مفتاح: الغبن وأثره على حقوق السكن والأرض والملكية
الغبن هو غياب التعادل في الالتزامات المفروضة على المتعاقدين، عبر وقوع خلل واضح بين مقدار ما يأخذه أحدهما وبين ما يعطيه للآخر.
القانون المدني ركّز على حالات الغبن في عقود المعاوضة المُحددّة، هي العقود التي يترتب على كل طرف فيها التزام مادي محدد سلفاً تجاه الطرف الآخر، مثل عقد البيع الذي يلزم البائع بتسليم الشيء المباع، ويلزم المشتري بدفع الثمن المحدد.
بينما لا يتصور القانون المدني وقوع الغبن في عقود المعاوضة الاحتمالية التي ترتب التزاماً على طرفي العقد ولكنها لا تحدد حين انعقادها ما يأخذه أو يعطيه كل متعاقد، ومن ذلك عقود التأمين. وكذلك، لا يمكن تصور وقوع الغبن في عقود التبرع، كعقد الهبة، الذي يرتب التزاماً على عاتق الواهب فقط، وبالتالي لا مجال للحديث عن تعادل الالتزامات ووقوع الغبن في هذه العقود.
القانون المدني السوري تحدث عن نوعين من الغبن:
أولاً؛ الغبن المادي أو المجرد: وهو ضرر مادي يلحق بأحد طرفي العقد من جراء عدم التعادل في الالتزامات المتقابلة بين الجانبين. والقانون لا يتدخل للحماية من الغبن المجرد إلا في حالات حصرية تتعلق بكمال الأهلية وسلامة الرضا.
أبرز حالات الغبن المجرد في القانون المدني هي: بيع عقار لقاصر لم يتم الثامنة عشر من عمره، أو ناقص الأهلية، من قبله أو من قبل الولي أو الوصي عليه، بقيمة أقل من الخمس من قيمته الفعلية. والقانون هنا مبني على فكرة الاحتياط في ضمان حق ناقص الأهلية، ولا يمنع من استعمال هذا الحق إجراء البيع من قبل وصيه، بعد صدور الإذن الشرعي.
وكذلك من الغبن المادي، الغبن في قسمة المال المشترك. وأجازت المادة 799 من القانون المدني، للمتقاسم في عقار مملوك على الشيوع، أن يقيم دعوى يطلب فيها نقض القسمة، ويُثبت فيها أنه تعرض إلى غبن يزيد عن الخُمس من قيمة العقار وقت القسمة. ومدة إقامة الدعوى محددة بعام واحد فقط من تاريخ إجراء القسمة.
وقد منح القانون المدني للمدعى عليه الحق في أن يوقف سير الدعوى، ويمنع القسمة من جديد، إذا أكمل للمدعي نقداً أو عيناً النقص الحاصل. الادعاء بالغبن، يقتصر على القسمة الرضائية فقط، وهو غير جائز في القسمة القضائية بدعوى إزالة الشيوع، لأن الحكم القضائي الصادر بإزالة الشيوع يُفترض أنه عنواناً للحقيقة بين المتقاضين.
ثانياً؛ الغبن الاستغلالي: وهو أن يستغل أحد طرفي العقد حالة الطيش البيّن والهوى الجامح في نفس المتعاقد الآخر ويلحق به الغبن من خلال العقد المبرم بينهما، نتيجة غياب التوازن بين التزامات الطرفين، ولم يكن الطرف المغبون ليبرم هذا العقد لولا هذا الاستغلال من الطرف الآخر.
وتنظم أحكام الغبن الاستغلالي المادة 130 من القانون المدني. وتنص المادة على أنه إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة، بموجب العقد، أو لا تتعادل مع التزامات المتعاقد الآخر، جاز للقاضي، بناء على طلب المتعاقد المغبون، أن يبطل العقد، أو ينقص التزامات هذا المتعاقد. ويجب هنا اثبات أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيّناً، أو هوى جامحاً.
والطيش البيّن هو ضعف الاتزان فيما يقوم به الإنسان من أعمال، كما لو قام شاب بتبديد الأموال الضخمة التي ورثها، في أوجه غير نافعة. أما الهوى الجامح فهو ميل النفس إلى ناحية تغلب فيه العاطفة على الإرادة، كما لو تزوج مسن غني من فتاة شابة وأبرمت معه عقوداً يتنازل بموجبها عن ممتلكاته مستغلة ما به من هوى جامح تجاهها.
وخلافاً للغبن المجرد الذي وضع القانون المدني حداً معيناً لحالاته بأن يزيد عن الخمس، فليس هناك حد يتم به تقدير وقوع الغبن الاستغلالي. وإنما يكفي عدم التعادل بين التزامات الطرفين. ويعود لسلطة القاضي التقديرية تحديد وقوع الغبن. وينبغي أن يستعين بالخبرة وفقاً لطبيعة كل حالة. وقد أوردت محكمة النقض في اجتهادها، أنه يجب أن يكون الغبن فاحشاً لرفعه عن المغبون.
للمتعاقد الذي وقع ضحية غبن استغلالي أن يتقدم بدعوى بالغبن خلال سنة من تاريخ العقد، وتحكم له المحكمة المدنية المختصة، إما بإبطال العقد أو إنقاص التزاماته، ويمكن للمتعاقد الآخر أن يوقف دعوى الإبطال، إذا عرض على المحكمة رفع الغبن، ويعود تقدير ذلك للقاضي وفقاً للمادة 130 من القانون المدني.
القانون المدني السوري، الصادر في العام 1949، يجب تعديله، وتوسيع حالات الغبن الاستغلالي، والتي تضاف إلى الطيش البين والهوى الجامح، وإضافة حالة جديدة تتمثل في استغلال الحاجة أو الظروف، كما يحصل حالياً. إذ تنشط شبكات من المتنفذين وتستغل ظروف الملاحقة الأمنية للمعارضين وتقوم بشراء عقاراتهم بأبخس الأثمان. ويضطر أصحاب تلك العقارات إلى بيعها خوفاً من الحجز عليها ومصادرتها وفقاً لقانون الإرهاب، ما يلحق بهم غبناً فاحشاً من الطرف الآخر الذي استغل حاجتهم وظروفهم. ولذلك فإن العدالة تقتضي أن يمنح هؤلاء الحق في إقامة الدعوى لرفع الغبن الفاحش الواقع عليهم نتيجة بيع عقاراتهم والمطالبة بإبطال البيع أو تكملة الثمن خلال مدة محددة تبدأ بعد زوال خطر الملاحقة الأمنية.