مفتاح: القضاء العقاري في سوريا
تعود نشأة القضاء العقاري في سوريا إلى قانون التحديد والتحرير رقم 186 لعام 1926. ومع عدم وجود تعريف واضح للقضاء العقاري ولا القضاة العقاريين، فإن القضاء العقاري يخرق مبدأ استقلالية القضاء بتبعيّته للسلطة التنفيذية.
ويُشرفُ القضاة العقاريون، بموجب القانون 186، على أعمال التحديد والتحرير للعقارات بدلاً من قضاة الصُلح “القضاء العادي”، وكذلك يفصلون في المنازعات الناجمة عن عمليات التحرير والتحديد. ووفقاً للقانون 186 فإن وزير العدل يعيّن القضاة العقاريين بقرار، بناءً على اقتراح من وزير الزراعة. ويتبع أولئك القضاء لوزارة الزراعة، وتُراقبُ المديرية العامة للمصالح العقارية أعمالهم.
إلا أن قانون القضاة العقاريين رقم 16 لعام 2014، أحدث تغييرات جديدة على عمل أولئك القضاة وآلية تعيينهم. وبات وزير العدل، بموجب القانون 186، يعيّن القضاة العقاريين بناء على اقتراح المدير العام للمصالح العقارية بدلاً من وزير الزراعة.
الملفت أنه في القانونين 186 و16، لم يرد بشكل صريح تعريف للقاضي العقاري أو القضاء العقاري، بل اكتفى القانونان بتحديد اختصاصات القضاة العقاريين وآلية تعيينهم. ويمكن استنتاج تعريف القضاء بالاستناد إلى القانون 16، بأنه القضاء الذي يمنح الشرعية لعمليات التحديد والتحرير، وتسجيل العقارات في صحف عقارية، والنظر في كافة المنازعات والاعتراضات المتعلقة بذلك.
وبناءً على ذلك، يعتبر القضاء العقاري ذا طبيعة خاصة؛ فهو يخرج عن ولاية القضاء العادي التابع لمجلس القضاء الأعلى الذي يُعيِّن القضاة ويفرض عليهم قرارات النقل والعزل، ويطبق عليهم قانون السلطة القضائية رقم 98 لعام 1961. بينما، يُطبّق على القضاة العقاريين، وفقاً للقانون 16، النظام الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004، ويتبعون للمدير العام للمصالح العقارية ويشكلون ملاكاً مستقلاً ضمن المديرية العامة للمصالح العقارية، ويرفعون تقاريرهم الدورية إلى المدير العام للمصالح العقارية. قرارات تعيين أو نقل أو عزل القضاء العقاريين، أو فرض العقوبات بحقهم، فهي من اختصاص وزير العدل. كما يتم تحديد عدد القضاة العقاريين في كل محافظة بموجب قرار من وزير الإدارة المحلية، بناءً على اقتراح المدير العام للمصالح العقارية.
وهذا يدل على التبعية المباشرة للقضاة العقاريين إلى السلطة التنفيذية. إذ أن الرئيس المباشر للقاضي العقاري هو المدير العام للمصالح العقارية، وهو أحد أعضاء السلطة التنفيذية. وهذا الأمر يشكل مخالفة صريحة لمبدأ الفصل بين السلطات. وينتهك ذلك مبدأ استقلالية القضاء الذي يوجب عدم التدخل في أعمال السلطة القضائية من قبل أية سلطة أخرى خاصة أن المهام والاختصاصات المناطة بها على درجة كبيرة من الأهمية لكونها تمس بشكل مباشر الحق في الملكية.
وبحسب القانون 16، يُعيّن القضاة العقاريون إما من بين موظفي مديري المصالح العقارية ممن يحملون إجازة في الحقوق وأمضوا خمس سنوات في ملاكها، أو من حملة الإجازة في الحقوق بناءً على مسابقة تجريها مديرية المصالح العقارية.
وفعلياً، يختص القضاة العقاريون بحسب القانون 16 بكل ما يتعلق بأعمال التحديد والتحرير والمنازعات الناشئة عنها، وأعمال التجميل العقاري، وأعمال إزالة الشيوع. بينما ليس من اختصاص القضاء العقاري النظر في في النزاعات المتعلقة بالملكية العقارية ومنها تثبيت البيوع العقارية. إذ أن تلك القضايا من اختصاص القضاء المدني أي محاكم الصلح والبداية المدنية، بحسب قانون أصول المحاكمات المدنية.