مفتاح: استملاك حماة القديمة بعد تدميرها
لم تخضع الاستملاكات الواسعة ضمن مدينة حماة، في العام 1982، للكثير من التغطية الإعلامية والحقوقية، غالباً بسبب التغييب والاختفاء القسريين لمعظم أصحاب الحقوق أثناء اجتياح قوات النظام لمركز المدينة التاريخي. كما أن غياب الوثائق، والقرارات الرسمية المتعلقة بالاستملاكات، يشير إلى رغبة الجهات الرسمية السورية إلى طمس الموضوع.
وقد تسبب الاستخدام المفرط وغير المتناسب للقوة خلال العمليات العسكرية التي نفذتها قوات النظام، في شباط 1982، بغرض قمع الانتفاضة المسلحة في مدينة حماة، بتدمير بعض أحيائها السكنية والتجارية والتاريخية. وقد شهدت تلك الأحياء قصفاً عنيفاً بالطّيران الحربي، نظراً لما شهدته من مقاومة لقوات النظام. وبعد تسويتها بالأرض، استملكت الدولة الأراضي التي كانت تلك الأحياء مشادة عليها، ومنعت من بقي حياً من السكان من إعادة إعمارها. لا بل طُلِبَ ممن تبقى من أهالي المنطقة الانتقال إلى بيوت أقاربهم في الأحياء الأخرى، من دون تأمين مساكن بديلة، أو دفع أي تعويض لهم.
وتشمل المناطق التي خضعت للتدمير الكامل كلاً من أحياء الكيلانيّة، بين الحيرين، الزّنبقيّ، الشّرقيّة والباروديّة، وكانت تمتد على مساحات واسعة ضمن مركز مدينة حماة. حي الكيلانية كان أحد الأحياء الأثرية المشهورة بقصوره التاريخية.
مصدر حقوقي قال لسيريا ريبورت، إن قوات النظام استمرت بوضع يدها على تلك الأحياء، من دون أي مستند قانوني، حتى تشرين الأول 1986، عندما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 2462 باستملاك المنطقة بالاستناد لقانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983. وأكد المصدر الحقوقي أن قرار الاستملاك طال أيضاً عشرات العقارات غير المتضررة ضمن المدينة، والواقعة خارج الأحياء المدمرة، بسبب شبهات تتعلق بالتوجهات السياسية المعارضة للنظام لأصحاب الأملاك.
القانون 20 كان قد أعطى جميع الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، بما فيها وزارة الدفاع، حق الاستملاك للأملاك الخاصة بموجب النفع العام. وعدا عن عدم تحديد ما هو النفع العام المُتأتي من استملاك المنطقة، فقد تأخر قرار الاستملاك أربعة أعوام بعد تدمير تلك الأحياء، ما كان كافياً لتعفيش محتويات تلك الأحياء، وسحب أنقاضها وتدويرها من قبل قوات النظام. وبحسب مصدر حقوقي مطلع، لم يوضح قرار الاستملاك رقم 2462 من هي الجهة المُستملكة، ولا فنّد أسباب الاستملاك. قرار الاستملاك لم يرصد حتى الميزانية اللازمة لدفع تعويضات الاستملاك لمن بقي حياً من أصحاب الحقوق وورثتهم.
سيريا ريبورت لم تتمكن من العثور على أي نص إلكتروني منشور لقرار الاستملاك رقم 2462. مسؤول حكومي رفيع سابق من محافظة حماة، قال في حديثه لسيريا ريبورت، إن السريّة المتبعة في عدم نشر قرار الاستملاك حينها، تعود لأسباب أمنية بغرض التستر على حجم الدمار الذي لحق بالمدينة.
وبعد الاستملاك، أقيمت على أراضي حي الكيلانية مباني لجهات ومؤسسات عامة وحزبية كقيادة فرع شرطة حماة، وفرع حزب البعث، وفندق أفاميا والحدائق المحيطة به. في حين خصصت أجزاء من أراضي أحياء بين الحيرين والشرقية والبارودية، لإشادة دائرة الأحوال الشخصية، ودائرة البريد، وسوق شعبي ومدرسة بالإضافة لمحطة انطلاق حافلات عامة، وبعد العام 2003 أضيف إليها مشروع للسكن الشبابي.
وبعد أول زيارة للرئيس بشار الأسد إلى مدينة حماة، وفيما يُشبه مصالحة متأخرة مع المدينة المنكوبة، أصدر المرسوم رقم 123 لعام 2000، والذي نص على العودة عن قرار الاستملاك لبضعة مئات من العقارات المستملكة جزئيا أو كلياً، والمتناثرة بشكل عشوائي في المدينة والتي لم يتم البناء عليها. وشجّع ذلك كثير من الأهالي على رفع دعاوى لتحصيل حقوقهم المتأخرة 18 عاماً، بما فيها تعويض بدلات الاستملاك أو السكن البديل.
وعلى عكس قرار الاستملاك رقم 2462، تمكنت سيريا ريبورت من الاطلاع على نص المرسوم 123 المنشور في الجزء الأول من العدد 32 لعام 2000 من الجريدة الرسمية.
المسؤول الحكومي السابق من حماة، قال لسيريا ريبورت، إن أبرز مطالبات ممثلي الأهالي في حماة بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011، كانت العودة عن قرار الاستملاك رقم 2462 لجميع العقارات، والتعويض على أصحابها. وهذا ما لم يحدث بطبيعة الحال.