مفتاح: أجانب الحسكة استعادوا الجنسية لا حقوق السكن والأرض والملكية
رغم استعادتهم الجنسية السورية في العام 2011، لا زال كثير من الأكراد السوريين المجردين سابقاً منها، يعانون من صعوبة استعادة أملاكهم. كما لم تترافق استعادة الجنسية مع تعويض الأكراد عما خسروه من حقوق السكن والأرض والملكية.
حكومة الرئيس ناظم القدسي، كانت قد أصدرت المرسوم رقم 93 لعام 1962، القاضي بإجراء إحصاء استثنائي في محافظة الحسكة. وأجرت الحكومة ذلك الإحصاء في يوم واحد، ولم تمنح ما يكفي من وقت للسكان المحليين لتقديم مستندات ووثائق تثبت إقامتهم في سوريا منذ العام 1945 على الأقل. وتشكلت لجنة عليا بمرسوم جمهوري، بناءً على اقتراح وزير الداخلية، لدراسة نتائج الإحصاء. وتولت اللجنة تثبيت النتائج أو رفضها، لكل حالة على حدى. وأعدت اللجنة التعليمات للجهات الإدارية والسجلات المدنية للتنفيذ. وفي المجمل، تم تجريد آلاف الأكراد من الجنسية السورية بسبب ذلك الإحصاء الاستثنائي، في ترجمة لسياسة التعصب القومي العربي لدى السلطات السورية في تلك المرحلة ضد الأكراد.
وبحسب دراسة نشرتها مجلة صور في العام 2018، بعنوان “المجرّدون والمحرومون من الجنسيّة السوريّة منذ إحصاء 1962“، فإن من الأكراد المجردين من الجنسية فئتان رئيسيتان؛ الأولى تُعرفُ باسم “أجانب الحسكة”، وهم من تمنحهم السلطات السورية إخراجات قيد خاصة تسمى بالبطاقات الحمراء. والثانية تعرف باسم “مكتومو القيد”، وهم أبناء أب من الفئة الأولى وأمّ سورية، وتمنحهم السلطات السورية فقط شهادة تعريف يُصدرها المختار.
وعدا عن تجريد أولئك الأكراد من الجنسية، فقد تأثرت أيضاً حقوقهم المدنية ومنها حقوق السكن، الأرض والملكية. الأكراد المجردين من الجنسية اضطروا إلى تسجيل أملاكهم بأسماء أقاربهم أو معارفهم، بهدف حماية ممتلكاتهم. إذ أن القانون رقم 189 لعام 1952 كان قد حظر إنشاء أو تعديل أو نقل أي حق عقاري في سوريا لأي شخص غير سوري. وتسبب ذلك في إشكاليات قانونية كثيرة، أبرزها النزاعات اللاحقة على الملكية بين ورثة أصحاب الحقوق الأصليين ومكتسبي الحقوق بالتسجبل.
كما أن أعمال التحديد والتحرير التي جرت بعد الإحصاء الاستثنائي، أغفلت حقوق أصحاب الأراضي المجردين من الجنسية، فسجّلت أراضيهم تحت بند أملاك الدولة. ونظام التحديد والتحرير الصادر بالقرار رقم 186 لعام 1926، هو نظام خاص بمسح المناطق التي لم توثّق بعد في السجل العقاري، ويهدف إلى افتتاح صحف عقارية للعقارات وتخصيص أرقام لها، وتسجيلها بأسماء المالكين لها، في المصالح العقارية.
كذلك، حُرِمَ أولئك الأكراد، بأثر رجعي، من حق الانتفاع من الأراضي الزراعية الموزعة على الفلاحين بموجب قانون الاصلاح الزراعي رقم 161 الصادر خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر 1958-1961. وبالتالي، فقد حرموا من حق تملك تلك الأرضي مستقبلاً كما هو حال بقية المنتفعين منها.
واستمرت السياسات التمييزية ضد الأكراد خمسة عقود في ظل حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سورية. وفقط بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، صدر المرسوم رقم 49 لعام 2011، القاضي بمنح الجنسية السورية للمسجلين في سجلات أجانب الحسكة. ورغم أحقيته القانونية، إلا أن المرسوم حمل بعداً سياسياً واضحاً في محاولة لإرضاء الأكراد واستمالتهم بعيداً عن الثورة السورية.
وقد أشارت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، إلى أنّه وحتى مطلع العام 2011 بلغ عدد أجانب الحسكة المسجّلين ضمن القيود الرسمية للحكومة السورية 346,242 شخصاً، وقد حصل معظمهم على الجنسية السورية بعد صدور المرسوم 49. ولم يشمل المرسوم 49 مكتومي القيد من الأكراد صراحة، والذين بلغ عددهم 171,300 شخصاً في العام 2011. وقد حصل 50,400 من مكتومي القيد على الجنسية السّورية بعد تصحيح وضعهم القانوني من فئة المكتومين إلى فئة أجانب الحسكة.
وقد تمكن العديد من الأكراد وورثتهم، بعد استعادتهم الجنسية، من استعادة أملاكهم، من الحائزين عليها بالتسجيل أو ورثتهم، وذلك بالتراضي. ولكن، النسبة الأكبر من أولئك الأكراد لم تتمكن من استعادة حقوقها. فالمشكلة أن المرسوم 49\2011، لم ينص على تعويض أولئك الأكراد عن الغبن المعنوي والمادي الذي طالهم طيلة العقود الخمسة السابقة. المرسوم لم يشر بأي حال من الأحوال إلى الانتهاكات التي وقعت على حقوق السكن والأرض والملكية لهذه الشريحة من السوريين.