام وباب النيرب وبانقوسا، وحي المرعشي كتجمع للأتراك القادمين من مرعش، ونشأت ضواحي للمسيحيين في الصليبة الكبرى والصغرى والجديدة. خلال هذه الفترة ظهرت أحياء جديدة تحمل اسم الصناعات الرئيسية القائمة فيها مثل قبو النجارين، البياضة والقزازين.
وتعود أول محاولة لتنظيم مدينة حلب إلى المرحلة المتأخرة من العهد العثماني. في العام 1867 تأسست أول بلدية في المدينة التي بلغت مساحتها حوالي 550 هكتار. في العام 1882 كلّفت السلطات العثمانية المهندس الألماني يونغ، بوضع أول مخطط تنظيمي لمدينة حلب. يونغ، اعتمد مبدأ الشوارع العريضة والتخطيط الشطرنجي للمدينة، وأنجز مخططه في العام 1899. دائرة الشؤون الفنية في حلب اعتمدت المخطط في العام 1915.
ويعود تنظيم مدينة حلب الحديثة إلى العام 1954، على يد المعماري الفرنسي غوتون، الذي أشرف على رسم مخطط تنظيمي بطابع عمراني غربي، تسود فيه الشوارع العريضة والمباني الطابقية، ويصل مركز المدينة بمناطق توسعها العمراني الحديثة. بموجب هذا المخطط جرى شق شوارع منها ذلك الذي وصل بين الجامع الأموي وبين القلعة، ما تسبب بهدم جزئي أو كلي لبعض الأبنية الأثرية ومنها حمام الواساني، خان الوزير، خان الصابون، المطبخ العجمي والمدرسة الشرفية.
في العام 1974 وضع الخبير الياباني بانشويا، مخططاً تنظيمياً جديداً لحلب أثار كثيراً من الاعتراضات. بالاستناد إلى المخطط بدأت بلدية حلب العمل على إقامة مركز جديد للمدينة، على جزء من المدينة القديمة الأثرية. وكلفت البلدية الوحدة الهندسية في كلية الهندسة المعمارية بجامعة حلب، بدعم من مؤسسة الإسكان العسكرية، في وضع دراسة للمشروع الذي سمي بمشروع باب الفرج، الذي تضمن إشادة أبنية طابقية عالية وشوارع عريضة. وبالفعل استملكت البلدية أكثر من نصف مساحة المنطقة المخصصة للمركز الجديد، وبدأت بموجبه تنفيذ كتل أبنية شارع عبد المنعم رياض. وأثناء الأعمال التحضيرية لتنفيذ المشروع، عثرت الورشات على أجزاء من سور باب الفرج الأثري القديم الذي يمتد من ساحة باب الفرج حتى باب النصر.
بعد ذلك جرى تسجيل المدينة القديمة لائحة التراث العالمي، وسجّلت وزارة الثقافة الأحياء داخل أسوار القلعة كمناطق أثرية يمنع فيها الهدم والبناء ويسمح فقط بالترميم، بموجب القرار رقم 47 لعام 1979. ترافق ذلك مع إصدار منظمة اليونسكو تقريرين متعاقبين في العامين 1979 و1980، دعت فيهما للحفاظ على المدينة القديمة في حلب. كما أن الندوة العالمية لحماية حلب القديمة التي عقدها فرع حلب لنقابة المهندسين في العام 1983، دعت إلى المحافظة على النسيج العمراني التقليدي لمدينة حلب القديمة مع تبني أفكار جديدة لتأمين الخدمات فيها.
وزارة الثقافة عادت وأصدرت القرار رقم 15 لعام 1986 الخاص باعتبار بعض الأحياء خارج الأسوار القديمة مناطق أثرية أيضاً، يمنع البناء والهدم فيها. كما تشكّلت لجنة لحماية المدينة القديمة. تصاعد الاعتراضات المحلية على مشروع باب الفرج، تسبب بالفعل في إيقاف تنفيذه، وإلغاء بانشويا التنظيمي، وتشكيل مكتب خاص بالمدينة القديمة في إدارة مدينة حلب.
في العام 2001 بدأت الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية دراسة المخطط التنظيمي الجديد بمساحة 41,000 هكتار. وأضيف بموجب المخطط الجديد 20 ألف هكتار لتغطية حاجات التوسع حتى العام 2015؛ منها 4 آلاف هكتار للمنطقة الصناعية في الشيخ نجار، و8 آلاف هكتار للتوسع العمراني السكني، و5 آلاف هكتار كمناطق سياحية خضراء، و3 آلاف هكتار كمناطق حماية حول المدينة.
الشركة العامة للدراسات والاستشارات الهندسية أنجزت المخطط التنظيمي لحلب في العام 2004، ولكنها أغفلت فيه بعض النقاط الرئيسية التخطيطية مثل النقل، الخدمات، الأنشطة الاستثمارية. وبناء على ذلك، تعاقدت بلدية حلب مجدداً مع الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية لتحديث المخطط التنظيمي، بالتزامن مع إصدار الدراسات التنظيمية التفصيلية.
وأعيد إصدار المخطط التنظيمي العام لمدينة حلب أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، بغرض تلقي الاعتراضات عليه ودراستها، ضمن الآلية الدورية لإصدار المخططات التنظيمية. في العام 2018 صدر المخطط لأخر مرة، قبل مصادقة المكتب التنفيذي لمحافظة حلب النهائية عليه. وبالفعل، صدر المخطط التنظيمي العام الجديد لمدينة حلب، بقرار وزير الأشغال العامة والإسكان رقم 2650/ص في نيسان 2022، باحتوائه على 30 منطقة للتوسع السكاني. المخطط تضمن منطقين للتطوير العقاري؛ الحيدرية بمساحة 80 هكتاراً على أن تستوعب 7,300 وحدة سكنية، وتل الزرازير بمساحة 60 هكتاراً على أن تستوعب حوالي 6 آلاف شقة. كما ثبّت المخطط بعض المناطق الصناعية كما في خان العسل. وصدر أيضاً في الفترة نفسها المخطط التنظيمي التفصيلي لعشوائية كرم الجزماتي في حلب الشرقية، وأضيف إلى المخطط التنظيمي العام المصدق لمدينة حلب.