مفتاح: كيف حوّل القانون 40 مخالفة البناء إلى جناية؟
نصت المادة الثانية من المرسوم 40 لعام 2012 الخاص بإزالة مخالفات البناء، على إزالة الأبنية المُخالفة، المُشادة بعد صدور المرسوم، مهما كان نوعها وموقعها وصفة استثمارها أو استعمالها، وذلك بالهدم وترحيل الأنقاض على نفقة كل من كانت المخالفة لمصلحته. وكذلك، فرضت المادة الثانية غرامة مالية على كل من تثبت مسؤوليته عن إشادة المخالفة؛ من المالك أو الحائز أو المتعهد أو المشرف أو الدارس للبناء أو القائم بالتنفيذ، وكذلك من العاملين بالجهة الإدارية المقصرين في أداء واجبهم بالرقابة أو قمع المخالفة.
كما وردت في المادة الثانية، الحالة الخاصة التالية: إذا كان البناء المُخالف غير حائز على المتانة الكافية ما قد يُعرّضه للانهيار، وذلك بحسب تقرير لجنة السلامة العامة بالمحافظة، عندها يُعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل من تثبت مسؤوليته عن المخالفة. وفي حال انهيار البناء والتسبب بوفاة شخص أو أكثر، لا تقل حينها العقوبة عن عشر سنوات أشغال شاقة وثلاثة أضعاف الغرامة المحددة، بالإضافة إلى الحقوق المدنية لورثة المتوفى.
أي أن المرسوم 40 تدرّج في فرض العقوبات بحق المسؤولين عن إشادة مخالفة البناء؛ من مجرد مخالفة تستحق الغرامة، إلى جنحة تستحق السجن لأقل من ثلاثة سنوات، إلى جناية تستحق السجن لأكثر من ثلاث سنوات أو بالأشغال الشاقة المؤقتة. وفي القانون تعتبر الجناية من أخطر الجرائم كالقتل، في حين أن الجنحة هي عمل إجرامي أصغر كالسرقة، بينما تعتبر المخالفة أدنى الجرائم بالنظر إلى قلة الضرر المترتب عليها.
ويبدو هنا بأن ثغرة قانونية في المرسوم 40 في حالة خاصة، تتحول فيها المخالفة إلى جناية، من دون إرادة مرتكبها وبغض النظر عن مخالفة البناء الأصلية. والحالة هي: إذا تعرّضُ بناء مخالف مشاد بعد صدور المرسوم للانهيار أو خطر الانهيار، لا بسبب نقص المتانة عند الإنشاء، بل بسبب القصف والعمليات القتالية أو آثار القصف المتبقي.
وبدل تحميل المسؤولية للمسؤولين فعلياً عن تضرر البناء بالقصف يُحمّلُ المرسوم 40 المسؤولية القانونية عن الانهيار أو خطر الانهيار للمسؤولين عن إشادة البناء المخالف.
ومنذ صدور المرسوم 40 في العام 2012، كثير من المباني المُشادة بشكل مخالف بالأصل انهارت بعدما تعرضت للتصدعات بسبب القصف المباشر أو آثار القصف غير المباشر. وتتكرر بين فترة وأخرى، حملات إزالة العقارات المهددة بالانهيار، بالاستناد إلى القانون 40، وهي تشمل عقارات نظامية وأخرى مُخالفة. وليس معروفاً إذا تمت إدانة أحد بموجب أحكام القانون 40 في حالات مماثلة.
هذه المنطقة الرمادية التي يربط فيها المرسوم 40 بين مخالفات البناء المهددة بالانهيار، أو التي تعرضت للانهيار، بسبب مجريات الحرب ما زالت قائمة. على سبيل المثال، في حلب الشرقية نحو ثلاثة آلاف مبنى مهدد بخطر الانهيار، بحسب تقرير للجنة السلامة العامة صادر في العام 2020. رئيس اللجنة، رجح في أيلول 2020، احتمال حدوث الانهيارات بسبب “الخلل في الإنشاءات الهندسية والمواد المستخدمة في البناء”. ويعني ذلك تحميل أصحاب المخالفات مسؤولية الانهيار، وبالتالي تطبيق العقوبات المشددة بحقهم، وتجاهل القصف المكثف الذي تعرضت له حلب الشرقية من قبل قوات النظام خلال فترة سيطرة المعارضة عليها بين العامين 2012-2016.
وما زالت أحكام المرسوم 40 سارية، ولم تخضع لأي تعديل رغم وجود هذه الثغرة. والملفت هنا، أنه بعد 6 أعوام على صدور المرسوم 40، صَدَرَ القانون رقم 3 لعام 2018 الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها. والقانون 3، وضع في مادته الأولى تعريفاً عاماً للمباني المتضررة، الواجب إزالة أنقاضها: وهي المباني المتهدمة بسبب العوامل الطبيعية أو غير الطبيعية أو بسبب خضوعها لأحكام القوانين النافذة التي تقضي بهدمها. أي أن القانون 3 لم يتعامل بشكل مباشر مع مخالفات البناء ولم يعاقب المسؤولين عنها، ولكنه قونن إزالة أنقاض الأبنية المخالفة التي تم هدمها بموجب أحكام المرسوم 40.