مخاوف أهالي اللاذقية بعد الزلزال
منذ زلزال 6 شباط، ما زال بعض أصحاب العقارات المتضررة في اللاذقية يجهلون ما ينتظرهم، وسط خشيتهم الظاهرة من السؤال عما في جعبة الدولة لتعويضهم. ويترافق ذلك مع تخبط حكومي وبلدي، في تقديم حلول حقيقية للناس، ما يسهل انتشار الإشاعات والأخبار المضللة.
الخوف تسرب إلى مختلف المواضيع التي تخص العقارات المتضررة، وحقوق المتضررين. فإذا لم يكن لديهم أقارب أو معارف من المسؤولين المتنفذين، أو إذا كانوا غير قادرين على دفع الرشاوى للموظفين في البلديات ولجان السلامة العامة، يخشى أصحاب العقارات المتضررة السؤال عن حقوقهم. وقد يعود ذلك إلى طبيعة الدولة الأمنية السورية التي تعامل كثيراً من المواضيع اليومية التي تمس حياة الناس كأسرار ترفض مشاركتها معهم. ومن ذلك، البيانات والإحصاءات، والمخططات التنظيمية، والخطط الحكومية التفصيلية. كما أن انتساب عدد كبير من أبناء الساحل إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية، واعتيادهم تنفيذ الأوامر، يجعل من تجنب مساءلة السلطات العامة، سلوكاً عادياً.
أحد المتضررين، قال لسيريا ريبورت بأن الوضع في أروقة ودواوين محافظة اللاذقية، أشبه بـ”الثقب الأسود”. هناك، لا تُعمم المعلومات على الناس بشفافية، ولا يحصل المراجعون على أجوبة واضحة عن حقوقهم. بل إن الملفت هو وجود مواضيع تعتبر خطوطاً حمراء مفترضة يُمنعُ الحديث فيها. ولا يعرف أحد على وجه الدقة سبب وجود هذه الخطوط الحمر، ولا من يضعها، ولا إن كانت مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة. إذ أنه مع غياب الأجوبة الدقيقة والمعلومات، فإن معظم ما يحصل عليه المُراجِعون هو شائعات يتبادلونها بين بعضهم البعض، يضخمونها ككرة الثلج، ويضيفون عليها عناصر متفرقة من نظريات المؤامرة.
مثلاً، في لحظة ما، بات الحديث عن تراخيص التدعيم ممنوعاً. وتبادل المراجعون همساً إشاعات عن إمكانية تعويض الدولة جزءاً من كلفة تدعيم الأبنية المتصدعة، وفق لوائح سرية غير معلنة بأسماء المستحقين. ثم باتت مُسائلةُ البلديات في إخلاء الأبنية الآيلة للسقوط وتشميعها بالشمع الأحمر خطاً أحمر ممنوع الخوض فيه. السؤال عن وجهة ترحيل أنقاض الأبنية خط أحمر آخر. حالياً، يخشى الناس السؤال عن المساكن المؤقتة مسبقة الصنع، ومنها ما تعهدت دول كالصين والإمارات مؤخراً بتقديمها؛ إن كان لمواقع إقامتها، والمستحقين لها. يتبادل المراجعون الأحاديث عن وصول تلك المساكن مسبقة الصنع إلى اللاذقية، لكنهم يخشون سؤال الموظفين عنها. بعض الشائعات تحدثت عن وجود لوائح سرية بأسماء مستحقي تلك المساكن، ليس بالضرورة أن يكونوا جميعهم من أصحاب العقارات المتضررة.
أبو علي، صاحب بناء مؤلفاً من طابقين في ريف اللاذقية، وقد تعرض المبنى لانهيار جزئي بسبب الزلزال، استأجر منزلاً في حمص، نقل إليه عائلته، خوفاً من انهيار كامل المبنى بسبب الهزات الارتدادية. وخلال تلك الفترة، راجع أبو علي البلدية في منطقته، ومحافظة اللاذقية، مراراً وتكراراً، لمعرفة ما يجب عمله؛ إن كان لجهة تدعيم المبنى أو إمكانية تعويضه بسكن بديل. لكنه لم يحصل على أي جواب يقيني، بل بدأت أسئلته المُحقة تثير ريبة الموظفين واستهجانهم. بعد ثلاثة شهور على الزلزال، باع أبو علي سيارته وأرضاً زراعية يملكها، وسافر مع عائلته إلى إحدى الدول الخليجية. أبو علي قال إنه تحمل الخوف من الحرب لعشر سنوات، على أمل انتهائها وتحسن الأوضاع. ولكن، بعد الزلزال، اتضح بأن الدولة تفشل في إدارة أي أزمة حتى لو كانت طبيعية، وهذا بحد ذاته مخيف جداً.
