مفتاح: حُسن النية في البيوع العقارية
يُعدّ مبدأ حُسن النية ركيزة أساسية، ومبدأُ قانونياً، في جميع مراحل التعاقد، ويُعمل به كثيراً في مجال البيوع العقارية. ويُقصد بحسن النية، تنفيذ المتعاقدين التزاماتهم الناشئة عن التعاقد، بأمانة ونزاهة وعدم الغش.
وقد راعى القانون المدني حقوق المشتري حسن النية وذلك ارساءً لمبدأ استقرار المُعاملات في المجتمع. إذ لا يمكن استقرار التعاملات القانونية إذا لم يعترف القانون بحقوق المشتري حسن النية، لكونه صاحب حق مكتسب مستند إلى سبب صحيح.
المادة 13 من قانون السجل العقاري أقرّت مبدأ جوهرياً مفاده أن كل من يكتسب، بحسن نية، حقاً في عقار، بالاستناد إلى قيود السجل العقاري، فلا يمكن انتزاع هذا الحق منه لأي سبب. على سبيل المثال، إذا باع شخص عقاره مرتين: لمشترٍ أول بموجب عقد بيع من دون توثيقه في السجل العقاري، وبعدها لمشترٍ ثانٍ بموجب عقد بيع تم توثّيقه في السجل العقاري، حينها يتم إعمال مبدأ حسن النية. أي إذا كان المشتري الثاني حسن النية لا يعلم بوجود مشترٍ أول للعقار، يبقى العقار على اسم المشتري الثاني ولا يمكن انتزاع الملكية منه. ولكن، إذا كان المشتري الثاني يعلم بوجود المشتري الأول، وأقدم على شراء العقار، فعندها يعتبر المشتري الثاني سيء النية، ويمكن الاحتجاج عليه بدعوى فسخ التسجيل. إذ أن تسجيل العقار على اسمه يعتبر دون وجه حق، ومغايراً للأصول، وفقاً للمادة 14 من قانون السجل العقاري.
وأكد الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض على أن حسن النية هو شرط أساسي لصحة تسجيل العقار في السجل العقاري. وسوء النية يعني الغش، والغش يُفسدُ التصرف، وفقاً للاجتهاد القضائي رقم أساس 535 قرار 87 لعام 2001.
وعلى سبيل المثال، إذا باع شخص مديون عقاراً لزوجته بيعاً صورياً من دون ثمن، وذلك كي يتهرب من دفع أموال دائنيه، وتم نقل الملكية في السجل العقاري على اسم الزوجة، يمكن حينها للدائنين إبطال عملية نقل الملكية، رغم أنها تمت وفقاً للأصول القانونية. الأمر ذاته ينطبق على حالة أب باع عقاره صورياً لأحد أبنائه وتم نقل الملكية في السجل العقاري على اسم الابن، وذلك لحرمان بقية الورثة من التركة. في الحالتين، يمكن للدائنين وللورثة، رفع دعوى فسخ التسجيل، لإبطال تلك التصرفات، وإثبات أن البيع جرى من دون دفع الثمن. ويمكن للمدعين إثبات تلك الصورية، بجميع طرق الإثبات، بما فيها شهادة الشهود، بحسب ما أكدته محكمة النقض في القرار 729\623 لعام 1977.
كما أن الأصل في القانون المدني، بأن العقود الناقلة للملكية لا تعتبر نافذة إلا من تاريخ تسجيلها، وبالتالي فإن الأفضلية في حال اجتمع أكثر من مشترٍ لعقار ما، تكون للأسبق بالتسجيل في السجل العقاري، إلا إذا كان التسجيل قائماً على الغش وسوء النية.
كما أن القاعدة القانونية القائلة بأن العقد شريعة المتعاقدين، توجب أيضاً تنفيذ العقد بما يتفق مع موجبات حسن النية، بعيداً عن الخداع والغش. ومن هنا ينبغي على البائع أن يقوم بكل ما هو ضروري لنقل ملكية العقار المُباع إلى المشتري، وأن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يجعل نقل الملكية مستحيلاً، كأن يقوم ببيعه لمشترٍ ثانٍ حسن النية. وهنا، يحق للمشتري الأول مطالبة البائع بفسخ العقد، والتعويض.
أيضاً، إذا اشترى شخص عقاراً له قيد صحيح في السجل العقاري، ولكن من بائع ملكيته للعقار تستند إلى عقد مزوّر، وتم نقل الملكية إلى اسم المشتري، فيعتبر حينها نقل الملكية صحيحاً. إذ اعتبر الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض في القرار 1047\1811 لعام 1981، أن ذلك المشتري حسن النية، لا يعلم بوجود ذلك العيب الذي يشوب ملكية البائع، لأنه قد استند في عملية الشراء إلى قيود السجل العقاري. فالحق هنا مستمد من قيود السجل العقاري، لا من عقد الملكية المزوّر الذي تملّك بموجبه البائع. وهنا يمكن للمتضرر، مقاضاة البائع المزوّرِ بدعوى شخصية للتعويض.
كما يمكن إعمال مبدأ حُسن النية في إبطال التصرفات القانونية والتعاقدية التي جرت على عقارات متهمين بموجب أحكام محكمة الإرهاب. ويمكن نظرياً إبطال عملية التسجيل في السجل العقاري. إذ يمكن لصاحب الحق الأصلي إثبات سوء نية المشتري، لإبطال تسجيل أملاكه المصادرة منه باسم من المشتري الذي رسا عليه المزاد العلني. إذ أنه بحسب إجراءات البيع بالمزاد العلني، يجب أن يطّلع المتقدم للمزاد على سند التنفيذ، أي الحكم الصادر عن محكمة الإرهاب. وهنا، لا يمكن للمشتري أن يحتج بمبدأ حسن النية وعدم معرفة أصل السند.