مفتاح: النفع العام في الاستملاك بلا ضوابط
يعتبر النفع العام الغاية الأساسية من الاستملاك، فهو المبرر للتضحية بالملكية الفردية كمبدأ عام دستوري. ولا يجوز لأي جهة رسمية طلب الاستملاك، إلا إذا كانت تبتغي تنفيذ مشاريع ذات نفع عام، كما لا يجوز لها تغيير المشروع المراد إنجازه خلافاً لقرار النفع العام الذي صدر من أجله الاستملاك.
ويتسع نطاق النفع العام ليشمل جميع أنشطة الإدارة التي تنطوي على تأمين الخدمات العامة وتنظيم المرافق العامة وإنشاء البنى التحتية وإقامة المنشآت، وفقاً لما ينسجم مع الخطط والسياسة العامة للدولة.
ويشترط في النفع العام أن يصب في تحقيق مصلحة أشخاص أو فئات غير محددين، أما إذا كانت موجهة لفئة أو أشخاص، عندئذٍ تنتفي صفة العمومية عن المنفعة. وهذا ما أقرته المحكمة الإدارية العليا في اجتهادها رقم 409 لعام 1980، إذ اعتبرت أن مرسوم الاستملاك إذا كان لنفع أشخاص معينين بنوعية عملهم، وحتى لو كانوا غير محصورين، فهو غير محصن من الطعن لمخالفته الدستور والقانون ويبسط القضاء رقابته عليه.
إن التلازم الوثيق بين مرسوم الاستملاك ومفهوم النفع العام يجعل من الاستملاك الذي تنتفي عنه صفة النفع العام تعدياً على الملكية الخاصة. وهو ما أقرته محكمة القضاء الإداري في اجتهادها رقم 786 لعام 1996، عندما قالت إن “استملاك جزء من عقار بفرض شموله بالاستملاك فعلاً ورغم عدم الحاجة إليه في تنفيذ مشروع الاستملاك، إنما يعتبر عيباً جسيماً ينحدر بصك الاستملاك إلى درجة الانعدام”.
ورغم أن قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983 والاجتهادات القضائية، قد حددوا الخطوط العريضة للنفع العام وعلاقته بضرورة الاستملاك من عدمه، إلا أنهما تركا للإدارة المستملِكة صلاحية تقدير وجود المنفعة العامة بحد ذاتها، دون أن تبين ماهية تلك المنفعة أو المسوغات التي استندت إليها في تقدير ذلك. إذ يكفي أن تقرر الجهة الإدارية الحاجة إلى الاستملاك من منطلق ضرورات النفع العام. ويؤكد على ذلك الاجتهاد القضائي رقم 979 لعام 1978، بالقول إن “تقدير وجود النفع العام في الاستملاك متروك لتقدير الإدارة دون معقب عليها من القضاء”.
ولا شك أن تلك الصلاحيات الممنوحة للإدارة في تقدير وجود المنفعة العامة دون ضوابط قانونية أو قضائية يؤدي إلى تعسف الإدارة وتجاوزها على حقوق الملكية الفردية.
وقد تتأخر الجهة المستملكة في بعض الأحيان عن تنفيذ مشروع الاستملاك إلى درجة تزول معها المنفعة العامة التي صدر مرسوم الاستملاك لأجلها. ومع أن قانون الاستملاك لم يتطرق لهذه الحالة، إلا أن الاجتهاد القضائي المنشور بالعدد 9-10 من مجلة المحامون لعام 1999، أكد على أن “الاستملاك الذي هو نزع جبري للملكية، إنما شُرٍّع أصلاً من أجل تنفيذ المشاريع ذات النفع العام، وباعتبار أن الإدارة المستملكة لم تنفذ مشروع الاستملاك خلال ثلاثين سنة، ولذلك فإن فكرة النفع العام من استملاكه تكون منتفية وتنتفي معها مشروعية استملاكه”.
قانون الاستملاك وسع كثيراً من مفهوم الإدارة، فهي تشمل كلاً من الوزارات والإدارات والمؤسسات والعامة ووحدات الإدارة المحلية، كما تشمل أيضاً حزب البعث والمنظمات الشعبية. وتستطيع جميع تلك الجهات طلب الاستملاك لتنفيذ مشاريع ذات نفع عام، ثم يصدر بذلك مرسوم الاستملاك بناءً على اقتراح الوزير المختص، ويكون ذلك المرسوم مبرماً لا يقبل أي طريق من طرق الطعن، أي أنه خارج نطاق الرقابة القضائية.
لكن تعديل قانون الاستملاك الصادر بالمرسوم 11 لعام 1986، حصر إصدار الاستملاك بقرار من رئيس مجلس الوزراء، ويمكن تعديله أو إلغاءه بمرسوم من رئيس الجمهورية. وبالتالي فقد أصبحت الرقابة على قرارات الاستملاك من قبل رئيس الجمهورية. ومع ذلك، فهذا لا يرقى إلى مستوى الرقابة القضائية، التي يفترض أن تخضع لها جميع أعمال الإدارة. نظراً لما تتمتع بع السلطة القضائية من استقلالية، وهو ما يجعل منها صاحبة الاختصاص في تقرير المشروعية وفقاً لمقتضيات القانون والعدالة.
بالتالي فإن تحصين المنفعة العامة في الاستملاك عن الرقابة القضائية قد يؤدي إلى وقوع حالات استملاك دون مبررات فعلية. وهو ما يفرض وضع ضوابط قانونية على الاستملاك، عبر تعديل المرسوم 20 لعام 1983 وجعل الاستملاك خاضعاً لرقابة القضاء الإداري. ويتولى القضاء الإداري الفصل في المنازعات الإدارية التي تقوم الجهات والمصالح العامة من جهة والجهات والمصالح الخاصة من جهة أخرى، وتتعلق المنازعات الإدارية عادة بإلغاء القرارات الإدارية أو وقف تنفيذها، أو الحكم بالتعويض عن الضرر المترتب عليها، منعاً من وقوع أية تجاوزات على حق الملكية.