انهار منزل سوزان في قرية بريف اللاذقية، بشكل جزئي، وأصبح غير صالح للسكن، فانتقلت وعائلتها إلى منزل والدتها المجاور. وفقط بعد ثلاثة أشهر على الزلزال، وصلت أول لجنة سلامة إنشائية الى القرية لتقييم الأضرار. سوزان سألت أعضاء اللجنة عن الخطة الحكومية لتعويض المتضررين بالسكن البديل، وكيفية الحصول عليه. أحد مهندسي اللجنة أجاب بأنهم لا يملكون أية معلومات. سوزان تخشى السؤال في محافظة اللاذقية، وتعتبر أن أبواب مؤسسات الدولة موصدة بوجه الناس.
محمد، رجل ميسور الحال يملك بناءً قديماً في مدينة اللاذقية، بات غير صالح للسكن بعد الزلزال، بحسب رأي مهندس استشاري استعان به محمد على حسابه الشخصي. غادر محمد وعائلته من المنزل، واستأجر منزلاً في ريف اللاذقية، وسط مخاوف من العودة إلى المبنى المتضرر. وقد رفضت المحافظة منح محمد رخصة لتدعيم منزله، ومنعته في الوقت ذاته من تدعيمه من دون ترخيص. لذا، قام محمد بتدعيم الجهة الخلفية من المبنى من دون ترخيص، لأنها غير مطلة على الشارع، ولا يمكن للجان السلامة الإنشائية مراقبتها. ويحاول محمد الحصول على ترخيص لتدعيم الجهة الأمامية من المبنى، من دون جدوى. يقول محمد إن موظفي الدولة مزاجيين، يتخذون قرارات لا تصب في صالح الناس، وتعرضهم للخطر. يوضح محمد أن الناس باتت وحيدة في مواجهة كارثة طبيعية، وسلطة مستبدة لا تكترث بهم. فالمحافظة تصدر قرارات متناقضة، حيناً بتسهيل منح تراخيص التدعيم، وحيناً بالتشدد في منحها، من دون تبرير منطقي.
سامر يعيش وعائلته في أحد أحياء مدينة اللاذقية، وقد تعرض كامل البناء لتصدعات واضحة خلال الزلزال. وعندما أراد سامر التقدم إلى البلدية بطلب للكشف على البناء وتقييم مدى صلاحيته للسكن، منعه بقية السكان من ذلك خشية الدخول في متاهة البلدية واللجان. إذ خشي الجيران من أن البلدية قد تجبرهم على إخلاء المبنى إن كشفت عليه، أو قد تلزمهم بالتدعيم على حسابهم الخاص.
الأخوين رياض وبهاء يعيشان في شقتين متقابلتين ضمن بناء طابقي، ظهرت فيه تصدعات واضحة، فنزح عنه جميع السكان إلى مراكز الإيواء. البلدية لم تكشف على البناء لحد اليوم، وليس لدى رياض وبهاء من مكان آخر يعيشون فيه، لذا قررا العودة إلى المبنى المهدد بالانهيار. يقول بهاء، إن العيش في منزل آيل للسقوط أقل قلقاً من العيش في مركز إيواء بانتظار المجهول.
شيماء من مدينة اللاذقية، انهار البناء الذي كانت تقطنه وعائلتها، وفقدت بعض أفراد عائلتها. تعيش شيماء حالياً، مع من تبقى من عائلتها، مشتتين في بيوت أقاربهم. سمعت شيماء من فترة قريبة بأن الصين ستخصص مساكن بديلة مسبقة الصنع للمتضررين في اللاذقية، لكنها سمعت من أحد أقاربها بأن هذا السكن ليس مخصصاً للعائلات، بل هو صغير المساحة وسيوزع على الأفراد. وفي ظل خوفها من السؤال في المحافظة، تؤكد شيماء أن أحداً من المسؤولين لم يخبرهم شيئاً بخصوص مستقبلهم وإمكانية حصولهم على السكن البديل.